فإن القبول والرد بمجرد ذلك كذب، إذ مرجعه إلى أنه قال ولم يقل، أو أنه لم يقل وقد قال، ومن طالع تراجم الرجال عرف أن أكثر الجرح إنما هو بالمعتقدات، أو برواية ما يخالفها، وقد تفاحش الأمر في ذلك بين أهل المذاهب فروعا وأصولا ومنقولا ومعقولا، وألقى الشيطان بين جهلتهم العداوة والبغضاء، حتى روي أن بعض الشافعية كان يمر بمساجد الحنابلة فيقول: أما آن لهذه الكنايس أن تسد؟! وبين فرق الفقهاء أمور ومقالات يضيق المقام عن ذكرها، وكذا بين الحنابلة والأشاعرة، وبين سائر الفرق من المتكلمين وغيرهم، بل بين الطائفة الواحدة، وكذا بين الشيعة والسنية، وجرت بينهم في بغداد وغيرها فتن لا تطاق، وأحرق بسبب ذلك غير مرة باب الطاق.
[سبب كلام المحدثين في الشيعة]
ومنشأ الاختلاف بينهم والتضليل، مسألتا التقديم والتفضيل، ألا ترى أن جمهور الخصوم لما قطعوا بإمامة الثلاثة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل علي عليه السلام، وفضلوهم عليه وجعلوه رابعا، قدحوا في كل من قطع بإمامته بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم دونهم، ومن خطأهم في التقديم عليه وجزم بتفضيله عليهم، فمعتمد جرحهم لأكثر الشيعة إنما هو لذلك، فمن روى خلاف معتقدهم ولو سنيا بدعوه وكذبوه وسموه رافضيا، وتركوا الأخذ منه، ونهوا عن الكتابة عنه، وهجروه، وإن عظم محله عندهم قالوا: منكر الحديث، يتفرد بغرائب، لا يتابع عليها. ونحو ذلك.
وأعانهم على هذا خلفاء الدولتين، ومن طالع الأخبار، وعلوم الرجال عرف ذلك ضرورة.
وقالوا: تفضيل علي على عثمان أول عقد من الرفض، فأما تفضيله على الشيخين رفض كامل.
صفحة ٢٦