زعرب ...!
اتفقنا مع إدارة تياترو الشانزلزيه على أن نشغله بفرقتنا (الكوميدي العربي)، وبدأنا في إجراء البروفات. وفي أحد الأيام، وبينما كنت جالسا مع بعض زملائي أمام الباب الخارجي، إذ هبط من الترام شخص يحمل بين يديه حقيبة، بل قل «بقجة». - سلام عليكم يا جماعة. - عليكم السلام يا أخينا ... إيه خير إن شاء الله!! - أنا عبد اللطيف المصري، ممثل كبير، وسمعت أن عندكم شغل وعاوز أشتغل وياكم!! - أهلا وسهلا ... تفضل يا سيدنا تناول كام سهم أنت راخر!!
ذكرت هذا الحادث، لأن عبد اللطيف المصري هذا أصبح فيما بعد ممثل دور (زعرب)، التابع الخاص لكشكش بك عمدة كفر البلاص، كما سيأتي القول في حينه، ولا مانع هنا من أن أذكر أن عبد اللطيف رأى أن يشارك الزميل أمين عطا الله في مسكنه، وكان عبارة عن غرفة في أعلى بناء التياترو أثثها أمين أثاثا فاخرا، بالنسبة للحالة إذ ذاك يعني زي ما تقول مرتبة ولحافا ومخدتين وقلة وكباية ... ورأسك تعيش!!
سكن عبد اللطيف مع أمين، فكان اجتماعهما كاجتماع القط والفأر. وقد كنت أود - لولا الإطالة - أن أشرح بعض المقالب التي كان يدبرها أمين لزميله، والتي كانت تحتاج في كثير من الأوقات إلى عقد لجنة مصالحات خاصة لإصلاح ذات بينهما. ولكني أرجئ ذلك إلى مناسباته.
أخرجنا في «الشانزلزيه» طائفة من الروايات، منها «عندك حاجة تبلغ عنها» و«ضربة مقرعة» و«الابن الخارق للطبيعة» و«المهرج بلفجور».
ليلة بين اللصوص
حدث في أحد الأيام أن تراءى للزميل علي يوسف أن يسير بي إلى مكان غير مأمون العاقبة، فكانت النتيجة أن قبض علينا. وكان في جيبي إذ ذاك خمسون قرشا أخرجتها «وغمزت» بها جندي البوليس الذي زغللت عيناه وتراخى في حماسة. وشاور عقله في تذليل هروبنا، ولكن «أبا يوسف» أخذته العزة بالإثم فصرخ صرخة مضرية وقال: »انت عبيط يا نجيب! ليه تدي العسكري فلوس؟ دلوقت تشوف رايح يجري إيه؟».
وما إن سمع الجندي هذا التحدي لمقامه الكريم في أثناء تأديته وظيفته، حتى غلا الدم في عروقه، وأخذته نخوة «الحكام» العظام، وأضاف إلى تهمتنا الأصلية، تهمة أخرى فرعية، هي الشروع في ... رشوة!! قلت (بس) ختمت على روسنا يا سي علي يا يوسف!! وبدل تهمة واحدة بقو اثنين، ووقعنا في سين وجيم، وقول علينا يا رحمن يا رحيم. فقال: «يا شيخ ما يهمكش. شد حيلك دلوقت تشوف». فشديت حيلي ودخلت معه القره قول. فماذا شفت؟ ألقوا بنا في «الحاصل» أو الحبس القذر بين المتشردين واللصوص، وأذكر أنني كنت في ذلك اليوم أرتدي بدلة بيضاء. الله يا سيدي على التيل الأبيض من نومه على الأسفلت طول الليل!
إن ما قاسيته في هذه الليلة لا يمكن أن أنساه، كما أنني لا أنسى كلما ذكرت آلامي أن أعترف بجميل السيدتين سرينا إبراهيم ونظلة مزارحي، اللتين برزتا لنا في صباح اليوم التالي كملائكة الرحمة، وقد حملتا إلينا الفطور والسجاير وكل ما خف حمله ولم يغل ثمنه.
ونترك هذه الحوادث ونعود إلى المسرح فأقول إنني بدأت أشعر أن قدمي قد ثبتت تماما، وأنني أصبحت شيئا مذكورا، أجيد تنفيذ ما يجول في مخيلتي من أفكار فنية. إذ كنت أدرس دوري وأعرف كيف أرضي الجمهور، وكيف أتعمق إلى قرارة الشخصية التي تسند إلي.
صفحة غير معروفة