ذكر ابتداء الدولة الأيوبية
وملكهم الأول : الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن الأمير نجم الدين أيوب بن شادي
وتوفي يوم الأربعاء بالكرك لثلاث بقين من صفر سنة تسع وثمانين وخمسمائة وبلغ عمره ستا وخمسين سنة وشهورا .
إلى حمص ، وصعبت عليه قلعتها ، فتوجه إلى حماة وملكها . ثم عاد إلى حمص وأخذها بعد قتال شديد ، ثم بعلبك ، ثم إلى حصن نارين وفتحه . وفتح منبج أيضا .
وعقيبها كانت وقعة الرملة . ثم سار إلى عسقلان ، فسبي وأسر وغنم من الفرنج كثيرا وعاد إلى مصر .
صفحة ٣
وفتح الرها والرقة ، ونصيبين ، وسنجار ، وأمد ، وحلب ، وميا فارقين .
وفيها تسلم طبرية . وفيها كانت وقعة حطين ، فأخذهم باليد ، وأسر الملك كي وأخوه ، وصاحب جبيل ، وهنفري ، والأبرنس ، وأرناط صاحب الكرك فقتله بيده . وأخذ منهم صليب الصلبوت . وكانت الوقعة يوم السبت . ولم يفلت من الفرنج إلا آحاد . وفتح عكا ومجدل ، ويافا ، والناصرة ، وصفورية ، وقيسارية ،، ونابلس ، وغنم من الأموال ما لا يحصى . ثم فتح بيروت ، وصيدا ، وبنبين ، وجبيل ، وعسقلان بالأمان . وسار إلى بيت المقدس ، ونزل عليه يوم الأحد . وكان فيه ستون ألف مقاتل ، فتسلمه بالأمان بعد أن قرر على الفرنج كل رجل عشرة دنانير ، وكل امرأة خمسة ، وكل صغير وصغيرة دينارين . وكانت مدة مقام القدس مع الفريج أحد وتسعون سنة . ثم حاصر صور ، ورجع عنها ولم يقدر عليها . ثم فتح هونين ، وانطرسوس وقتل من فيها . وفتح جبلة بالأمان . وفتح اللاذقية ، وحصن الكرك والشوبك ، وكوكب بالأمان .
صفحة ٤
نور الدين . .
الثاني : الملك العزيز عماد الدين عثمان بن يوسف بن أيوب
589 ها . وخرج إلى الفيوم يتصيد ، فتقنطر وحم وحمل إلى القاهرة ، فمات بها ليلة الأحد حادي وعشرين المحرم سنة 595 ه .
الثالث : الملك المنصور محمد بن عثمان بن يوسف بن أيوب
عمه الملك الأفضل نور الدين على بن صلاح الدين يوسف . ولم يبق للملك المنصور معه غير الاسم ، وكان يعمل هذا حفظا لدولة العزيز .
الرابع : الملك الأفضل نور الدين على بن الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن أيوب
بها الملك العادل ، فوصل الكامل محمد بعساكره إلى دمشق ، فزحل الملك الأفضل عنها ، فتبعه الملك العادل منزلة بمنزلة إلى أن التقيا العسكران بالسانح ، فانهزم عسكر الأفضل . وركب الملك العادل إلى أن وصل البركة ، ونزل بها ثمانية أيام . ثم دخل القاهرة لثلاث عشرة ليلة بقيت من ربيع الآخر سنة 599 ه.
الخامس : الملك العادل أبو بكر بن أيوب بن شيركوه
صفحة ٥
السابع : الملك العادل أبو بكر بن الملك الكامل محمد بن الملك العادل
ه. وقبض عليه واعتقله شبل الدولة كافور وشمس الخواص مسرور والصفى جوهر النوبي خدام أبيه والحلقة ، وذلك بظاهر بلبيس في يوم الجمعة تاسع شوال سنة 636 ه. وانفذوا إلى أخيه الملك الصالح نجم الدين أيوب ، فحضر وتسلم الملك ودخل القاهرة واعتقل أخاه . ثم رسم بتجهيزه إلى الكرك ليعتقله هناك ، فأبى ذلك ، فأرسل إليه محسن الخادم وصحبته عشرة من المماليك ، فقتلوه خنقا ، وأخرج ودفن .
الثامن : الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل محمد
صفحة ٧
عشر شعبان سنة 647 ه بالمنصورة ، وكان الفرنسيس بدمياط ، فإنه نزل عليها بعساكره ، ونزل بير الجيزة يوم الجمعة حادى وعشرين صفر ، وملك دمياط يوم الأحد بعد بيومين ، وأقام بها إلى أن مات الملك الصالح . وفي يوم وفاته خرج الفرنسيس بعساكره من دمياط ، ونزل قبالة المنصورة وأقام بها .
التاسع : الأمير فخر الدين بن الشيخ
ذي القعدة سنة 647 ه . وأقام خمسة وسبعين يوما . وذلك أن الفرنج عدوا من مخاضة بجر أشموم ، وطلعوا إلى جديله ، وكانت عدتهم ألف وأربعمائة فارس ، ومعهم أخو الفرنسيس ، وتفرقوا في المنزلة ، فقتلوا بأجمعهم ، وحملت رؤوسهم إلى القاهرة . ونصبت على باب زويلة . وبقى الملك بلا مدبر ثلاثة عشر يوما .
العاشر : الملك المعظم غياث الدين ترنشاه بن الملك الصالح أيوب
وفي يوم الأربعاء ثالث المحرم سنة 648 ه، رجع الفرنسيس من قبالة المنصورة طالبا دمياط ، فتبعه عسكر المسلمين ، وأخذوا جماعة من أكابر مملكته أسرى . وقتل من الفرنج نيف عن ثلثين ألفا ، وأخذوا أموالهم . ثم قتل الملك المعظم ترنشاه ، قتلته المماليك وقطعوه وأحرقوه بالنار ، وغرقوه في بحر المنصورة ، يوم الثلاثاء سلخ المحرم سنة 648 ه.
الحادي عشر : شجر الدر المعروفة بأم خليل الصالحية
صفحة ٨
وتولى الاتابكية الأمير عز الدين أيبك التركماني ، يوم الثلاثاء سلخ المحرم سنة 648 ه. ووقع الصلح من الأمراء والمماليك ، وبين فرنسيس ، وتسلم الإسلام دمياط يوم الجمعة ، وأطلق الفرنسيس . وكانت مدة إقامته بدمياط والمنصورة يوما . ثم خلعت شجر الدر نفسها من المملكة ، وسلمت ذلك للأمير عز الدين أيبك التركماني ، يوم السبت تاسع وعشرين ربيع الآخرة . وأقامت في الملك سبعة وثمانين يوما .
الثاني عشر : الملك المعز عز الدين أيبك التركماني الصالحي
الآخر سنة 648 ه . وكان قد جعل الاسم للملك الأشرف بن الملك المسعود ، وكان عمره ست سنين . ثم قتل الملك المعز هذا بحمام قلعة الجبل ، قتلته أم خليل زوجته ، ومعها من الخدام نصر العزيزي ومحسن الجوجري ، يوم الأربعاء خامس وعشرين ربيع الأول سنة 655 ه. وقتلت عقيب ذلك أم خليل ضربا بالقباقيب ، ورميت من القلعة إلى بر السور ، وسمر تلك الخدام تحت القلعة . وتولى الوزارة الصاحب تاج الدين عبد الوهاب . ثم عمل الفائزي على الوزارة وبذل فيها استخراج مائة كيس من الرعية .
بعد ملك شجر الدر تملك الملك الأشرف مظفر الدين موسي بن الملك المسعود صلاح الدين اتسز بن الملك العادل ناصر الدين محمد بن الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب يوم الخميس عشر ربيع الآخر سنة 648 ه . وهو آخر من ولى الديار المصرية من بني أيوب . ومدتهم نيف وثمانون سنة .
صفحة ٩
الثالث عشر : الملك المنصور نور الدين على بن الملك المعز أيبك
ومسك الوزير شرف الدين الفائزي ، وهبت داره ، وأخذ جميع ما وجد له ، وقتل خنقا بعد الضرب الشديد والتشويه ، ورمي في نح حلفا . وتولى بعده الوزارة الصاحب تاج الدين بن عبد الوهاب بن بنت القاضي الأعز . وأظهر العدل والإنصاف وكف الظلم .
البغداديين ، وفتحوا بغداد في العشرين من المحرم من السنة المذكورة ، وقتلوا أهلها ونهبوهم سبعة أيام ، وأخذوا منها أموالا لا تحصى . وقبض هولاكوه على الخليفة ، وأمر أن يداس ويرفس إلى أن يموت . ففعل به ذلك .
المملكة . وكانت الوالدة [ هي التي تدبر الملك تدبير النساء ، فرأى الأمير سيف الدين قطز أن الأمور تؤول إلى الفساد . وكان مملوك والده ، فعمد على طلب الملك واتفق أن الأمراء خوشداشيته خرجوا إلى الصيد ، فخلا له الجو وقبض على المنصور نور الدين على وعلى أخيه قاقان في العشر الأوسط من ذي القعدة سنة 657 ه ، واعتقلهما في برج قلعة الجبل ، ثم أرسلهما إلى دمياط ، واعتقلهما في دار عمرها لهم في برج السلسلة في وسط البحر . وكانت مدة مملكته سنتين وثمانية شهور وثلاثة أيام .
صفحة ١٠
الملك المظفر سيف الدين قطز
657 ه . وفي سنة 658 ه ، نزل هولاكوه على حلب وفتحها في شهر المحرم . وكان الملك الناصر بدمشق وهو آخر بني أيوب ، وقبض كتبغا النائب عن التتار على الملك الناصر وعلى ولدي الملك العزيز ، واحضر أخاه من قلعة صرخد وهو الظاهر ، وسيرهم جميعا إلى هولاكوه . وفي شهر رمضان ، تقدم الملك المظفر بنفسه ، وحملت معه العساكر ووقعت الكسرة على التتار ، وذلك في يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر رمضان المعظم ، وانهزم التتار من دمشق ، ودخل إليها الملك المظفر بعساكره . وأرسل النواب إلى حمص وحلب وسائر البلاد إلى الفرات . وأعاد صاحب حماه إلى بلده . ولما فرغ من ترتيب أحوال الشام عزم على المسير إلى الديار المصرية . ولما وصل إلى منزلة القصير ، وانفرد عن المواكب ليتصيد ، فتبعه الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري وأنص الأصبهاني . وتقدم إليه أنص على أنه يسأله زيادة وإصلاحا للبندقداري . ولما أجابه إلى ملتمسه نزل وقبل الأرض ثم مسك يده على أنه يقبلها ، فضبطها ضبطا شديدا وعلاه الأمير ركن الدين البندقداري بسيفه ، ثم لما اجتمعوا على من يملك ، وعرضوا ذلك الأمر على الأمراء استعفي كل منهم ، واستقال وأحجم عن الموافقة ، وسماع المقال . فعند ذلك ، تقدم الأمير فارس الدين اقطار المستعرب المعروف بالأتابك ، وسألهم قائلا : من هو قتل المظفر بسيفه ؟ قالوا : الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري . فقال : هو أحق بالملك وأولى . فوافقه الأمراء على ذلك ، وأجلسوا المشار إليه .
صفحة ١١
الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري الصالحي النجمي
ثمان وخمسين وستمائة . ووفاته في السابع والعشرين من المحرم سنة 676 ه. فكانت مدة سلطنته ثماني عشرة سنة وشهرين . وهو تركي الجنس . وكان أولا مملوكا للأمير علاء الدين أيدكين البندقدار الصالحي ، أحد مماليك السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب . وكان الملك الصالح قد نقم عليه أمرا ما ، فأمسكه واعتقله وارتجع مماليكه وأضافهم إلى المماليك السلطانية ، ومنهم الأمير ركن الدين بيبرس المشار إليه . ولهذا يعرف بالبندقداري . ولما انتقل وصار في جملة المماليك السلطانية ، تزل في جملة البحرية . وهو الذي وثب على الملك المعظم تورنشاه بن الملك الصالح وقتله . وكان ذا دهاء وحيل وعزيمة وحزامة عظيمة . ولقد عاش أستاذه البندقدار إلى أن تسلطن ، وصار من جملة أمراء دولته المنتظمين في خدمه وخدمته . وكان يره ويراعيه ويعوده وينزل إليه . واتفق للبندقدار مرض ، فعاده ذات يوم وهو في دست سلطنته وتمكن عظمته . وكان بالدار التي هو ساكن فيها سدرة ، وكان إذا ضرب الملك وهو عنده صغير يعلقه في تلك الشجرة .
صفحة ١٢
السلطان وقال : أتعرف هذه السدرة ؟ فقال : ياخوندا أعرفها ولولاها ما جاء هذا . يعني أنه لولا التأديب والتخريج ما ارتقى إلى هذه المرتبة ، واستفاد الآداب والتجربة . ولما خرج السلطان من عنده بادر الأمير المشار إليه ، وقطع السدرة من أصلها خوفا أن يبصرها السلطان دفعة أخرى ويتذكرها . ومن حزم السلطان الملك الظاهر كونه بادر تورنشاه وفجئه قبل أن يفجأه . ومن ذلك الوقت تمكنت مهابته ، وانتشرت سمعته .
والتقويم ، والخمس ، والزكاة المعجلة ، والجوالى المعجلة ، والتبرع ، والراجل ، والدينار ، وغير ذلك . فكانت جملته ستمائة ألف دينار . وكتبت بذلك مسامحات قرئت على المنابر . ثم نصب دار العدل ، وأقام فيها الأمير فارس الدين أقطاي المستعرب ، ينصف بين الناس ، ولم ترفع له مظلمة إلا كشفها .
مالا كثيرا في صندوق . وكان الفقيه المذكور في مدرسة ، وعنده صبي يقرأ عليه . فأغفله ليلة ، وسرق الصندوق . فأمسك وهو خارج به ، وأحضر إلى والى القاهرة ، فطالع السلطان بأمره . واستحضر الفقيه والصبي والصندوق . وسأل الفقيه عن اسم صاحبه ، فذكره له . فأعاده عليه ، وأوصاه بحفظه لصاحبه .
صفحة ١٣
الحسين بن بصاصة وغيره ، فأمر بإحضارهم ، فحضروا ، وأحضر المال . فقال بعض الحاضرين : يطلب منهم فائدة هذا المال في طول هذه المدة . فأخذ السلطان شيئا من وسط الذهب ، وأمر بقراءته ، فقرئت تواريخه ، وأسماء الملوك التي في السكك . ولم يوجد عليها اسم الملك المنصور ولا الملك المظفر . فقال : هذا مال ما بيع فيه ولا أشتري ، ولو تصرف فيه لكانت فيه هذه النقود القريبة العهود . وسأله الرشيد براءة شرعية من المال . فأجابه إلى ذلك . وأحضر القاضى والشهود ، وفعل له ما أبرأ ساحته وأحسن عاقبته . وهذه من مناقبه الدالة على أخذه بالعدل في أحكامه .
جافلين ، وتفقدهم وتعهدهم ، وأطلق لهم النفقات والإقامات . وهم الدار الركنية ، والدار العادلية ، والأدر القطبية ، والدار الأشرفية ، والدار المسعودية .
صفحة ١٤
السعود رحمه الله تعالى ، ورأى أحتياج الفقراء إلى الارتفاق بالماء ، فعلم هناك بئرا . ولما شرع في حفرها ، اتفق قتل الفارس اقطاي وتوجه السلطان إلى الشام . فحضر شخص جندى ، وكمل عمارة البئر . وحصل بين الجندي والفقراء كلام ، وانزعجت خواطرهم منه . واتصل الخبر بالسلطان ، فتذكر القضية ، وطلب الغريم ، وطلب الجندي الشرع . وكتب قصة بدار العدل كتبت بالإشارة الأتابكية إلى السلطان مضمونها طلب الخصم الشرع. فرسم للاتابك بأن يأخذ قاضي القضاة ، ويحضر إلى دار العدل ، والأربع الأئمة . وخرج السلطان ، وجلس بدار العدل ، فأمر ونهى إلى أن حضر الخصم . فقال الأتابك للسلطان : مولانا يقوم معه إلى الشرع . فقام وكل سيفه من وسطه ، وأعطاه لبعض السلحدارية ، وتساوى مع خصمه بين يدى قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب بن بنت الأعز . ولما وقف السلطان مع غريمه أمرهما القاضي بالجلوس معا ، فجلسا . وشرح السلطان الحال ، وتكلم الخصم ، وحصل التجاذب في المحاكمة . فثبت الحق للسلطان ، وحكم الأئمة بأن البئر له ، وأن بعض البناء والعدة للخصم . فالتزم له السلطان بقيمة ما ثبت له . ووقف ذلك لله تعالى ، ورسم أن تعين له أوقاف تقوم بكلفته وخلع على الأتابك نائب دار العدل ومتوليها ، وعلى قاضي القضاة ، وعلى غلامه الذي حضر بسبب المحاكمة ، وعلى الخصم . وتسامع الناس بذلك ، فصار الأمير ينصف المأمور ، والشريف ينصف المشروف . وخاف كل أحد من العدوان ، وصار التناصف ظاهر الإعلان . وهذه سياسة حسنة ، ومكرمة جميلة يجب على الملوك التخلق بمثلها والاقتداء بفعلها .
صفحة ١٥
بنفسه ، وأنزله في القلعة في المكان الذي كان الإمام المستنصر بالله نازلا فيه . وكان وصوله في التاسع من رجب ، ووصل صحبته من عرب خفاجة قريب خمسين فارسا . وشق المدينة لابسا شعار بني العباس ، وطلع القلعة راكبا . وفي ثالث عشر رجب ، أحضر السلطان الفقهاء والأئمة والعلماء والأمراء والصوفية وجمع الناس بقاعة العمد . وحضر السلطان والخليفة . وتأدب السلطان معه في الجلوس ، فلم يفرش له طراحة ، ولاحط له كرسي ولا منبر . وبايعة السلطان على كتاب الله وسنة رسول الله ، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والجهاد في سبيل الله ، وأخذ أموال الله بحقها وصرفها في مستحقها . ثم قلد الخليفة السلطان البلاد الإسلامية وما سيفتحه الله على يديه من بلاد الكفار . ثم بايعه الناس على اختلاف طبقاتهم . وكتب إلى البلاد بأخذ البيعة له ، وأن يخطب باسمه على المنابر ، وتنقش السكة باسمه . وفي يوم الجمعة سابع عشر رجب ، خطب الخليفة بالناس في جامع القلعة ، ونثرت جمل من الذهب والفضة . وفي يوم الاثنين رابع شعبان ، ركب السلطان إلى البستان الكبير ، وقد ضربت به الخيام . وحملت الخلع حبة الأمير مظهر الدين وشاح الخفاجي ، وخادم الخليفة . ولبس السلطان عمامة سوداء مذهبة ، وراعة بنفسجية وطوقا . وتقلد سيفين ، وحملت خلفه عدة سيوف ، ولواءان وسهمان كبيران وترس ، وغير ذلك مما جرت به العادة . وقدم له فرس أشهب برقبة سوداء وكنبوش أسود فركبه . وخلع على الأمراء وعلى قاضي القضاة ، وعلى الصاحب بهاء الدين ، وعلى صاحب ديوان الإنشاء فخر الدين بن لقمان ، فإنه أنشأ التقليد الشريف ، وطلع على المنبر قد جلل بالأطلس الأصفر . وقرأه على الناس كافة . ولما ركب السلطان من البستان المذكور شق المدينة بعد أن ينت ، وبسط له أكثر الطريق ثيابا فاخرة . ثم إن السلطان استخدم للخليفة ، فكتب للأمير سابق الدين بوزبا أتابك العسكر بألف فارس ، والطواشي بهاء الدين صندل الشرايي بخمسمائة فارس ، والأمير ناصر الدين بن صيرم الخزندار بمائتي فارس ، والأمير نجم الدين أستاذ الدار بخمسمائة فارس ، وسيف الدين بلبان الشمسي الدوادار بخمسمائة فارس . وأمر جماعة من العربان بالطبلخانات : واشترى له مائة مملوك جمدارية وسلحدارية . وأعطى كلا منهم ثلاثة أرؤس خيلا وجملا لعدته . واستخدم له من يحتاج إليه من أصحاب الدواوين وكتاب الإنشاء والأئمة والغلمان والحكماء والجراحية . وكمل له البيوت والخيول والجنائب والأسلحة وغيرها .
صفحة ١٧
الدين على ابن صاحب الموصل بأولاده وأهله ، وبعده أخوه الملك المجاهد اسحق صاحب الجزيرة . وهما ولدا الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ . وكان وصولهما هربا من التتار . وكان لهما أخ يسمى الملك المظفر صاحب سنجار معتقلا بقلعة من قلاع حلب ، كان العزيزية أخذوه وسجنوه بها ، فأمر السلطان بإكرامهما ، ورتب لهما الإقامات منذ وصلا إلى دمشق وإلى أن دخلا القاهرة المحروسة . ولما وصلا تلقاهما بنفسه ، وأكرمهما ووصلهما بالافتقاد والخيول والحوائص لهما ولمن معهما . وأرسل أطلق لهما أخاهما المذكور ، وأحضره إليهما بالديار المصرية . وعن جماعة من البحرية برسم خدمتهم ، وتصريف مهماتهم . وكتبت تقاليدهم بالبلاد التي فوضت إلى السلطان من مولانا الخليفة وهي : الموصل وبلادها وقلاعها ، ونصيبين ورساتيقها وولاياتها ، والقلاع العمادية وغيرها للملك الصالح. وكتبت بلاد الجزيرة وأعمالها للملك المجاهد سيف الدين اسحق . وكتب للملك المظفر سنجار وأعمالها ، فإنها كانت بيده في حياة والده .
صفحة ١٨
أحمال الكوسات والسناجق وعزم على الشام لتوصيل الخليفة والملوك المذكورين إلى بلادهم . وحضر الخليفة إلى السلطان ليلا وألبسه الفتوة بحضور جماعة يعتبر حضورهم . ورحلا متوجهين إلى الشام ، وودعهما السلطان من دمشق . وجود جماعة من العسكر صحبة الأمير سيف الدين بلبان الرشيدي ، والأمير شمس الدين سنقر الرومي ، وأوصاهما بالتوجه إلى جهة البلاد الحلبية والفرات ، وأنه متى ورد إليهما كتاب الخليفة يستدعيهما إلى العراق ، يتوجها إليه هما أو من يطلبه منهما . فلما توجها ؛ أما أولاد صاحب الموصل ، فانفصلوا منه ، وتوجه كل منهم إلى مملكته . توجه الملك الصالح وولده علاء الدين إلى الموصل ، فحضر التتار إليها وحاصروها تسعة أشهر وأخذوها وقتلوا المذكور وولده ، وعلقوهما على بابها . وأما أخواه المجاهد والمظفر ، فإنهما رجعا إلى الشام . وأما الخليفة ، فإنه توجه نحو العراق . ولما قرب بغداد صادفه التتار ، فقتلوه .
المناشير ، ووصل الأرزاق ، ونصب دار العدل بمدينة دمشق ، وأحضر أمراء العربان ، وسلم إليهم خفر البلاد وحفظها إلى حدود العراق . وفوض نيابة السلطنة بدمشق إلى الأمير علاء الدين طيبرس الوزيري الحاج . وكتب منشور الإمرة على جميع العربان للأمير شرف الدين عيسي بن مهنا .
سفر الخليفة ، فهما بصاحب حماه ، وصاحب حمص . وتقدم إليهم بالإغارة على بلاد أنطاكية ، وكان البرنس صاحبها متخوفا من ذلك . فأغارت العساكر عليها ، وأخذت ميناءها ، وأحرقت المراكب التي فيها ، وحاصرت السويدية وأخذتها وقتلت وأسرت وغنمت ونهبت .
صفحة ١٩
وتقرر الصلح مع الفرنج على ما كان الأمر عليه إلى آخر الأيام الناصرية ، وإطلاق الأسرى من حين انفصال الأيام المذكورة إلى وقت الهدنة لصاحب يافا ومتملك بيروت على حكم الأيام الناصرية . وأمنت السبل ، وكثر الجلب ، وشرع السلطان في جمع أساري الفرنج . وسيرهم إلى مدينة نابلس حفظا للعهد . وكاسر الفرنج في إرسال أسرى المسلمين ، فأمر بإرسالهم إلى دمشق ، واستعمالهم في العمائر .
المسلمين . فجرد إليهم الأمير جمال الدين المحمدي وصحبته جماعة . فأغاروا عليهم ، واستاقوا ، وعادوا سالمين . ورجع السلطان إلى الديار المصرية في سابع عشر ذي الحجة سنة 659 ه.
فسار ، ولم يدر أحد إلى أين يتوجه . فسار إلى الشوبك وتسلمها ، واستخدم فيها النقباء والأجناد ، وأفرد الخاص القلعة ما كان في الأيام الصالحية .
الدين خاقان بركه خان . وسير نسخ الأيمان إلى القلاع والبلاد ، فحلف الناس جميعا .
في العراق بعد قتل الخليفة ، ومقدمهم الأمير شمس الدين سلار ، فأعطاه السلطان خمسين فارسا بالشام ، ثم غير له باقطاع في الديار المصرية .
صفحة ٢٠
من عند السلطان عز الدين كيكاوس بن كيخسرو صاحب الروم ، وصحبتهم الأمير ناصر الدين نصر الله بن كرج رسلان أمير حاجب ، ومعهما كتاب يخبر بأنه نزل للسلطان عن نصف بلاده ، وسير دروجا فيها علائم بما يقطع منها لمن يختاره السلطان ، ويؤمره . فأكرم السلطان له ، وجهز جيشا لنجدته . وأمر بكتب المناشير عنه قرين مناشير صاحب الروم . وجهز الأمير ناصر الدين أعلمش السلحدار لتقدمة العساكر ، وعين له ثلاثمائة فارس ، وأقطعه الروم . ووصلت تذكرة على يد رسول المذكور ، نسختها بالعربية :
المحروس ناصر الدين سيد الأمراء والحجاب ، وسلم إليه المناشير ، ورسم له بالسنحق والمنديل واليد كجاري العادة . وسير إلى خدمة الجناب العالى المولوى الملكي الظاهري ، خلد الله سلطانه ، ممثلا مراسمه ، وواقفا
جمادي الآخرة سنة 660 ه . وكتب السلطان للرسول الواصل بهذا الكتاب ، منشورا بثلاثمائة طواش ، وأقطعه آمد وأعمالها .
صفحة ٢١
الأشكري صحبة الرشيد الكحال بطرك المله الأشكرى التمس إرساله إليه . ولما عاد البطرك المذكور أحضر هدية جملتها مصوغ فضة وذهب وقماش . فرد السلطان ذلك عليه .
صفحة ٢٢
وأمر لوقته بتجهيز الحصر العبداني ، والقناديل والستور المرقومة ، والمباخر ، والسجادات ، والمسك ، وماء الورد والعود . وهذا المسجد بني في سنة 58 للهجرة الإسلامية على ما وقع ا مع الروم . وقيل إن بانيه مسلمة بن عبد الملك في أيام أخيه الوليد الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب أراد تجديد عمارة هذا ا. الخطبة به ، فلم توافقه الروم ولا مكنوه . والذي غمر في أيام هذا الملك المدة : فمن ذلك عمارة الحرم الشريف النبوى ، وقبة الصخرة الشريف بعض ضياع الخليل عليه السلام قد أجريت في الإقطاعات فارتجعها و وقفه ، وعوض مقطعيها ، وحبس القرية [ المعروفة بإذنا عليه بكتاب صحيح ، وأودع نسخته عند شيخ المقام ، ونسخه منه في مودع الحكم بدمشق . وعمر المدرسة التي بين القصرين وكتاب السبيل المجاور لها . وكان ابتداء العمارة فيهما في الثامن من ربيع الآخرة ، ونجازهما في أواخر شعبان . وكان مشد عمارتها الأمير سيف الدين يغمور ، وأمره أن لا يستعمل أحدا إلا بأجرته .
صفحة ٢٣
، وفرق أبراجها على الأمراء . وأنشأ قناطر على جسر شبرامنت بالجيزية ، وهو جسر عظيم يتراكم الأمواه عليه ، وكان كثيرا ما ينقطع ، فحصل بهذه القناطر النفع . وأمر بعمارة مشهد بعين جالوت ، موضع المصاف مع التتار ، وسماه مشهد النصر . واهتم بعمارة أسوار ثغر الاسكندرية وخندقها . وبني لشغر رشيد مرقبا لكشف البحر المالح وما يتخلله من مراكب العدو . وأمر أن يرتب فيه ديادية لذلك . وكان قد انهدم من منارة الاسكندرية جانب ، فبناه وشده . وأمر بأن يضيق فم بحر دمياط ، فضيق بالقرابيص التي هدمت من سورها ، وصارت تمنع المراكب الفرنجية من الدخول . وبلغه أن فم بحر أشموم قد كاد يستد بما طرحه البحر عليه من الطين ، فتوجه السلطان بنفسه وصحبته العساكر ، وحفره ورتب فيه قلاون الألفي . وأمر بعمارة القلاع التي كان التتار استولوا عليها وخربوا أسوارها وهي : قلعة دمشق ، وقلعة الصلت ، وقلعة عجلون وقلعة صرخد ، وقلعة الصبيبة ، وقلعة بصرى ، وقلعة بعلبك ، وقلعة شيزر وقلعة شميميس . وحمل إليها من الآلات والذخائر ما تحتاج إليه . وجرد إليها من المماليك والجند من يقيم بها .
ألف فارس . وأمر كبرائهم بالطبلخانات وهم : كرمون أغا ، وهو الذي فتح بلاد الترك كلها ، وامتنا أغا ، ونوكا أغا ، وجبرك أغا ، وقنان أغا ، وطبشور وناصيه ، ونبتو ، وصنجي ، وجوجلان ، واجقرقا ، وأرقرق ، وصلاغيه ، ومنكدمر ، وصراغان أغا ، وأسلموا عندما أمروا وطهروا .
صفحة ٢٤