ومن أظرف ما كان يتردد على ألسنة الناس في عهد «النغنغة» أن نجيب الريحاني اشترى عزبة، وأطلق عليها اسم «حمار وحلاوة»، فإذا سأل سائل: «وأين مقر هذه العزبة؟«أجاب بعضهم: إنها في الشرقية، وفي مركز فاقوس كمان!! وربما تطور به الخيال فقال: «وفي زمام بلد اسمها منزل نعيم على حدود نجع عودة، وعمدتها بالأمارة اسمه الحاج عبد الوهاب».
وبعد هذا التعيين المدهش، كدت أنا نفسي أصدق أنني أمتلك عزبة بحق وحقيق ... مين عارف يمكن صحيح؟؟ ولذلك انتهزت فرصة وجود صديق لي من أعيان تلك الناحية، فسألته فيما بيننا: هل صحيح يا خوي عندكم عزبة ملكي اسمها حمار وحلاوة؟ وللأسف نفى لي صديقي هذا «الحلم» اللطيف، مؤكدا أنها مجرد إشاعة عارية من الصحة مختلقة من أساسها! ولو كان قلم المطبوعات يهتم في ذلك الحين بإصدار بلاغات التكذيب، لتوسلت إليه أن يفعل، بعد أن استفحلت تلك التهمة، ووجدت بين عباد الله خلقا كثيرا يؤمنون بها! حتى خشيت أن تنمو عائلتي، ويظهر لي مئات من الأقارب الذين لا أعرفهم، والذين ربما تكون رابطة القرابة الوحيدة بيني وبينهم هي ... حمار وحلاوة ليس إلا!!
على أن الظريف أن بعضهم كان يقول في بعض الأحيان، إن العزبة ليست في الشرقية، بل في المنوفية، وفي يوم ثالث تكون في الدقهلية، وهكذا ظلت «حمار وحلاوة» تتناولها حركة التنقلات - كما تتناول السادة الموظفين - إلى أن تبخرت يا حسرة ... ولم يبق لها وجود في غير أدمغة مخترعيها.
على أنني كنت أستطيع بلا شك لو عمدت إلى الاقتصاد المعقول - وبلاش التقتير - أن أملك عزبا بعدد رواياتي، وأن يكون في حوزتي بدل حمار وحلاوة بس - ولو، وإش، وعلى كيفك ... وأخيرا «24 قيراط» التي لم يحن وقت الكلام عنها بعد.
وقد دار حوار بيني وبين المستر هورنيلو (مدير الأمن العام إذ ذاك). وكانت التقارير والمعلومات التي جمعها له مخبروه حملته على أن يأمر بمصادرة الرواية التي كنا نستعد لإخراجها واسمها (قولوا له). ولكن لم تمض على هذه المصادرة أيام حتى قامت الثورة في مصر قاصيها ودانيها، واشتركت الطوائف والطبقات جميعها في مظاهرات وطنية حارة، فخرجت مع أعضاء فرقتي (ممثلين وممثلات) ننشد على أنغام أوركستر الفرقة نشيد الكشافة.
الريحاني «دسيسة إنجليزية»!
قلت إن شعوري هو الذي كان يدفعني إلى العمل بنشاط وهمة. ولم أكن بطبيعة الحال أرغب من وراء ذلك جزاء ولا شكورا. ولكن الخصوم والحساد والناقمين، جزاهم الله عن المروءة والشهامة كل خير!
في الساعة الحادية عشرة من مساء إحدى الليالي جاءني الأستاذ مصطفى أمين (وقد كان قبل ذلك شريكا للأستاذ علي الكسار في فرقة كازينو دي باري) جاءني مصطفى إلى منزلي يلهث من التعب ويقول: «انج بنفسك يا نجيب فإنك الليلة مقتول لا محالة»!
كيف؟ وبيد من؟ ومن الذي يفكر في إعدامي؟ قال: «هم مواطنوك المصريون! هذا فظيع ... فظيع!».
وراح الزميل مصطفى يقص ما حدث، قال: «إنني آت من الأزهر الشريف حيث عقد اجتماع حافل تبودلت فيه الخطب الحماسية، وقد وقف شخص من خصومك على المنبر، وبدون أن يدعوه أحد للكلام سمم أذهان المستمعين بأكاذيبه مدعيا أنك (دسيسة إنجليزية)، وأن السلطة العسكرية قد أمدتك بالمال لتلهي الشعب برواياتك عن المطالبة بأمانيه العالية! ولما كانت الجماهير في أوقات الثورات تنساق بلا روية، فقد هتف الناس ضدك وصمموا على قتلك!».
صفحة غير معروفة