وقد ظن قوم أن المفعول عن غيره والمنفعل عن غيره واحد وأنه لا ينفعل في الشيء عن غيره الحركة والتغيير وهو منه على بعد معلوم وقد غلط هؤلاء لأن الأشياء في هذا المعنى على ثلاث جهات إحداها فعل الشيء والثاني المفعول عن الشيء والثالث المنفعل عن الشيء فأما فعل الشيء فهو على جهتين إحداهما بالإرادة وهو ما يفعل الإنسان بإرادته من الحركة والقيام والقعود والأخرى بطبيعته وهو كفعل النار الإحراق بطبيعتها لبعض الأجسام القابلة للإحراق وأما المفعول عن غيره فهو على جهتين أيضا إحداهما بالإرادة وهو كالحائط المبني والباب المنجور والخط المكتوب فإن هذه مفعولات بحركة الإنسان عن إرادته والثانية بطبيعته وهو كالمحرق بالنار فإن المحرق بها مفعول عن فعلها فيه بطبيعتها فأما المنفعل عن غيره فهو على خلاف هاتين الجهتين وهو ما يحدث في الشيء عن غيره من الحركة والتغيير وهو منه على بعد معلوم وذلك كانفعال حمرة الخجل من الخجل وصفرة الفزع من الفزع وكما ينفعل عن غناء المغني الحاذق بالنغم في الإنسان حركة النفس والأعضاء وفي العاشق عند رؤيته المعشوق الحركة والرعدة والدهش والحيرة وفي المعشوق إذا رأى عاشقه الخجل وكانفعال الحركة والانجذاب في الحديد من حجر المغناطيس فهذا وكثير من هذا الجنس قد ينفعل في كل واحد منها عن غيره حركات مختلفة لاختلاف أسبابها وهو منه على بعد معلوم ثم تنفعل عن تلك الحركات المختلفة في أشخاص الإنسان كيفيات مختلفة على قدر اختلاف تلك الحركات واختلاف حال الأشخاص القابلات لها
وكذلك كل كوكب من الكواكب إذا تحرك على هذا العالم حركة طبيعية فإنه ينفعل عن حركته الطبيعية في هذه الأركان الأربعة الحركات والتغيير الطبيعي الذي به تتكيف وتمازج بعضها بعضا بحال تكون من ذلك التكييف والممازجة في أشخاص الأنواع المختلفة بما في كل شخص من الكيفيات المختلفة مما ليس في غيره من شخص ذلك النوع وإنما يكون اختلاف الأشخاص وكيفياتها على قدر حركة الكواكب وعلى قدر قبول هذه المنفعلات منها
صفحة ٨٨