مختصر تفسير ابن كثير
الناشر
دار القرآن الكريم
رقم الإصدار
السابعة
سنة النشر
١٤٠٢ هـ - ١٩٨١ م
مكان النشر
بيروت - لبنان
تصانيف
- ٨٠ - وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
يَقُولُ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنِ الْيَهُودِ فِيمَا نَقَلُوهُ وَادَّعَوْهُ لِأَنْفُسِهِمْ، مِنْ أَنَّهُمْ لَنْ تَمَسَّهُمُ النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً، ثُمَّ يَنْجُونَ منها، فردَّ الله عليهم ذلك بقوله تعالى: ﴿قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللَّهِ عَهْدًا﴾ أَيْ بِذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ عَهْدٌ فَهُوَ لَا يُخْلِفُ عَهْدَهُ، وَلَكِنَّ هَذَا مَا جَرَى وَلَا كان، ولهذا أتى بأم التِي بِمَعْنَى (بَلْ) أَيْ بَلْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ مِنَ الْكَذِبِ وَالِافْتِرَاءِ عَلَيْهِ. قال مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يقولون: إن هَذِهِ الدُّنْيَا سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ، وَإِنَّمَا نُعَذَّبُ بِكُلِّ أَلْفِ سنةٍ يَوْمًا فِي النَّارِ، وَإِنَّمَا هِيَ سَبْعَةُ أَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً﴾ إلى قوله: ﴿خَالِدُونَ﴾ وقال العوفي عن ابن عباس: قَالُواْ لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وهي مدة عبادتهم العجل، وقال قَتَادَةَ: ﴿وَقَالُواْ لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً﴾ يَعْنِي الْأَيَّامَ التِي عَبَدْنَا فِيهَا الْعِجْلَ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: خَاصَمَتِ الْيَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالُوا: لَنْ نَدْخُلَ النَّارَ إلا أربعين ليلة، وسيخلفنا فيها قَوْمٌ آخَرُونَ، يَعْنُونَ مُحَمَّدًا ﷺ وَأَصْحَابَهُ، فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بيده على رؤوسهم: (بل أنتم خالدون ومخلدون لا يخلفكم فيها أحد)، فأنزل الله ﷿: ﴿وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً﴾ الآية. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ شَاةٌ فِيهَا سمُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (اجمعو لي من كان من ⦗٨٣⦘ اليهود هنا) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ أَبُوكُمْ؟» قَالُوا: فُلان، قَالَ: «كَذَبْتُمْ بَلْ أَبُوكُمْ فُلَانٌ» فَقَالُوا: صَدَقْتَ وَبَرَرْتَ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «هَلْ أَنْتُمْ صادقيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ؟» قَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، وَإِنْ كَذَبْنَاكَ عَرَفْتَ كَذِبَنَا كَمَا عَرَفْتَهُ فِي أَبِينَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ أَهْلُ النَّارِ؟» فَقَالُوا: نَكُونُ فِيهَا يَسِيرًا ثُمَّ تَخْلُفُونَا فِيهَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اخْسَئُوا وَاللَّهِ لَا نَخْلُفُكُمْ فِيهَا أَبَدًا" ثُمَّ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «هَلْ أَنْتُمْ صادقيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ؟»، قَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، قال: «هَلْ جَعَلْتُمْ فِي هَذِهِ الشَّاةِ سُمًّا؟» فَقَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «فَمَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟»، فَقَالُوا: أَرَدْنَا إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا أَنْ نَسْتَرِيحَ مِنْكَ، وإن كنت نبيًا لم يضرك (رواه الإمام أحمد والبخاري والنسائي وابن مردويه واللفظ له عن أبي هريرة ﵁.
1 / 82