والثانية: الشجاعة وذلك قوله: ويحمل الموت في الهيجاء إن حملا يعني أن الموت ناصره ومعه.
ترابه في كلابٍ كحل أعينها ... وسيفه في جنابٍ يسبق العذلا
كلابٌ، وجناب: قبيلتان. وقيل: إن بينه وبينهما معاداة.
والمعنى على هذا: إن الممدوح يهجم بخيله على بني كلاب ويوقع بهم، فغبار خيله في عيونهم بمنزلة الكحل، وكذلك سيفه في جناب، يسبق عذل العاذل. يعني: إذا ظفر بعدوه قتله، ولا يبالي بلوم اللائم. وقد نظمه من مثل سائر وهو سبق السيف العذل وأول من قاله ضبة بن أد إذ ظفر بقاتل ابنه في الشهر الحرام فقتله! فلما ليم عليه قال هذا القول.
وقيل: إن بني كلاب كانوا أولياءه. فيكون المعنى: إنهم لحبهم له يتخذون تراب قدمه كحلًا لأعينهم، ويتبركون به.
لنوره في سماء المجد مخترقٌ ... لو صاعد الفكر فيه الدهر ما نزلا
مخترق: يجوز أن يكون مصدرًا، ويجوز أن يكون اسمًا لموضع الاختراق.
يقول: إن للمدوح فخر إلى السماء وذلك مثلٌ لعلو فخره، وإن له نورًا، منفذه في سماء فخره، بحيث لو صاعده الفكر وغالبه في الصعود في ذلك المنفذ، لم يكن له نزول أبدًا، من حيث أنه ليس له نهاية، حتى يبلغها، ثم ينزل عنها، وقد روى: محترق بالحاء المهملة، والأولى الأول.
هو الهمام الذي بادت تميم به ... قدمًا وساق إليها حينها الأجلا
وروى: هو الأمير، ولم يصرف تميم للتعريف، والتأنيث للقبيلة.
يقول: هو الأمير الذي هلكت به تميم منذ قديم الزمان، وساق به إليها هلاكها الأجل، أي لما عادوه أوقع بهم وأهلكهم.
لما رأته وخيل النصر مقبلةٌ ... والحرب غير عوانٍ أسلموا الحللا
الحرب العوان: التي تكررت بخلاف البكر. والحللا: جمع الحلة، وهم القوم الذين ينزلون في مكان واحد.
يقول: إن تميمًا لما رأت هذا الممدوح، وخيل النصر مقبلةٌ، أسلموا جماعتهم وبلدتهم، ثم بين أن ذلك في أول الحرب، قبل أن تتكرر، ليدل ذلك على فضل خوفهم منه وأنهم انهزموا في أول الأمر.
وضاقت الأرض حتى كأن هاربهم ... إذا رأى غير شيءٍ ظنه رجلا
يقول: ضاقت الأرض عليهم لما هربوا منه، حتى أن هاربهم من شدة خوفه كان إذا رأى غير شيء لا يبالي به من صغره، ظنه رجلًا من أصحابه! وهذا المعنى، اشتقه من قول الله تعالى: " يحسبون كل صيحةٍ عليهم هم العدو " وهذا كقول جرير:
ما زلت تحسب كل شيءٍ بعدهم ... خيلًا تكر عليهم ورجالا
فبعده وإلى ذا اليوم لو ركضت ... بالخيل في لهوات الطفل ما سعلا
يقول: فبعد ذلك اليوم الذي قاتلتهم وهزمتهم، إلى هذا اليوم؛ لو ركضت تميم بخيولهم في لهوات الطفل وحنكه لما أثرت فيه تأثيرًا يسعل الطفل منه؛ مع أنه يتأذى بأقل شيء، وذلك إشارة إلى قلتهم، وأنه لم يبق منهم بعد ذلك الحرب عناء، ولا قوم يمكنهم أن يضروا أدنى ضرر.
قال القارىء عليه قلت له: لم لا يسعل؟! قال: لحسن طاعته!
فقد تركت الألى لاقيتهم جزرًا ... وقد قتلت الألى لم تلقهم وجلا
الألى: بمعنى الذين. وجزرًا: أي مقطعين بالسيوف. وقوله: وجلا: مصدر واقع موقع الاسم. يعني: وجلين.
يقول: قد تركت الذين لقيتهم في الحرب قطعًا بالسيوف، وتركت الذين لم تلقهم وجلين خائفين منك.
كم مهمةٍ قذفٍ قلب الدليل به ... قلب المحب قضاني بعد ما مطلا
المهمة: الفلاة القذف: الواسع البعيد النواحي. والقضاء والمطل: نقيضان.
يقول: كم فلاةٍ بعيدة الأطراف، قلب الدليل فيها خافقٌ خوف الضلال، كخفقان قلب المحب؛ خوف الهجران؛ أدتني تلك الفلاة إلى أقصاها، بعد ما مطلتني مدة مديدة، وقضاؤها إياه: بلوغها به إلى أقصاها، ومطلها، مدة لبثه فيها.
عقدت بالنجم طرفي في مفاوزه ... وحر وجهي بحر الشمس إذ أفلا
الهاء في مفاوزه: للمهمه. وحر الوجه: الخد. والنجم، قيل: هو اسم للثريا خاصة؛ وقيل: اسم الجنس. وافل: فعل النجم.
يصف مواصلة سيره بالسرى ويقول: عقدت طرفي بالنجم ليلًا، وعقدت حر وجهي بحر الشمس، إذا غاب النجم؛ يمن بذلك عليه ليكون أعرف بحقه.
وروى عنه قال: عقدت بالنجم طرفي، خوف الضلال بالشمس لأني كنت مشرقًا.
أنكحت صم حصاها خف يعملة ... تغشمرت بي إليك السهل والجبلا
1 / 14