يقول: إن لم يكن يمكنك أن تعيش عزيزًا، فمت بين طعن القنا، فإنه من الأشياء التي تشفي الصدور من الحقد، أو تقتل؛ فتستريح مما كنت فيه من الغيظ والحقد.
وروى أنه قال: أنا لم أبن أذهب من فعل متعدٍّ وإنما قلت: أذهب بالغيظ.
لا كما قد حييت غير حميدٍ ... وإذا مت مت غير فقيد
يقول: عش عزيزًا، أو مت كريمًا. لا كما كنت تحيا غير محمود، وإذا مت في هذه الحالة مت غير فقيد: أي غير مفقود، لا يعتد بك، ويكون موتك وحياتك واحدة ولا يعرفك أحد فيفقدك، كأنه كان قد استعمل الكسل قبل هذه الحالة.
فاطلب العز في لظى وذر الذل ... ل ولو كان في جنان الخلود
لظى: إذا جعلتها نكرة صرفتها لأنها ليس فيها إلا التأنيث، وإن جعلتها اسمًا لجهنم، وهو المراد ها هنا لم تصرفها: للتعريف والتأنيث.
يقول: اطلب العز ولو كان في جهنم، واترك الذل ولا تقبله ولو كان في جنان الخلد. من قولهم: النار ولا العار.
يقتل العاجز الجبان وقد يع ... جز عن قطعٍ بخنق المولود
ويوقى الفتى المخش وقد ... خوض في ماء لبة الصنديد
الخنق: خرقة يوقى بها رأس الطفل إذا دهن. والمخش: هو الدخال في الأمور. وروى: المحش بالحاء وهو: الذي يوقد الحرب كأنه آلة ذلك. وخوض: يجوز أن يكون بمعنى خاض؛ مبالغة فيه كطوف، ويجوز أن يكون متعديًا، ومفعوله محذوف، وتقديره قد خوض الرمح، وماء اللبة: الدم. والصنديد: السيد الكريم.
يقول: يقتل العاجز الجبان مع عجزه عن قطع البخنق، ولا ينفعه الحذر والإحجام عن القتال، ويصان الرجل الشجاع الدخال في الحرب، في حالٍ قد خاض ودخل أو أدخل سنان رمحه في دم الشجاع ومثله للأهتم:
وما كل من يغشى القتال بميت ... وما كل من يرجو الإياب بسالم
لا بقومي شرفت بل شرفوا بي ... وبنفسي فخرت لا بجدودي
وبهم فخر كل من نطق الضا ... د وعوذ الجاني وغوث الطريد
يقول: إن شرفي بنفسي لا بقومي، بل هم شرفوا بي، فإذا فخرت فبنفسي لا بجدودي؛ لا لعدم فضلهم، ولكن لزيادة فضلي على فضلهم؛ وهذا كما قيل نفس عصامٍ سودت عصاما ومثله لعلي بن جبلة.
وما سودت عجلًا مآثر قومهم ... ولكن بهم سادت على غيرهم عجل
ثم بين أن لقومه فضلًا على سائر العرب؛ ومع ذلك فهو أفضل منهم، فقال: وبهم فخر كل من نطق الضاد: يعني أنه فخر كل العرب. لأن الضاد مختصة بلغة العرب، وقيل: المراد أن بهم فخر كل ذي فضل، والضاد هي التي في الفضل، وبين أن قومه وجوهٌ بهم عوذ الجاني: إنه يستعيذ بهم. وبهم غوث الطريد: أي بهم يستغيث المطرود.
إن أكن معجبًا فعجب عجيبٍ ... لم يجد فوق نفسه من مزيد
المعجب: المتكبر. والعجب: الاسم منه، والعجيب: الذي لا نظير له.
يقول: إن تكبرت بما لي من الشرف، فليس إلا لأني عجيبٌ، لا نظير لي في زماني، ولا لأحد مزيدًا علي. وقيل: المعجب الذي لم يجد فوقه أحد.
أنا ترب الندى ورب القوافي ... وسمام العدا وغيظ الحسود
يذكر فضائله، ومفاخره، فيقول: أنا قرين الندى والسخاء وقادر على الشعر، والقوافي، وسمٌّ قاتل لأعدائي وغيظ للحساد، لما لي من الرتبة العالية، والدرجة السامية، من الفضل والكمال.
أنا في أمةٍ تداركها الله ... غريبٌ كصالحٍ في ثمود
قوله: تداركها الله. كقولك: أصلحك الله. وقيل: تداركها الله بالعذاب، فالأولى دعاء لهم، والثانية دعاء عليهم.
يقول: أنا في أمة يصيبني منهم أذى، وطبعي مخالف لطبعهم، وهم لا يعلمون محلي، بل يعاودني فحالي بينهم، كحال صالح بين ثمود، وقد قيل: إنه لقب المتنبي بهذا البيت، حيث شبه نفسه بصالح.
وقال وقد مر في صباه برجلين قد قتلا جرذًا وأبرزاه يعجبان الناس من كبره فقال لهما:
لقد أصبح الجرذ المستغير ... أسير المنايا سريع العطب
الجرذ: فأر البيت الكبير. المستغير: طالب الغارة، أو طالب الغيرة وهي الميرة، وصريع وأسير: نصبا بخبر أصبح.
يقول: قد أصبح الجرذ الذي كان يغير في البيوت. أي ينقل الميرة حليف الهلاك، صريع الموت.
رماه الكناني والعامري ... وتلاه للوجه فعل العرب
تلاه: أي ألقياه على وجهه.
يقول: رماه الرجلان وتلاه على وجهه، كما تفعل العرب.
كلا الرجلين اتلى قتله ... فأيكما غل حر السلب
1 / 18