133

مختصر كتاب الاعتصام

الناشر

دار الهجرة للنشر والتوزيع

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٨ هـ - ١٩٩٧ م

تصانيف

وَهُوَ وَهْم العوامِ، لَا فِهْم العلماءِ، فَلْيُثَبِّت المُوَفِّقُ فِي هَذِهِ المزلةِ قَدَمَه لِئَلَّا يضلَّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَلَا تَوْفِيقَ إِلَّا باللهِ. المسألة الثالثة عشرة إنَّ ها هنا نَظَرًا لَفْظِيًّا فِي الْحَدِيثِ هُوَ مِنْ تمامِ الكلام فيه، وذلك أنه لما أخبر، أَخْبَرَ ﵊ أَنَّ جَمِيعَ الْفِرَقِ فِي النَّارِ إِلَّا فِرْقَةً وَاحِدَةً، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ المفسَّرة فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ، فجاءَ فِي الرِّوَايَةِ الأُخرى السؤالُ عَنْهَا - سؤالُ التَّعْيِينِ - فَقَالُوا: مَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فأصلُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: أَنَا وَأَصْحَابِي، وَمَنْ عمِل مِثْلَ عَمَلِنَا، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُعطي تَعْيِينَ الفرقة، إمَّا بالإشارة إليها أَوْ بوصفٍ مِنْ أَوْصَافِهَا، إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ، وإنَّما وَقَعَ فِي الْجَوَابِ تَعْيِينُ الوصف لا تعيين الموصوف، وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوْصَافُ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا ﷺ وَأَصْحَابُهُ ﵃، فَلَمْ يُطَابِقِ السؤالُ الجوابَ فِي اللَّفْظِ، وَالْعُذْرُ عَنْ هَذَا أَنَّ الْعَرَبَ لَا تَلْتَزِمُ ذَلِكَ النَّوْعَ إِذَا فُهِم الْمَعْنَى، لأنَّهم لَمَّا سَأَلُوا عَنْ تَعْيِينِ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ بَيَّن لَهُمُ الْوَصْفَ الَّذِي بِهِ صَارَتْ نَاجِيَةً، فَقَالَ: «مَا أَنَا عليه وأصحابي» . ويُمكن أَنْ يُقَالَ: إنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا ذَكَرَ الفِرَق وَذَكَرَ أَنَّ فِيهَا فِرْقَةً نَاجِيَةً، كَانَ الْأَوْلَى السُّؤَالَ عَنْ أَعْمَالِ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ، لَا عَنْ نَفْسِ الْفِرْقَةِ، لأنَّ التَّعْرِيفَ فِيهَا مِنْ حَيْثُ هِيَ لَا فَائِدَةَ فِيهِ إِلَّا مِنْ جِهَةِ أَعْمَالِهَا الَّتِي نَجَت بها، فالمُقدم فِي الِاعْتِبَارِ هُوَ الْعَمَلُ لَا الْعَامِلُ، فَلَوْ سَأَلُوا: مَا وَصْفُهَا؟ أَوْ مَا عَمَلُهَا؟ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَكَانَ أَشَدَّ مُطَابَقَةً فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، فَلَمَّا فَهِمَ ﵊ مِنْهُمْ مَا قَصَدُوا أَجَابَهُمْ عَلَى ذَلِكَ. وَنَقُولُ: لَمَّا تَرَكُوا السُّؤَالَ عَمَّا كَانَ الْأَوْلَى فِي حَقِّهِمْ، أَتَى بِهِ جَوَابًا عَنْ سُؤَالِهِمْ، حِرْصًا مِنْهُ ﵊ عَلَى تَعْلِيمِهِمْ مَا ينبغي لهم تعلمه والسؤال عنه.

1 / 132