مختصر صفة الصفوة لابن الجوزى
اعداد: أبوأحمدمعتز أحمد عبد الفتاح
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
إن لم تكونوا مثلهم فتشبهوا إن التشبه بالكرام فلاح
يقع كتاب صفة الصفوة فى الاصل (527 صفحة) أربع مجلدات ... 0 وهذه خلاصة الكتاب .....0
طريقتى فى الاختصار ذكر العبر والفوائد فقط واريد من القارئ ان يكون هدفه العبرة والفائدة واذكر لك مثالا:
(( قال محمد بن حفص: مررت على أخ لي من أهل مصر ونحن بالثغر، فأخرج إلي شكالا. فقال: انظر من أي شيء هذا الشكال? فنظرت فإذا شكال من شعر، كأنه من صفائه وشدة سواده قد دهن بالدهن. فقلت: هذا عندي من أعراف الخيل العتاق الكرام. فقال: لا. والله، ولكنه من شعر امرأة من أهل إفريقية جعلت منه شكالا، ثم أرسلت به إلي فقالت: اجعله شكال فرس غاز في سبيل الله عز وجل فإني طالما تمتعت به في غير طاعة الله قلت(ابن الجوزى)إنما ينظر إلى ذل هذه المرأة لله تعالى وقصدها لا إلى صورة فعلها لأنها جهلت أن هذا الفعل لا يجوز.)) منقول من صفة الصفوة ..... فاريد منك هنا ان تلحظ تذلل المرأة وتضحيتها دون صورة الفعل .
وبلا شك ان العلم قبل العمل0كمابوب البخارى لكننى أريد ان تعلو الهمم وتزكو الانفس ونتربى بالقدوة0
ومن القواعد الهامة للنجاة والفلاح ان تحسن الظن بالمسلمين وتسئ الظن بنفسك وتعتنى باصلاح نفسك ...
تذكر ذنوبك وتقصيرك ... ولا يكن همك الحكم على المسلمين وانتقاصهم فالكبر بطر الحق وغمط الناس ...
*ستجد الفوائد متفرقة فتارة فى الحض على الاخلاص وتارة فى التنبيه على حقارة الدنيا وتارة فى العبادة ... 0
انقل نص كلام المصنف مع تصرف قليل جدا احيانا لا يخل بالمعنى ..... ... وقد حذفت الاتى :
* شيء من الترجمة وغالب أسانيد العبر ... فأنا اقصد العبر والفوائد فقط ...
* من اسند إليهم أو الكنيةأو شيء من النسب أو تاريخ ومكان الوفاة ...
صفحة ١
* بعض القصص المكررة أوالمبالغ فيها وعليها مسحات صوفية وفيها مخالفات للشريعة 0
* أحاديث لا تصح أوليس هذا مكانها أو مكررة0
* (السيرة النبوية وجاءت فى 14 صفحة) لان محلها كتب السيرة .....
* (ذكرالصحابة جاءفى138 صفحة) ورأيت افرادهم بمصنف مستقل وقد بدأت من التابعين
اسأل الله التواب الغفور ان يغفر لنا ويرحمناونشهده أنا نحبه ونبيه والأنبياء والمؤمنين ونبغض الكافرين ... .
واتركك مع الشيخ الإمام العلامة ابن الجوزى يوضح لك منهجه وطريقته فى ترتيب ونهج الكتاب ..... ... .
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة رب يسر وأعن
قال الشيخ الإمام العلامة جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي رحمه الله:
الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى، حمدا إذا قابل النعم وفى، وسلاما إذا بلغ المصطفين شفى، وخص الله بخاصة ذلك نبينا المصطفى، ومن احتذى حذوه من أصحابه وأتباعه واقتفى، وفقنا لسلوك طريقهم ...
أما بعد: فإنك الطالب الصادق، والمريد المحقق لما نظرت في كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني أعجبك ذكر الصالحين والأخيار، ورأيته دواء لأدواء النفس، إلا أنك شكوت من إطالته بالأحاديث المسندة التي لا تليق به وبكلام عن بعض المذكورين كثير قليل الفائدة، وسألتني أن أختصره لك وأنتقي محاسنه، فقد أعجبني منك أنك أصبت في نظرك، إلا أنه لم يكشف لك كل الأمر، وأنا أكشفه لك فأقول: اعلم أن كتاب الحلية قد حوى من الأحاديث والحكايات جملة حسنة إلا أنه تكدر بأشياء وفاتته أشياء، فالأشياء التي تكدر بها عشرة: الأول -أن هذا الكتاب إنما وضع لذكر أخبار الأخيار، وإنما يراد من ذكرهم شرح أحوالهم وأخلاقهم ليقتدي بها السالك، فقد ذكر فيه أسماء جماعة ثم لم ينقل عنهم شيئا من ذلك ..... .....
صفحة ٢
والثاني -أنه قصد ما ينقل عن الرجل المذكور، ولم ينظر هل يليق بالكتاب أم لا، مثل ما ملأ ترجمة مجاهد بقطعة من تفسيره، وترجمة عكرمة بقطعة من تفسيره ..... ... وليس هذا بموضع هذه الأشياء.
والثالث -أنه أعاد أخبارا كثيرة مثل ما ذكر في ترجمة الحسن البصري من كلامه، ثم أعاده في تراجم أصحابه الذين يرون كلامه ..... ... 0
والرابع -أنه أطال بذكر الأحاديث المرفوعة التي يرويها الشخص الواحد فينسى ما وضع له ذكر الرجل من بيان آدابه وأخلاقه، كما ذكر شعبة وسفيان ومالك وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل وغيرهم، فإنه ذكر عن كل واحد من هؤلاء من الأحاديث التي يرويها مرفوعة جملة كثيرة، ومعلوم أن مثل كتابه الذي يقصد به مداواة القلوب إنما وضع لبيان أخلاق القوم لا الأحاديث، ولكل مقام مقال، ثم لو كانت الأحاديث التي ذكرها من أحاديث الزهد اللائقة بالكتاب لقرب الأمر، ولكنها من كل فن، وعمومها من أحاديث الأحكام والضعاف ...
والخامس أنه ذكر في كتابه أحاديث كثيرة باطلة وموضوعة، فقصد بذكرها تكثير حديثه وتنفيق رواياته، ولم يبين أنها موضوعة ومعلوم أن جمهور المائلين إلى التبرر يخفى عليهم الصحيح من غيره، فستر ذلك عنهم غش من الطبيب لا نصح.
والسادس -السجع البارد في التراجم، الذي لا يكاد يحتوي على معنى صحيح خصوصا في ذكر حدود التصوف.
والسابع -إضافة التصوف إلى كبار السادات كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن وشريح وسفيان وشعبة ومالك والشافعي وأحمد وليس عند هؤلاء القوم خبر من التصوف.
صفحة ٣
فإن قال قائل: إنما عنى به الزهد في الدنيا وهؤلاء زهاد، قلنا: التصوف مذهب معروف عند أصحابه لا يقتصر فيه على الزهد بل له صفات وأخلاق يعرفها أربابه ولولا أنه أمر زيد على الزهد ما نقل عن بعض هؤلاء المذكورين ذمه، فانه قد روى أبو نعيم في ترجمة الشافعي رحمة الله عليه أنه قال: التصوف مبني على الكسل، ولو تصوف رجل أول النهار لم يأت الظهر إلا وهو أحمق .وقد ذكرت الكلام في التصوف ووسعت القول فيه في كتابي المسمى بتلبيس إبليس.
والثامن -أنه حكى في كتابه عن بعض المذكورين كلاما أطال به لا طائل فيه .....
والتاسع -أنه ذكر أشياء عن الصوفية لا يجوز فعلها، فربما سمعها المبتدئ القليل العلم فظنها حسنة فاحتذاها، مثل ما روي عن أبي حمزة الصوفي أنه وقع في بئر فجاء رجلان فطماها، فلم ينطق حملا لنفسه على التوكل بزعمه، وسكوت هذا الرجل في مثل هذا المقام إعانة على نفسه وذلك لا يحل، ولو فهم معنى التوكل لعلم أنه لا ينافي استغاثته في تلك الحال، كما لم يخرج رسول الله. صلى الله عليه وسلم من التوكل بإخفائه الخروج من مكة واستئجاره دليلا واستكتامه، واستكفائه ذلك الأمر واستتار في الغار، وقوله لسراقة: أخف عنا.
فالتوكل الممدوح لا ينال بفعل محذور، وسكوت هذا الواقع في البئر محظور عليه، وبيان ذلك أن الله عز وجل قد خلق للآدمي آلة يدافع بها عن نفسه الضرر وآلة يجتلب بها النفع، فإذا عطلها مدعيا للتوكل كان جهلا بالتوكل وردا لحكمة الواضع لأن التوكل إنما هو اعتماد القلب على الله سبحانه وليس من ضرورته قطع الأسباب، ولو أن إنسانا جاع فلم يأكل، أو احتاج فلم يسأل، أو عري فلم يلبس، فمات دخل النار، لأنه قد دل على طريق السلامة فإذا تقاعد عنها أعان على نفسه.
صفحة ٤
والعاشر -أنه خلط في ترتيب القوم فقدم من ينبغي أن يؤخر وآخر من ينبغي أن يقدم، فعل ذلك في الصحابة وفيمن بعدهم، فلا هو ذكرهم على ترتيب الفضائل، ولا على ترتيب المواليد، ولا جمع أهل كل بلد في مكان ... 0
وأما الأشياء التي فاتته فأهمها ثلاثة أشياء: أحدها -أنه لم يذكر سيد الزهاد وأمام الكل وقدوة الخلق وهو نبينا. صلى الله عليه وسلم فانه المتبع طريقه المقتدي بحاله
والثاني -أنه ترك ذكر خلق كثير قد نقل عنهم من التعبد والاجتهاد الكبير .....
والثالث -أنه لم يذكر من عوابد النساء إلا عددا قليلا، ومعلوم أن ذكر العابدات ... يوثب المقصر من الذكور0
وقد حداني جدك أيها المريد، في طلب أخبار الصالحين وأحوالهم أن أجمع لك كتابا يغنيك عنه ويحصل لك المقصود منه، ويزيد عليه بذكر جماعة لم يذكرهم، وأخبار لم ينقلها، وجماعة ولدوا بعد وفاته، وينقص عنه بترك جماعة قد ذكرهم لم ينقل عنهم كبير شيء وحكايات قد ذكرها، فبعضها لا ينبغي التشاغل به، وبعضها لا يليق بالكتاب على ما سبق بيانه.
فصل في بيان وضع كتابنا والكشف عن قاعدته
لما كان المقصود بوضع مثل هذا الكتاب ذكر أخبار العاملين بالعمل، الزاهدين في الدنيا، الراغبين في الآخرة، المستعدين للنقلة بتحقيق اليقظة والتزود الصالح، ذكرت من هذه حاله دون من اشتهر بمجرد العلم ولم يشتهر بالزهد والتعبد.
فصل في بيان ترتيب كتابنا
أنا أبتدئ بتوفيق الله سبحانه ومعونته فأذكر بابا في فضل الأولياء الصالحين، ثم أردفه بذكر نبينا محمد. صلى الله عليه وسلم وشرح أحواله وآدابه وما يتعلق به، ثم أذكر المشتهرين من أصحابه بالعلم المقترن بالزهد والتعبد، وآتي بهم على طبقاتهم في الفضل ثم أذكر المصطفيات من الصحابيات على ذلك القانون، ثم اذكر التابعين ومن بعدهم على طبقاتهم في بلدانهم.
صفحة ٥
وقد طفت الأرض بفكري شرقا وغربا، واستخرجت كل من يصلح ذكره في هذا الكتاب من جميع البقاع. ورب بلدة عظيمة لم أر فيها من يصلح لكتابنا. وقد حصرت أهل كل بلدة فيها وترتيبهم على طبقاتهم: أبدأ بمن يعرف اسمه من الرجال، ثم اذكر بعد ذلك من لم يعرف اسمه، فإذا انتهى ذكرت عابدات ذلك البلد على ذلك القانون، وربما كان في أهل البلد من عقلاء المجانين من يصلح ذكره من الرجال والنساء فاذكره.
وإنما ضبطت هذا الترتيب تسهيلا للطلب على الطالب، ولما لم يكن بد من مركز يكون كنقطة للدائرة رأيت أن مركزنا وهو بغداد أولى من غيره، إلا أنه لما لم يمكن تقديمها على المدينة ومكة لشرفهما، بدأت بالمدينة لانها دار الهجرة، ثم ثنيت بمكة ثم ذكرت الطائف لقربها من مكة ثم اليمن وعدت إلى مركزنا بغداد فذكرت المصطفين منها ثم انحدرت إلى المدائن ونزلت إلى واسط، ثم إلى البصرة، ثم إلى الأبلة ثم عبادان ثم تستر ثم شيراز ثم كرمان ثم أرجان ثم سجستان ثم ديبل ثم البحرين ثم اليمامة ثم الدينور ثم همذان ثم قزوين ثم أصبهان ثم الري ثم دامغان ثم بسطام ثم نيسابور ثم طوس ثم هراة ثم مرو ثم بلخ ثم ترمذ ثم بخاري ثم فرغانة ثم نخشب. ثم ذكرت عباد المشرق المجهولين البلاد والأسماء، فلما انتهى ذكر أهل المشرق عدنا إلى مركزنا وارتقينا منه إلى المغرب، وقد ذكرنا أهل عكبرا ثم الموصل ثم البرقة ثم طبقات أهل الشام ثم المقدسيين، ثم أهل جبلة ثم أهل العواصم والثغور، ثم من لم يعرف بلده من عباد أهل الشام، ثم عسقلان ثم مصر ثم الإسكندرية ثم المغرب، ثم عباد الجبال، ثم عباد الجزائر، ثم عباد السواحل، ثم أهل البوادي والفلوات، ثم من لم نعرف له مستقرا من العباد وإنما لقي في طريق: فمنهم من لقي في مكة، ومنهم من لقي بعرفة، ومنهم من لقي في الطواف، ومنهم من لقي في غزاة، ومنهم من لقي في طريق سفر ...
صفحة ٦
ثم ذكرت من لم يعرف له اسم ولا مكان من العباد. ثم ذكرت طرفا من أخبار بنيات صغار تكلمن بكلام العابدات الكبار ثم ذكرت طرفا من أخبار عباد الجن فختمت بذلك الكتاب والله الموفق.
وإنما أنقل عن القوم محاسن ما نقل مما يليق بهذا الكتاب ولا أنقل كل ما نقل، إذ لكل شيء صناعة، وصناعة العقل حسن الاختيار، وكما أني لا أذكر ما لا يصلح أن يقتدى به ممن هو في صورة العلماء والزهاد.
وقد تجوزت بذكر جماعة من المتصوفة وردت عنهم كلمات منكرة وكلمات حسان، فانتخبت من محاسن أقوالهم لأن الحكمة ضالة المؤمن، ومع تنقينا وتوقينا وحذف من لا يصلح وما لا يصلح، فقد زاد عدد من في كتابنا على ألف شخص: يزيد الرجال على ثمإنمائة زيادة بينة، وتزيد النساء على مائتين زيادة كثيرة.
باب ذكر فضل الأولياء والصالحين
الأولياء والصالحون هم المقصود من الكون، وهم الذين علموا فعملوا بحقيقة العلم.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله.صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها. وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته . رواه البخاري.
وعنه قال: قال رسول الله.صلى الله عليه وسلم إن من عباد الله من لو أقسم علي الله لأبره .....
وعن ابن عيينة قال: عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة .
قال محمد بن يونس: ما رأيت للقلب أنفع من ذكر الصالحين .
صفحة ٧
ذكر المصطفين من التابعين ومن بعدهم على طبقاتهم في بلدانهم عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الناس قرنى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم. ثم ياتي بعد ذلك قوم تسبق شهاداتهم ايمانهم، إيمانهم شهادتهم اخرجاه في الصحيحين .
ذكر المصطفين من طبقات أهل المدينة من التابعين ومن بعدهم من الطبقة الأولى
-محمد بن علي بن أبي طالب وهو ابن الحنفية ... 0
قال محمد بن الحنفية: من كرمت عليه نفسه لم يكن للدنيا عنده قدر0
وقال ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لم يجد من معاشرته بدا حتى يجعل الله له فرجا، أو قال مخرجا
وعنه قال: إن الله عز وجل جعل الجنة ثمنا لأنفسكم فلا تبيعوها بغيرها.
قال محمد بن الحنفية: يا منذر. قلت: لبيك. قال: كل مالا يبتغى به وجه الله يضمحل.
سعيد بن المسيب بن حزن
قال سعيد بن المسيب: ما بقي أحد أعلم بقضاء قضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، منى
قال ا بن حرملة ما كان إنسان يجترئ على سعيد ابن المسيب يسأله عن شيء حتى يستأذنه كما يستأذن الأمير.
وجاء رجل إلى سعيد بن المسيب وهو مريض فسأله عن حديث وهو مضطجع، فجلس فحدثه. فقال له ذلك الرجل: وددت أنك لم تتعن فقال إني كرهت أن أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مضطجع.
وكان عمر بن عبد العزيز يقول: ما كان عالم بالمدينة إلا يأتيني بعلمه وأوتى بما عند سعيد بن المسيب.
قال سعيد بن المسيب لا تملؤوا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بإنكار من قلوبكم لكي لا تحبط أعمالكم الصالحة.
وعن يزيد بن حازم قال: كان سعيد بن المسيب يسرد الصوم.
وعن برد مولى ابن المسيب قال ما نودي بالصلاة منذ أربعين سنة إلا وسعيد في المسجد.
وعن عبد المنعم بن إدريس عن أبيه قال: صلى سعيد بن المسيب الغداة بوضوء العتمة خمسين سنة.
صفحة ٨
وعن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب قال: ما يئس الشيطان من شيء إلا أتاه من قبل النساء وقال لنا سعيد وهو ابن أربع وثمانين سنة وقد ذهبت إحدى عينيه وهو يعشو بالأخرى: ما من شيء أخوف عندي من النساء.
قال سعيد بن المسيب: ما أكرمت العباد أنفسها بمثل طاعة الله عز وجل ولا أهانت أنفسها بمثل معصية الله، وكفى بالمؤمن نصرة من الله عز وجل أن يرى عدوه يعمل بمعصية الله.
وعن سعيد بن المسيب قال: من استغنى بالله افتقر إليه الناس.
قال سعيد بن المسيب: إن الدنيا نذالة هي إلى كل نذل أميل، وأنذل منها من أخذها بغير حقها، وطلبها بغير وجهها ووضعها في غير سبلها.
وعن مالك بن أنس قال: قال سعيد ابن المسيب: إنه ليس من شريف ولا عالم ولا ذي فضل إلا وفيه عيب ولكن من الناس من لا ينبغي أن تذكر عيوبه: من كان فضله أكثر من نقصه وهب نقصه لفضله ..... ...
سليمان بن يسار وعطاء بن يسار
خرج عطاء بن يسار وسليمان بن يسار حاجين من المدينة، ومعهما أصحاب لهم، حتى إذا كانوا بالأبواء نزلوا منزلا. فانطلق سليمان وأصحابه لبعض حاجتهم وبقي عطاء بن يسار قائما في المنزل يصلي. قال: فدخلت عليه إمرأة من الأعراب جميلة فلما رآها عطاء ظن أن لها حاجة فأوجز في صلاته، ثم قال: ألك حاجة? قالت: نعم. قال: ما هي? قالت: قم فأصب مني فإني قد ودقت ولا بعل لي فقال: إليك عني لا تحرقيني ونفسك بالنار.
صفحة ٩
ونظر إلى إمرأة جميلة، فجعلت تراوده عن نفسه ويأبى إلا ما يريد. قال: فجعل عطاء يبكي ويقول: ويحك إليك عني. قال: اشتد بكاؤه فلما نظرت المرأة إليه وما داخله من البكاء والجزع بكت المرأة لبكائه. قال: فجعل يبكي والمرأة بين يديه تبكي. فبينما هو كذلك إذا جاء سليمان من حاجته قلما نظر إلى عطاء يبكي والمرأة بين يديه تبكي في ناحية البيت بكى لبكائهما لا يدري ما أبكاهما وجعل أصحابهما يأتون رجلا رجلا كلما أتى رجل فرآهم يبكون جلس يبكي لبكائهم لا يسألهم عن أمرهم حتى كثر البكاء وعلا الصوت. فلما رأت الأعرابية ذلك قامت فخرجت. وكان سليمان بن يسار يصوم الدهر وكان عطاء بن يسار يصوم يوما ويفطر يوما .....
من الطبقة الثانية من أهل المدينة
عروة بن الزبير بن العوام أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما.
قال عروة: يا بني سلوني فلقد تركت حتى كدت أنسى وأني لأسأل عن الحديث فيفتح لي حديث يومي 0
وعن أبي الزناد. قال: اجتمع في الحجر قوم فقالوا: تمنوا. فقال عروة: أنا أتمنى أن يؤخذ عني العلم.
وعن الزهري قال: كان عروة يتألف الناس على حديثه.
وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: قال عروة بن الزبير: رب كلمة ذل احتملتها أورثتني عزا طويلا.
وعنه عن أبيه قال إذا رأيت الرجل يعمل الحسنة فاعلم أن لها عنده أخوات، وإذا رأيته يعمل السيئة فاعلم أن لها عنده أخوات، فان الحسنة تدل على أختها، وإن السيئة تدل على أختها.
قال لبنيه يا بني تعلموا فإنكم إن تكونوا صغار قوم عسى أن تكونوا كبارهم واسوأتاه ماذا أقبح من شيخ جاهل.
كان عروة بن الزبير إذا كان أيام الرطب ثلم حائطه فيدخل الناس فيأكلون ويحملون. وكان إذا دخله ردد هذه الآية فيه حتى يخرج منه ولولا إذا دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله ، حتى يخرج.
وكان عروة يقرأ ربع القرآن كل يوم نظرا في المصحف، ويقوم به الليل، فما تركه إلا ليلة قطعت رجله
ثم عاود من الليلة المقبلة.
صفحة ١٠
خرج أبي إلى الوليد بن عبد الملك فوقعت في رجله الأكلة فقال له الوليد: يا أبا عبد الله أرى لك قطعها. قال: فقطعت وإنه لصائم فما تضور وجهه. قال: ودخل ابن له أكبر ولده اصطبله فرفسته دابة فقتلته فما سمع من أبي في ذلك شيء، حتى قدم المدينة فقال: اللهم إنه )كان لي بنون أربعة فأخذت واحدا وأبقيت لي ثلاثة فلك الحمد( وكان لي أطراف أربعة فأخذت واحدا وأبقيت لي ثلاثة فلك الحمد، وايم الله لئن أخذت فلقد أبقيت ولئن ابتليت طالما عافيت.
رأى عروة رجلا يصلي فخفف فدعاه وقال أما كانت لك إلى ربك سبحانه وتعالى حاجة أني لأسأل الله تبارك وتعالى في صلاتي حتى أسأله الملح.
وعن هشام عن أبيه قال إذا جعل أحدكم لله عز وجل شيئا فلا يجعل له ما يستحي أن يجعله لكريمه فإن الله تبارك وتعالى أكرم الكرماء وأحق من اختير له.
قال هشام كان أبي لا يفطر ولقد مات يوم مات وهو صائم.
القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق
قال أيوب: رأيت على القاسم رداء قد صبغ بشيء من زعفران ويدع مائة ألف لم يتلجلج في نفسه شيء منها.
وعنه قال: ما رأيت رجلا أفضل من القاسم ولقد ترك مائة ألف وهي له حلال.
وعن مالك أن عمر بن عبد العزيز قال: لو كان لي من الامر شيء لوليت القاسم بن محمد الخلافة.
قال أبي الزناد ما رأيت أحدا أعلم بالسنة من القاسم بن محمد، وكان الرجل لا يعد رجلا حتى يعرف السنة.
وعن أيوب قال: سمعت القاسم يسأل بمنى فيقول لا أدري، لا أعلم. فلما أكثروا عليه قال: والله لا نعلم كل ما تسألونا عنه، ولو علمنا ما كتمناكم ولا حل لنا أن نكتمكم وعن يحيى بن سعيد قال سمعت القاسم يقول: ما نعلم كل ما نسأل عنه ولأن يعيش الرجل جاهلا بعد أن يعرف حق الله تعالى عليه خير له من أن يقول ما لا يعلم.
صفحة ١١
وجاء أعرابي إلى القاسم بن محمد فقال: أنت أعلم أم سالم? قال: ذاك منزل سالم: يزده عليها، حتى قام الأعرابي. قال محمد بن إسحاق: كره أن يقول هو أعلم مني فيكذب، أو يقول أنا أعلم منه فيزكى نفسه.
وعن أبي الزناد عن أبيه قال: ما كان القاسم يجيب إلا في الشيء الظاهر.
وعن سفيان قال: اجتمعوا إلى القاسم بن محمد في صدقة قسمها، قال وهو يصلي: فجعلوا يتكلمون فقال ابنه: إنكم اجتمعتم إلى رجل والله ما نال منها درهما ولا دانقا. قال: فأوجز القاسم ثم قال: يا بني قل فيما علمت. قال سفيان: صدق ابنه ولكنه أراد تأديبه في النطق وحفظه. وتوفي وكان قد ذهب بصره.
مات القاسم بن محمد بين مكة والمدينة حاجا أو معتمرا فقال لابنه: سن على التراب سنا وسو على قبري والحق بأهلك وإياك أن تقول: كان وكان - رحمه الله -
سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب
عن حنظلة قال: رأيت سالم بن عبد الله بن عمر يخرج إلى السوق فيشتري حوائج نفسه.
وعن هوذة بن عبد العزيز قال: رحم سالم بن عبد الله بن عمر رجل فقال سالم: بعض هذا رحمك الله فقال له الرجل: ما أراك إلا رجل سوء. فقال سالم: ما أحسبك أبعدت.
عن مالك قال لم يكن أحد في زمن سالم بن عبد الله أشبه بمن مضى من الصالحين في الزهد والقصد والعيش منه: كان يلبس الثوب بدرهمين قال له سليمان بن عبد الملك ورآه حسن السحنة: أي شيء تأكل? قال: الخبز والزيت، وإذا وجدت اللحم أكلته. فقال له أو تشتهيه? قال: إذا لم أشتهه تركته حتى اشتهيه.
وعن محمد بن أبي سارة قال: رأيت سالم بن عبد الله قدم علينا حاجا فصلى العشاء ثم قام إلى ناحية مما يلي باب بني سهم في الصلاة، فلم يزل يميل يمينا وشمالا حتى طلع الفجر، ثم جلس فاحتبى بثوبه.
وعن سفيان بن عيينة قال: دخل هشام بن عبد الملك الكعبة، فإذا هو بسالم بن عبد الله فقال له: يا سالم سلني حاجة فقال له: إني لأستحيي من الله أن أسأل في بيت الله غير الله.
صفحة ١٢
فلما خرج خرج في أثره فقال له: الآن قد خرجت فسلني حاجة فقال له سالم: حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة? فقال: بل من حوائج الدنيا. فقال له سالم: ما سألت من يملكها فكيف أسأل من لا يملكها.
أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة
ويقال له راهب قريش لكثرة صلاته وقال الزبير بن بكار: كان أبو بكر بن عبد الرحمن يقال له راهب المدينة.
وكان حارسا لعرضه حتى إنه أودع مالا فأصيب، فقال له عروة: لا ضمان عليك. قال: قد علمت، ولكن لا تتحدث قريش أن أمانتي خربت. فباع مالا له فقضاه. وقد كان قد ذهب بصره 0
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب
كان علي بن الحسين إذا توضأ يصفر فيقول له أهله: ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء? فيقول: تدرون بين يدي من أريد أن أقوم.
كان علي بن الحسين إذا مشى لا تجاوز يده فخذه، ولا يخطر بيده، وكان إذا قام إلى الصلاة أخذته رعدة، فقيل له: مالك? فقال: ما تدرون بين يدي من أقوم ومن أناجي? وعن أبي نوح الأنصاري قال: وقع حريق في بيت فيه علي بن الحسين، وهو ساجد، فجعلوا يقولون له: يابن رسول الله النار، يا ابن رسول الله النار. فما رفع رأسه حتى أطفئت. فقيل له: ما الذي ألهاك عنها? قال: ألهتني عنها النار الأخرى.
جاء رجل إلى علي بن الحسين رضي الله عنه فقال له: إن فلانا قد آذاك ووقع فيك. قال: فانطلق بنا إليه فانطلق معه وهو يرى أنه سينتصر لنفسه فلما أتاه قال: يا هذا إن كان ما قلت في حقا فغفر الله لي، وإن كان ما قلت في باطلا فغفر الله لك.
صفحة ١٣
كان بين حسن بن حسن وبين علي بن الحسين بعض الأمر، فجاء حسن بن حسن إلى علي بن الحسين وهو مع أصحابه في المسجد، فما ترك شيئا إلا قاله له. قال: وعلي ساكت فانصرف حسن فلما كان في الليل أتاه في منزله فقرع عليه بابه فخرج إليه فقال له علي: يا أخي إن كنت صادقا فيما قلت لي فغفر الله لي، وإن كنت كاذبا فغفر الله لك، السلام عليكم. وولى. قال: فاتبعه حسن فالتزمه من خلفه وبكى حتى رثى له ثم قال: لا جرم لا عدت في أمر تكرهه. فقال علي: وأنت في حل مما قلت لي.
قال علي بن الحسين: فقد الأحبة غربة. وكان يقول: اللهم إني أعوذ بك أن تحسن في لوامع العيون علانيتي وتقبح سريرتي، اللهم كما أسأت وأحسنت إلي فإذا عدت فعد علي.
وكان يقول: إن قوما عبدوا الله عز وجل رهبة فتلك عبادة العبيد، وآخرين عبدوه رغبة فتلك عبادة التجار، وقوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار.
أن علي بن الحسين كان لا يحب أن يعنيه أحد على طهوره وكان يستقي الماء لطهوره ويخمره قبل أن ينام. فإذا قام من الليل بدأ بالسواك ثم يتوضأ ثم يأخذ في صلاته وكان يقضي ما فاته من صلاة النهار بالليل ثم يقول: يا بني ليس هذا عليكم بواجب ولكن أحب لمن عود نفسه منكم عادة من الخير أن يدوم عليها. وكان لا يدع صلاة الليل في الحضر والسفر. وكان يقول: عجبت للمتكبر الفخور الذي كان بالأمس نطفة ثم هو غدا جيفة، وعجبت كل العجب لمن شك في الله وهو يرى خلقة، وعجبت كل العجب لمن أنكر النشأة الأخرى وهو يرى النشأة الأولى، وعجبت كل العجب لمن عمل لدار الفناء وترك دار البقاء.
وكان إذا أتاه السائل رحب به وقال مرحبا بمن يحمل زادي إلى الآخرة، وكلمه رجل فافترى عليه فقال: إن كنا كما قلت فنستغفر الله، وإن لم نكن كما قلت فغفر الله لك. فقام إليه الرجل فقبل رأسه وقال: جعلت فداك، ليس كما قلت أنا فاغفر لي: قال: غفر الله لك. فقال الرجل: الله أعلم حيث يجعل رسالته.
صفحة ١٤
وعن شيبة بن نعامة قال: كان علي بن الحسين يبخل فلما مات وجدوه يقوت مائة أهل بيت بالمدينة .
وعن محمد بن إسحاق قال: كان ناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين كان معاشهم. فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يؤتون به بالليل.
وكان يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدق به، ويقول: إن صدقة السر تطفئ غضب الرب عز وجل.
وعن عمرو بن ثابت قال: لما مات علي بن الحسين فغسلوه جعلوا ينظرون إلى آثار سود في ظهره، فقالوا: ما هذا? فقالوا: كان يحمل جرب الدقيق ليلا على ظهره يعطيه فقراء أهل المدينة.
وعن أهل المدينة: ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين.
أراد علي بن الحسين الخروج في حج أو عمرة فاتخذت له سكينة بنت الحسين سفرة أنفقت عليها ألف درهم أو نحو ذلك، وأرسلت بها إليه فلما كان بظهر الحرة أمر بها فقسمت على المساكين.
قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل إرب منها إربا منه من النار، حتى إنه يعتق باليد وبالرجل الرجل، وبالفرج الفرج .
فقال علي بن الحسين: أنت سمعت هذا من أبي هريرة? قال سعيد: نعم فقال لغلام له أفره غلمانه: ادع مطرفا. فلما قام بين يديه قال: اذهب فأنت حر لوجه الله عز وجل (أخرجاه في الصحيحين0)
وكان عبد الله بن جعفر قد أعطى علي بن الحسين بهذا الغلام الذي أعتقه ألف دينار.
صفحة ١٥
عن علي بن الحسين أنه أتاه نفر من أهل العراق فقالوا في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم. فلما فرغوا فقال ألا تخبروني: أنتم المهاجرون الأولون الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون(? قالوا: لا قال فأنتم الذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ? قالوا. لا قال: أما أنتم فقد تبرأتم أن تكونوا من أحد هذين الفريقين. ثم قال: أشهد أنكم لستم من الذين قال الله )عز وجل( والذين جاؤا من بعدهم يقولون: ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا أخرجوا فعل الله بكم.
وقال نافع بن جبير لعلي بن الحسين: أنت سيد الناس وأفضلهم تذهب إلى هذا العبد فتجلس معه? يعني زيد بن أسلم. فقال: إنه ينبغي للعلم أن يتبع حيثما كان.
وحج هشام بن عبد الملك قبل أن يلي الخلافة فاجتهد أن يستلم الحجر فلم يمكنه. قال: وجاء علي بن الحسين فوقف له الناس وتنحوا حتى استلم. فقال الناس لهشام: من هذا? قال: لا أعرفه.
فقال الفرزدق: لكني أعرفه، هذا علي بن الحسين ..... ...
قال رجل لسعيد بن المسيب: ما رأيت أحدا أورع من فلان. قال: هل رأيت علي بن الحسين? قال: لا قال: ما رأيت أحدا أورع منه.
وقال الزهري: لم أر هاشميا أفضل من علي بن الحسين، وما رأيت أحدا كان أفقه منه.
وعن طاوس قال: رأيت علي بن الحسين ساجدا في الحجر فقلت: رجل صالح من أهل بيت طيب، لأسمعن ما يقول. فأصغيت إليه فسمعته يقول: عبيدك بفنائك، مسكينك بفنائك، سائلك بفنائك، فقيرك بفنائك، فوالله ما دعوت الله بها في كرب إلا كشف الله عني.
صفحة ١٦
كان علي بن الحسين خارجا من المسجد فلقيه رجل فسبه فثارت إليه العبيد والموالي فقال علي بن الحسين: مهلا عن الرجل. ثم أقبل على الرجل فقال: ما ستر عنك من أمرنا أكثر. ألك حاجة نعنيك عليها? فاستحيا الرجل. فألقى عليه خميصة كانت عليه وأمر له بألف درهم فكان الرجل بعد ذلك يقول: أشهد أنك من أولاد الرسول.
كان عند على قوم فاستعجل خادما له بشواء كان له في التنور. فأقبل به الخادم مسرعا وسقط السفود من يده على بني لعلي أسفل الدرجة فأصاب رأسه فقتله فقال علي للغلام: أنت حر، لم تعمده وأخذ في جهاز ابنه.
دخل على بن الحسين علي محمد بن أسامة ابن زيد في مرضه فجعل محمد يبكي فقال علي: ما شأنك? قال: علي دين. قال: كم هو? قال خمسة عشر ألف دينار. قال: فهو علي.
وعن أبي جعفر محمد بن علي قال: أوصاني أبي قال: لا تصحبن خمسة ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق. قال: قلت: جعلت فداءك يا ابت من هؤلاء الخمسة? قال: لا تصحبن فاسقا فإنه يبيعك بأكلة فما دونها. قال: قلت: يا أبة وما دونها? يطمع فيها ثم لا ينالها.
قال: قلت: يا أبة ومن الثاني? قال: قال: لا تصحبن البخيل فإنه يقطع بك في ماله أحوج ما كنت إليه.
قال: قلت: يا أبة ومن الثالث? قال: لا تصحبن كذابا فإنه بمنزلة السراب يبعد منك القريب ويقرب منك البعيد.
قال: قلت: يا أبة ومن الرابع? قال: لا تصحبن أحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك.
قال: قلت: يا أبة ومن الخامس? قال: لا تصحبن قاطع رحم فإني وجدته ملعونا في كتاب الله في ثلاثة مواضع.
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ابن مسعود
يكنى أبا عبد الله وكان بحرا من البحور في العلم.
قال أبو الزناد ربما كنت أرى عمر بن عبد العزيز في إمارته يأتي عبيد الله فربما حجبه وربما أذن له.
بسر بن سعيد
وكان من العباد المنقطعين وأهل الزهد في الدنيا.
عن مالك قال: مات بسر ولم يدع كفنا.
صفحة ١٧
مات رجل من بني أمية من مترفيهم ومات يومئذ بسر ابن سعيد، فقال عمر بن عبد العزيز: إن كان المدخلان واحدا فعيش فلان أحب إلينا. فقال مزاحم: إنك لا تزال توغر من أخيك عليك. فقال: إذا رأيت الحق قلته.
عكرمة مولى عبد الله بن عباس
مات ابن عباس وهو عبد فاشتراه خالد بن يزيد ابن معاوية من علي بن عبد الله بن عباس بأربعة آلاف دينار. فبلغ ذلك عكرمة فأتى عليا فقال بعت علم أبيك بأربعة آلاف دينار? فراح علي إلى خالد فاستقاله فأقاله فأعتقه.
وعن الزبير بن الخريت عن عكرمة قال: كان ابن عباس يجعل في رجل الحبل ويعلمني القرآن والسنن.
وعن جابر بن زيد قال: هذا عكرمة مولى ابن عباس، هذا أعلم الناس.
وقال الشعبي: ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة.
وقال قتادة: أعلمهم بالتفسير عكرمة.
قال إبراهيم وحدثني أبي عن عكرمة قال: لكل شيء أساس، وأساس الإسلام الخلق الحسن.
زياد بن أبي زياد، مولى عبد الله ابن عياش بن أبي ربيعة القرشي وكان زياد عبدا0
وكان عمر بن عبد العزيز يستزيره ويكرمه. وبعث إلى مولاه ليبيعه إياه فأبي وأعتقه.
وقال مالك بن أنس: كان زياد عابدا معتزلا لا يزال يذكر الله تعالى ... 0
وقال محمد بن المنكدر: إنني خلفت زياد بن أبي زياد وهو يخاطب نفسه في المسجد، يقول: اجلسي، أين تريدين أن تذهبي? أتخرجين إلى أحسن من هذا المسجد? انظري إلى ما فيه، تريدين أن تبصري دار فلان ودار فلان، ودار فلان? قال. وكان يقول لنفسه: مالك من الطعام يا نفس إلا هذا الخبز والزيت، ومالك من الثياب إلا هذان الثوبان، ومالك من النساء إلا هذه العجوز، أفتحبين أن تموتي? فقالت: أنا أصبر على هذا العيش.
من الطبقة الثالثة من أهل المدينة
علي بن عبد الله بن العباس ابن عبد المطلب
وكان أجمل قرشي على وجه الأرض وأكثره صلاة. وكان يقال له السجاد.
وعن علي بن أبي جملة والأوزاعي قالا: كان علي بن عبد الله بن عباس يسجد كل يوم ألف سجدة.
صفحة ١٨
وعن هشام بن سليمان المخزومي أن علي بن عبد الله بن عباس كان إذا قدم مكة حاجا أو معتمرا عطلت قريش مجالسها في المسجد الحرام وهجرت مواضع حلقها ولزمت مجلس علي بن عبد الله إعظاما وإجلالا وتبجيلا فإن قعد قعدوا، وإن نهض نهضوا وإن مشى مشوا جميعا حوله. وكان لا يرى لقرشي في المسجد الحرام مجلس ذكر يجتمع إليه فيه حتى يخرج علي بن عبد الله من الحرم.
أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب
قال محمد بن علي: الغني والعز يجولان في قلب المؤمن فإذا وصلا إلى مكان التوكل أو طناه.
قال محمد بن علي: ما دخل قلب امرئ شيء من الكبر إلا نقص من عقله مثل ما دخله من ذلك، قل أو كثر.
وعن جابر، يعني الجعفي، قال: قال لي محمد بن علي: يا جابر إني لمحزون وإني لمشتغل القلب. قلت وما حزنك وما شغل قلبك? قال: يا جابر إنه من دخل قلبه صافي خالص دين الله شغله عما سواه يا جابر ما الدنيا ما عسى أن تكون? هل هو إلا مركب ركبته أو ثوب لبسته أو امرأة أصبتها? يا جابر إن المؤمنين لم يطمئنوا إلى الدنيا لبقاء فيها ولم يأمنوا قدوم الآخرة عليهم ولم يصمهم عن ذكر الله ما سمعوا بآذانهم من الفتنة، ولم يعمهم عن نور الله ما رأو بأعينهم من الزينة ففازوا بثواب الأبرار، إن أهل التقوى أيسر أهل الدنيا مؤونة وأكثرهم لك معونة، إن نسيت ذكروك وإن ذكرت أعانوك، قوالين بحق الله، قوامين بأمر الله فأنزل الدنيا كمنزل نزلت به وارتحلت منه أو كمال أصبته في منامك فاستيقظت ولبس معك منه شيء، واحفظ الله تعالى ما استرعاك من دينه وحكمته.
قال محمد: سلاح اللئام قبيح الكلام - وعنه قال: والله لموت عالم أحب إلى إبليس من موت سبعين عابدا.
وقال محمد بن علي لابنه. يا بني إياك والكسل والضجر فإنهما مفتاح كل شر إنك إن كسلت لم تؤد حقا وإن ضجرت لم تصبر على حق.
صفحة ١٩
عن عروة بن عبد الله قال سألت جعفر محمد بن علي عن حلية السيوف فقال لا بأس به، قد حلى أبو بكر الصديق سيفه قال قلت: وتقول: الصديق? قال: فوثب وثبة واستقبل القبلة ثم قال: نعم الصديق، نعم الصديق، نعم الصديق. فمن لم يقل له الصديق فلا صدق الله له قولا في الدنيا ولا في الآخرة.
قال محمد بن علي: يا جابر بلغني أن قوما بالعراق يزعمون أنهم يحبونا وينالون أبا بكر وعمرو، ويزعمون أني أمرتهم بذلك فأبلغهم أني إلى الله منهم بريء، والذي نفس محمد بيده لو وليت لتقربت إلى الله عز وجل بدمائهم، لا نالتني شفاعة محمد إن لم أكن أستغفر لهما وأترحم عليهما إن أعداء الله لغافلون عنهما.
وعن أفلح، مولى محمد بن علي، قال: خرجت مع محمد بن علي حاجا فلما دخل المسجد نظر إلى البيت فبكى حتى علا صوته فقلت بأبي أنت وأمي إن الناس ينظرون إليك فلو رفقت بصوتك قليلا قال: ويحك يا أفلح،ولم لا أبكي? لعل الله ينظر إلي منه برحمة فأفوز بها عنده غدا قال: ثم طاف بالبيت ثم جاء حتى ركع عند المقام فرفع رأسه من سجوده فإذا موضع سجوده مبتل من دموع عينيه.
وعن خالد بن دينار عن أبي جعفر أنه كان إذا ضحك قال: اللهم لا تمقتني.
وعن عبد الله بن عطاء قال: ما رأيت العلماء عند أحد أصغر منهم علما عند أبي جعفر (محمد بن علي) لقد رأيت الحكم عنده كأنه متعلم.
قال محمد بن علي: كان لي أخ في عيني عظيم، وكان الذي عظمه في عيني صغر الدنيا في عينه.
وعن أبي حمزة عن أبي جعفر محمد بن علي قال: ما من عبادة أفضل من عفة بطن أو فرج، وما من شيء أحب إلى الله عز وجل من أن يسأل، وما يدفع القضاء إلا الدعاء. وإن أسرع الخير ثوابا البر وأسرع الشر عقوبة البغي، وكفى بالمرء عيبا أن يبصر من الناس ما يعمى عليه من نفسه، وأن يأمر الناس بما لا يستطيع التحول عنه، وأن يؤذي جليسه بمالا يعنيه.
صفحة ٢٠