لأقيم بها نحو الثلاثة أسابيع جهة (الأتوال) هي منزل الإنكليز في باريس، ففي كل لوكانداتها تجد إنكليزا، وفي الشارع تسمع الإنكليزية بمقدار ما تسمع الفرنساوية وأحيانا أكثر، ثم إذا خرجت في الصباح جهة غابة بولونيا رأيت الإنكليز يكادون يختصونها لأنفسهم لولا جماعة من الفرنساويين ذوي اليسار يزاحمونهم فيها.
والأطفال هناك أو في طريق الغابة
Avenue du Bois
يتكلمون كلهم تقريبا هاته اللغة ليس هؤلاء الأولاد من الإنجليز بل هم فرنساويون مربياتهم إنكليزيات، وهن يرتدين لباسهن على شكل الحرملة وقبعتهن الصغيرة فيظهرن بذلك في شكل جميل وقد اتخذهن الآباء من الفرنساويين مربيات لأبنائهم ليتعلم هؤلاء الإنجليزية ويتقنونها من صغرهم، ثم لما عند الأمة الفرنساوية اليوم من الولع بكل ما هو إنكليزي والإعجاب إعجابا يفوق الحد أحيانا، فالفرنساوي يعجب من الإنكليزي بخلقه وبلباسه وبسياسته وبحالته وبكل ما عنده، وإذا حدث عنه حدث بشيء غير المعروف عنه من السخرية
Raillerie
وكثيرا ما يطنب في مدحه، ولست أدري إذا كان الإنجليز يستحقون كل هذا عدلا، بل ولا أفهم كيف أن هذه الأمة الفرنساوية تصل إلى هذا الحد مع أن الإنكليز من أشد الذين يستخفون بالفرنساويين ويستخفون عقولهم، بل وليبلغ بهم التطرف حتى يستخفون بأدبهم وهو التاج الذي تفخر به الأمة الفرنساوية، ثم لا بدع إن وجدنا هؤلاء الأطفال متى كبروا أشد من آبائهم إعجابا بهذا الجنس السكسوني بعد ان ربتهم بنات أمته.
الإنكليز مهما كان عندهم من الادعاء لطاف النفوس خفاف الأرواح يجذبونك بلطفهم إليهم ويعاملونك بأحسن المجاملة، لكنهم في الوقت عينه محبون لأنفسهم إلى حد فظيع إذ يطلبون منك إزاء هذه المجاملة مثلها أو أكثر منها، ومهما سامحتهم أنت في هفواتهم بأي هفوة تبدر منك نحوهم تقيمهم وتقعدهم وتظهر من شراستهم ما يمحو كل حسنة سابقة لهم، ولا يرجعون إليك إلا إذا رأوك عاملتهم المثل بالمثل وقابلت شدتهم بالشدة... يظهر ذلك لمن يعرفهم وتصل معرفته بهم إلى شيء من رفع التكلف في القول والعمل أو لمن تلجئه الحوادث إلى صلات جدية بينه وبينهم.
كان معي في اللوكاندة عدد من الإنكليز، ومقابلي على المائدة أختان إنكليزيتان، وإلى جانبهما كندية فرنساوية وبجوارها أحد أقاربها، أما جارتي أنا فكانت فرنساوية عجوزا.
وافق أول نزولي باللوكاندة أيام اجتماع البرلمان الفرنسوي ونظره في اعتصام عمال السكة الحديد، في ذلك اليوم خطب رئيس الوزارة برين
Aristi de Briqnd
صفحة غير معروفة