الفساد ، وقطعوا الطرقات ، وقتلوا بعض الوكلاء ، وخرجوا عن الواجبات ، فقصد الطلوع إلى الوجه المذكور ، وكان زمن الربيع وقت الصيد ، وأمر بتجهيز الجوارح ، وتجريد من اختاره لصحبته من أمرائه الخواص وغيرهم ، وقيل له أن بتلك الجهة وباء وتغيرا ، فلم يثنه ذلك عن قصدها ، وتقدمه وزير دولته شمس الدين بن السلعوس ، وكان هذا الوزير بزازا بدمشق ، وصار تاجرا يتردد إلى الديار المصرية ، وتولى أشغال الملك الأشرف بدمشق في حياة والده ، ثم انتقل إلى نظر ديوانه وبابه ، فتعاطى الكبرياء والحمق ، وأبدى سوء العشرة وضيق الخلق ، وأزوى إلى ديوانه شيئا من الحمايات ، وتعرض إلى بعض اقطاع المقطعين ، فأجراه مجرى المشتراوات ، وحصلت فيه الشكاوى من الأجناد ومقطعي تلك البلاد ، فأنكر السلطان الشهيد على ولده بسببه ، وأنكر الأمير حسام الدين طرنطاي وصرفه عن خدمة الملك الأشرف ، وأراد الإيقاع به ، فهرب وتوجه إلى الحجاز الشريف . وقيل إنه كتب إليه كتابا ، وخطه بين سطوره « ياشقير ياوجه الخير ! تعجل بالحضور لتتسلم وزارة الديار المصرية والشامية ». ولما حضر ، فوض إليه الوزارة ، وعظمت منزلته عنده ، وترفع على الأمراء ، وتعاطي مالم يتعاط غيره من الوزراء ، وحصل بينه وبين الأمير بدر الدين بيدرا شنان ، واعتمد عناده والسعي به عند السلطان . ولما توجه ابن السلعوس الوزير بين يدي السلطان لتجهيز الإقامات ، وتحصيل الأموال ، فلم يجد في الحواصل السلطانية والمعاملات الديوانية ما يكفي الوظائف التي يحتاج إليها ، والإقامات التي توجه بسببها ، ووجد للأمير بدر الدين بيدرا شيئا كثيرا من الحواصل والأموال والغلال بكل إقليم ، فصار يشي به عند السلطان ، ويقول له هذه الأقوال حتى إنه أوغر صدره وملأ بالموجدة على المشار إليه قليه . وأنكر السلطان على بيدرا وسبه ، وصار يظهر له الإنكار تارة ويبطنه أخرى . وكان بيدرا قد أذكى العيون لرصده ، ورتب أقواما من الخاصكية لسماع ما يقوله في حقه ، وكانوا يطالعونه بكل ما يفوه وما يجيبه السلطان به . ولم يكن السلطان صحبة بيدرا في هذه الدفعة لمرض عراه ، ولما عاد السلطان من هذه السفرة جهر له بيدرا ضيافة عظيمة ، وقدم له تقادم نفيسة من جملتها خيمة اتخذها من الأطلس ، وتأزيرها من الوشي المذهب ، وأطنابها من الإبريسم الملون ، وعمدها من الصندل الأحمر مصفحة بصفائح الفضة المطلاة بالذهب . وضربت هذه الخيمة بالعدوية قبلى مصر المحروسة على شاطىء النيل . ونزل السلطان إليها ، ولم يعبأ بها ولا بما قدمه من التقادم لما أوقره الوزير في صدره ، وألقاه إلى سمعه . وظهر البيدرا تغير السلطان ، وأسرة في نفسه ، وشرع في الاتفاق مع الخاصكية على قتله . وكان السلطان عند عوده من الصعيد قد أمسك الأمير شمس الدين سنقر الأشقر وأعدمه ، وأمسك الأمير ركن الدين طقصوا وأعدمه ، وأمسك الأمير حسام الدين لاجين وأودعه الاعتقال ، وأرسل إليه من يخنقه في الجت بوتر ، فلما خنق أزند ، وظن أنه مات ، فخلى عنه ، وأراد الله حياته ، وشفع فيه بدر الدين بيدرا ، فأجيب سؤاله ، وأحضره بين يديه في ملأ من الأمراء الأكابر والأصاغر ، وسلمه البيدرا ، وقال له : خذ هذا يكون لك مملوكا ، وافتصل به . والمذكور كان أكبر من بيدرا منزلة ، فأثر هذا القول في نفسه ، واتفقوا عليه جميعا .
صفحة ٩٥