تأليف
هنري لامنس
تنبيه
كان حضرة الأب هنري لامنس باشر في المشرق في سنتيه العاشرة والحادية عشرة دروسا جغرافية عن أقطار الشام، كانت نيته أن يتابعها مدة فيجعلها كتابا مستقلا يلحقه بكتابه «تسريح الأبصار فيما يحتوي لبنان من الآثار»، فوضع في ذلك عدة مقالات، ثم دعته الأشغال إلى سكنى مصر فرومية العظمى، ولم يعد في إمكانه أن يواصلها. فهذه الدروس مع كونها غير تامة هي غاية في الفائدة لمعرفة أحوال سورية وبعض ما كتبه العرب في وصفها في القرون الوسطى، وذلك ما حدا بالمطبعة الكاثوليكية إلى أن تنشرها على حدة، وأملنا أن الظروف تسمح لكاتبها أن يعود يوما إلى تتمتها، والله على كل شيء قدير.
تمهيد
تجولنا في أنحاء لبنان
1
مع قرائنا الكرام، فسرحوا معنا الأبصار فيما يحتويه هذا الجبل من الآثار، فوجدوا في هذا النظر فائدة ولذة، ومذ ذاك الحين ألحوا علينا بأن نوسع نطاق أبحاثنا، فنشمل بدروسنا كل أنحاء الشام، فها نحن نلبي ملتمسهم، ونباشر كتابة فصول متتابعة في هذا الشأن، نطلق عليها اسما جامعا، فندعوها: «المذاكرات الجغرافية في الأقطار السورية».
وقبل أن نقدم على العمل ندون هنا خلاصة مشروعنا؛ ليكون القراء على بينة مما قصدناه. نفتح اليوم سياق مذاكرات شتى، نتابعها على صفحات «المشرق» بسرعة كافية، مع مراعاة الظروف والأحوال، ويكون ابتداء كلامنا في أبحاث عمومية عن موقع سورية الجغرافي، وما نالته هذه البلاد في سالف الزمان لفضل مركزها من المنافع والمرافق، وما ينتظرها أيضا بسببه في المستقبل من النجاح، ثم ننتقل إلى وصف صورتها وتخطيطها، ثم نذكر جبالها ومياهها مع البحر الذي يماس سواحلها، ثم نصف مواردها من معادن ونبات وحيوان، وإذا انتهينا من هذا النظر العمومي ننتقل إن شاء الله إلى أوصاف كل جهة بحدتها، ونعرف خواص حواضرها وتاريخ أبنيتها القديمة، وآثارها الجليلة، وكل ذلك على التقريب يوافق الفصول التي خصصناها بلبنان وأحواله.
فمن هذا الرسم الوجيز ترى سعة المواد التي تشملها أبحاثنا؛ إذ لا تتناول فقط الأحوال الحاضرة، بل تمتد أيضا إلى ما سلف عهده. وأملنا أن القارئ يصحبنا في هذه الرحلة الطويلة دون أن يأخذه الملل، ولا ريب أنه يستدرك هذا الخطر إن صرف نظره إلى ما يقال، ليس إلى من يقول؛ لأن الموضوع ذو بال، كثير الشعب، متعدد المناظر، يعاين فيه المطالع - مع طوله - مشاهد فتانة تتناوب وتتوالى، فيقر إليها بصره ولا يحس بسأم، وزد على ذلك أن الذي نصفه ليس بأمر غريب عن القراء، لكنه أمر قريب تحن إليه أضلاعهم، وتمسه مشاعرهم، أعني سورية مسقط رأسهم ووطنهم العزيز، فكل ما ينوط به يهمهم شأنه ويجدر بهم الالتفات إليه. وهذا الذي حدانا إلى مباشرة العمل، كي نزيد قراءنا اعتبارا لبلادهم، إذا ما عرفوا كل ما أودعه الخالق من المحاسن والكنوز، فمن الله نطلب أن يمد إلينا يد المساعدة؛ لنقوم بهذا المشروع قياما أهلا بسمو شأنه، فنحقق أماني القراء فينا.
صفحة غير معروفة