وليس من الكبر أيضا تهيب الإمام أو أميره أو بعض أعوانه بقيام الخدام على رأسه، وضرب الحجاب على بابه، واتخاذ من يلبسه نعليه وينزعهما من قدميه، وعدم المنع من تقبيل قدميه لقصد المصلحة في ذلك كله، إذ قد ورد مثله عنه صلى الله عليه وآله وسلم، والأعمال بالنيات.
واعلم أنا قد ذكرنا أن التكبر آفة في القلب من أكبر الآفات، ولا يتم زواله إلا بدواء تلك الآفة، وهو علمي وعملي:
* فالعلمي: أن يعرف نفسه وحقارتها، وأنه أذل من كل ذليل، وأقل من كل قليل، إذ لا يليق به إلا التواضع والذلة، وأن يعرف ربه وما يستحقه من العظمة والكبرياء.
* وأما العملي: فهو التواضع بالعمل لله ولسائر الخلق، والمواظبة على أفعال المتواضعين والتأسي بهم في ذلك، وعمدة ذلك وتمامه بترك زينة الحياة الدنيا والبعد عنها، فبذلك يحصل اللطف والتوفيق في تمام المطلوب.
النوع الثاني: العجب
وهو مسرة بحصول أمر يصحبها تطاول لأجله على من لم يحصل له مثله بقول أو فعل أو ترك أو اعتقاد، كأن يقول: أنا أعلم، أو أفطن منك، أو أكثر مالا وولدا، أو أنا من بني فلان نسبهم أعلى الأنساب، أو يقول نسبي فلان، أو أنا المقرب إلى صاحب الأمر، وكالانقباض عن مجالسة الفقراء عجبا بالغنى، أو تعظيم العلماء معجبا بذلك، أو يعتقد أن الناس هالكون وهو الناجي، أو يعتقد أن منزلته شريفة بسبب العمل، ومن ذلك ما قاله الإمام يحيى عليه السلام: إن العجب هو استعظام النعمة والمسرة بها والركون إليها مع نسيان إضافتها إلى المنعم .
فتحصل أن العجب ثلاثة أنواع يجب التحرز من كل واحد منها، ومجاهدة النفس على ذلك:
صفحة ٦٦