وكل جسم من الأجسام الأرضية فإنما يكون فعله في غيره بأحد شيئين إما بالمماسة وإما بمتوسط فالذي يكون فعله في غيره بالمماسة هو كفعل النار في الحطب الإحراق بمماستها إ ياه وكفعل الثلج التبريد بمماسته لبعض الأجسام القابلة للتبريد والذي يكون فعله في غيره بمتوسط فهو على ثلاث جهات إحداها ما يحدث عن فعل الإنسان بإرادته في جسم آخر بمتوسط يكون بينهما وهو كتحريكه جسما من الأجسام فيتحرك عن تحريك الإنسان لذلك الجسم جسم آخر أو أجسام كثيرة أو كرمي الإنسان جسما من الأجسام منه على بعد معلوم فيحدث من تحريكه للجسم المرمي به في المرمي فعل من الأفاعيل فقد حدث عن تحريك الإنسان للشيء المتوسط الذي بينه وبين جسم آخر فعل في ذلك الجسم الآخر البعيد منه والثاني ما يفعل بعض الأجسام بطبعه في غيره بمتوسط قريب وهو كفعل النار في الماء التسخين بتوسط الآنية التي يكون فيها الماء أو كفعل الثلج في الماء التبريد بتوسط الآنية التي يكون فيها الماء والثالث ما يفعل بعض الأجسام بطبعه في غيره بمتوسط بعيد وهو مثل حجر المغناطيس الذي بطبعه يحرك الحديد ويجذبه إليه من بعد معلوم بتوسط الهواء لما في ذلك الحجر من الطبع المحرك للحديد والجذب له ولما في طبع الحديد من قبول الحركة من الحجر والانجذاب إليه لاتصاله به بالطبيعة وقد يحرك هذا الحجر أيضا الحديد بسائر الأنواع التي ذكرنا آنفا لأنه إذا كان بينهما متوسط قريب كالنحاس أو الشبه فإنه يحركه ويجذبه إليه وإذا ماسه أيضا حركه ولصق به وربما يحرك الحديد الذي يلي الحجر للذهاب إليه فحرك وجذب معه ما اتصل به أو قرب منه من جنسه بما صار فيه في ذلك الوقت من قوة طبع ذلك الحجر وقد توجد أشياء كثيرة من الجواهر والعقاقير تفعل بطبعها في غيرها من الأجسام الحركة والجذب إليها عن القرب منها والبعد
فعلى هذا النحو الثالث يكون تحريك الأجرام السماوية للأجسام الأرضية وتغييرها إ ياها وإحالتها لبعضها إلى بعض وذلك لما في الأجرام السماوية من القوة المحركة المغيرة المحيلة للأجسام الأرضية ولما في الأجسام الأرضية من قبول الحركة والتغيير والاستحالة من حركة الأجرام العلوية لاتصالها بها بالطبيعة وإذا كانت بقوة حركات الأجرام السماوية تنتقل هذه الأجسام الأرضية بعضها إلى بعض ويحدث فيها الكون والفساد فقد انفعلت عن حركاتها الطبيعية على هذا العالم في هذه الأركان الأربعة الاستحالات الطبيعية والكون والفساد وإذا انفعل عن حركاتها الكون والفساد في هذا العالم فقد صارت لها الدلالة على ما يكون ويفسد
صفحة ٨٦