8

Mudkhal Kabir

تصانيف

إن في النجوم وحركاتها نوعين من العلم عجيبين في الفكرة عظيمين في القدر فالنوع الأول يقال له علم الكل وهو علم كيفية وكمية الأفلاك العليا وأفلاك الكواكب كل فلك على حدته وبعد كل فلك من صاحبه وميل بعضها عن بعض وعظمها وقدر كل فلك في نفسه وبعده من الأرض وإن الأرض مستديرة وإن الأفلاك مستديرة محيطة بها وإن الفلك الأعلى يدوربذاته ويدير هذه الأفلاك وما فيها من الكواكب على الأرض في اليوم والليلة من المشرق إلى المغرب دورة واحدة وإن الشمس تطلع على قوم دون قوم وإنه يكون في وقت واحد على قوم نهار وعلى قوم آخرين ليل وإن الأجرام العلوية كلها تتحرك حركتين فأما كثير من الأفلاك فإنها تسير سيرا موافقا لسير الفلك الأعلى من المشرق إلى المغرب فأما الكواكب فإنها تسير من المغرب إلى المشرق مخالفة لسير الفلك الأعلى وإن كثيرا من الأفلاك يكون سيره موافقا لسير الكواكب وقد ذكرنا جميع ذلك في زيجنا الكبير وفيه ذكر أنواع حركات الأفلاك والكواكب كل فلك وكل كوكب على حدته وما خاصة كل واحد منها وأيها أسرع حركة وأيها أبطأ وأيها أعلى من صاحبه وإن قدر الأرض في الصغر عند الفلك الأعلى كقدر النقطة عند الدائرة ومعرفة كسوف الكواكب بعضها لبعض وكسوف النيرين فمعرفة هذا وكل شيء يحتاج إليه من هذا الجنس من كيفيات الأفلاك وكمياتها وكمية حركات الكواكب وحالاتها فهو يقال له علم الكل فأما كثير من كيفية ظاهر علم الكل وكميته فهو موجود بالعيان وما لا يوجد من ذلك عيانا فالقياس عليه هو المضطر إلى قبوله لأن الدلالات والبراهين عليه من أسباب بينة واضحة متفق عليها من علم الحساب والهندسة والمساحة التي لا يخالطها شك ولا تمتنع العقول من قبولها ولا يدفع هذا العلم إلا معاند للحق وقد ألف بطلميوس الحكيم كتابا يقال له كتاب المجسطي فيه جميع ما يحتاج إليه من علم حالات الأفلاك والكواكب على الاستقصاء

والنوع الثاني علم الأحكام وهو معرفة طبيعة كل كوكب وكل فلك وخاصية دلالاتها وما يتولد ويحدث من قوى حركاتها المختلفة وطبعها في هذا العالم الذي هو دون فلك القمر من اختلاف الأزمنة وتغيير الطبائع التي هي النار والهواء والماء والأرض وفي الأشياء التي تحدث من هذه الطبائع من أشخاص الحيوان والنبات والمعادن وبالنوع الأول من علم النجوم الذي هو علم الكل يستدل على هذا النوع الثاني الذي هو علم أحكام النجوم

فأما كثير من علم الأحكام فهو ظاهربين موجود وما كان منه غير ظاهر فإنه يستدل عليه بالقياسات الواضحة من علم طبائع الأشياء وما يظهر من قوى حركات الكواكب على هذا العالم في وقت مسامتتها بعض المواضع وبعدها عن الأرض وقربها منها ولا يدفع هذا النوع الثاني من علم النجوم إلا القوم الذين بعدوا عن المعرفة والتمييز والفكرة في حالات الأجرام العلوية

صفحة ٥٤