لكنه لم يدعني أهرب منهما، ورأيت نظراته تحوطني وتحاصرني في قوة وثقة؛ فأحسست بقلبي يخفق خفقة واحدة هائلة. •••
تقلبت في فراشي مؤرقة، أصبح السرير خشنا مليئا بالحصى والمسامير.
تركت الفراش وأخذت أمشي في الحجرة. أحسست أن الحجرة ضيقة كالزنزانة، والجو خانق كحبل المشنقة.
خرجت إلى الشرفة ووقفت، لكني لم أطق الوقوف. جلست، لكن لم أطق الجلوس. فوقفت ومشيت إلى حجرة الطعام، حاولت أن آكل شيئا، لكن مذاق الطعام كان متغيرا غريبا، كأنه مصنوع من المطاط!
أصبحت لا أحتمل أي شيء؛ لا الجلوس، ولا الوقوف، ولا المشي، ولا النوم. أصبحت لا أجد طعما لأي شيء؛ لا الطعام، ولا الماء، ولا الهواء.
والأشياء التي كانت تملأ وقتي أصبحت تافهة فارغة، واهتماماتي التي كانت تبتلع نهاري ابتلعها شعوري الجديد.
سؤال واحد يجوب آفاق عقلي وروحي.
هل أطلبه؟ هل أكلمه؟ هل أبدأ أنا الحديث؟
ونظرت إلى الآلة الصغيرة؛ تلك الكتلة المربعة السوداء التي كنت أنقلها بيد واحدة من مكان إلى مكان، وأخرسها بأصبع واحد حين أريد. تلك الكتلة أصبحت الآن شيئا رهيبا، جهازا سحريا خطيرا، أنظر إليها من بعيد في حذر، وأقترب منها في وجل، وألمسها بأصبعي فتمس عقلي كهربة عنيفة كأنما مست يدي سلكا كهربيا عاريا.
أتتغير الأشياء إلى هذا الحد حين تتغير نظرتنا إليها؟
صفحة غير معروفة