131

مختصر كتاب الاعتصام

الناشر

دار الهجرة للنشر والتوزيع

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٨ هـ - ١٩٩٧ م

تصانيف

(الثاني): أَنَّهَا جَمَاعَةُ أَئِمَّةِ الْعُلَمَاءِ الْمُجْتَهِدِينَ، فَمَنْ خَرَجَ مِمَّا عَلَيْهِ علماءُ الأُمة مَاتَ مِيتة جَاهِلِيَّةً، لأنَّ جَمَاعَةَ اللهِ الْعُلَمَاءُ، جَعَلَهُمُ اللهُ حُجَّةً على العالَمين، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَامَّةَ عَنْهَا تَأْخُذُ دِينَهَا، وَإِلَيْهَا تَفْزَع من النوازل، وهي تبعٌ لها. فعلى هذا القول لا يدخل أَحَدٌ مِنَ الْمُبْتَدِعِينَ، لأنَّ العالِم أوَّلًا لَا يَبْتَدِعُ، وإنَّما يبتدعُ مَنِ ادَّعى لِنَفْسِهِ الْعِلْمَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، ولأنَّ الْبِدْعَةَ قَدْ أَخْرَجَتْهُ عَنْ نمطِ مَنْ يُعْتَدُّ بِأَقْوَالِهِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُبْتَدِعَ لَا يُعتَدُّ بِهِ فِي الإجماع وإن قيل بالاعتداد بهم فيه، ففي غير المسألة الَّتِي ابْتَدَعَ فِيهَا، لأنَّهم فِي نَفْسِ الْبِدْعَةِ مخالِفون للاجماع: فعلى كلِّ تقدير لا يدخلون في السواد الأعظم رأسًا. (الثالث): أَنَّ الْجَمَاعَةَ هِيَ الصَّحَابَةُ عَلَى الْخُصُوصِ، فَإِنَّهُمُ الَّذِينَ أَقَامُوا عمادَ الدِّينِ وَأَرْسَوْا أَوْتَادَهُ، وَهُمُ الَّذِينَ لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى ضَلَالَةٍ أَصْلًا، وَقَدْ يمكن فيمن سواهم ذَلِكَ. فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فلفظُ الْجَمَاعَةِ مطابقٌ لِلرِّوَايَةِ الأُخرى فِي قَوْلِهِ ﵊: «مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي» فكأنَّه راجعٌ إِلَى مَا قَالُوهُ وَمَا سَنُّوه، وَمَا اجْتَهَدُوا فِيهِ حجة على الإطلاق فَأَهْلُ الْبِدَعِ إِذًا غَيْرُ دَاخِلِينَ فِي الْجَمَاعَةِ قطعًا على هذا القول. (الرابع): إنَّ الْجَمَاعَةَ هِيَ جَمَاعَةُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، إِذَا أَجْمَعُوا عَلَى أمرٍ فواجبٌ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ المِلل اتِّبَاعُهُمْ، وَهُمُ الَّذِينَ ضَمِنَ اللهُ لِنَبِيِّهِ ﵊ أَنْ لَا يَجْمَعَهُمْ على ضلالة. وكأنَّ هَذَا الْقَوْلَ يَرْجِعُ إِلَى الثَّانِي وَهُوَ يَقْتَضِي أَيْضًا مَا يَقْتَضِيهِ، أَوْ يَرْجِعُ إِلَى الْقَوْلِ الأوَّل وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَفِيهِ مِنَ الْمَعْنَى ما في الأوَّل من أنه لا بد من كون

1 / 130