يا ابن ادم اقصر عن تناول ما لا تنال وعن طلب ما لا تدرك وعن ابتغاء ما لا يوجد واقطع الرجاء منك عما فقدت من الاشياء واعلم انه رب مطلوب هو شر لطالبه يا ابن ادم انما الصبر عند المصيبة واعظم من المصيبة سوء الخلف منها.
يا بن ادم فاي الدهر ترتجي أيوما يجيء في غرة أو يوما تستأخر فيه عن أوان مجيئه? انظر إلى الدهر تجده ثلاثة أيام يوما مضى لا ترتجيه ويوما لا بد منه ويوما يجيء لا تامنه فامس شاهد مقبول وأمين مؤد وحكيم وارد قد فجعك بنفسه وخلف في يديك حكمته واليم صديق مودع كان طويل الغيبة وهو سريع الظعن اتاك ولم تاته وقد مضى قبله شاهد عدل فان كان ما فيه لك فاشفعه بمثله.
يا ابن ادم مضت لنا اصول نحن فروعها فما بقاء الفرع بعد اصله.
يا بن ادم انما اهل هذه الدار سفر لا يحلون عقدة الرحال الا في غيرها وانما يتبلغون بالعواري فما أحسن الشكر للنعم والتسليم للمعير فاعلم يا ابن ادم انه لا رزية اعظم من رزية في عقل ممن ضيع اليقين.
أيها الناس إنما البقاء بعد الفناء وقد خلقنا ولم نكن سنبلى ثم نعود الا وانما العوارى اليوم والهبات غدا الا وانه قد تقارب منا سلب فاحش او اعطاء جزيل فاستصلحوا ما تقدمون بما تظعنون عنه.
ايها الناس انما انتم في هذه الدار غرض فيكم المنايا تنتضل وان الذي انتم فيه من دنياكم نهب للمصائب لا تتناولون فيها نعمة الا بفراق اخرى ولا يستقبل معمر منكم يوما من عمره الا بهدم آخر من اجله ولا تجدد زيادة في اجله الا بنفاد ما قبله من رزقه ولا يحيا له اثر الا مات له اثر فنسال الله ان يبارك لنا ولكم فيما مضى من هذه العظة.
وعن بكار بن عبد الله قال سمعت وهب بن منبه يقول مر رجل عابد على رجل عابد فقال ما لك قال اعجب من فلان ان كان قد بلغ من عبادته فمالت به الدنيا فقال لا تعجب ممن تميل به ولكن اعجب ممن استقام.
صفحة ٩٨