الشاعر الرقيق، رحل إلى مصر وتقرب من إبراهيم باشا وكان من أعوانه في الحملة السورية.
وهناك مئات من العلماء والكتاب الصحفيين وأرباب المطابع والمصانع من السوريين الذين رحلوا إلى مصر وكان لهم فيها أثر مشكور كآل زيدان، وآل متري، وآل اليازجي، وغيرهم ممن يضيق المقام بتعدادهم.
أما الصلات في الأيام الأخيرة فهي الصلات القديمة نفسها، فالأزهر لا يزال المحجة التي يحج إليها الشاميون لطلب الدين، والرحلات العلمية لا تزال قوية بين البلدين، ولكن الشيء الجديد الذي حدث في الأيام الأخيرة هو ظهور الجامعة المصرية، ورقي الطباعة المصرية، وانتشار الكتاب المصري في الديار الشامية انتشارا عجيبا. أما الجامعة فقد كان لها فضل عظيم في نشر الثقافة الأوروبية والعربية في الديار الشامية، وفي الجامعتين المصرية والإسكندرية اليوم أكثر من مائة شاب سوري، وفيهما أكثر من مائتي طالب لبناني وفلسطيني وأردني، وكل واحد من هؤلاء الطلاب سيعود إلى بلاده ناشرا العلم الذي تلقاه في الجامعتين شاكرا فضلهما. وأما الطباعة المصرية على اختلاف دورها وتعدد مذاهبها فإنها ذات فضل عظيم على القارئين في الشام من أقصاه إلى أقصاه، ولولا كتب مصر ومجلاتها ونشراتها لكان للأدب في الديار الشامية شأن آخر، على أن هناك شيئا يجب أن يلتفت إليه القائمون على الثقافة في مصر؛ وهو طبع كتب الأدب الرخيص المفسد للذوق والملكات الصحيحة، فقد طغت موجة هذه الكتب على بعض المطابع فأخذت تكثر منها، والناس يلتهمون كل شيء تقع عينهم عليه ويجيئهم من مصر.
وهذا وما ينبغي لنا أن ننسى ما للشعر والشعراء في الأيام الأخيرة من أثر في تقوية الصلات بين البلدين، فقد لعب الشعر دورا عظيما في تقوية هذه الروابط، وقد تكانف شعراء مصر والشام كما تكانف أدباؤهما تكانفا عجيبا، ولا عجب فإن الآلام التي مر بها كل من القطرين في أيامه الأخيرة قد وحدت بين القطرين، ولا غرو فالآلام كانت شديدة، ولم تكن تقع حادثة في الشام حتى كنت تجد صداها في نثر المصريين أو في شعرهم، كما أنك كنت لا تسمع بحادثة تجري في وادي النيل حتى تجد صداها في شعر الشاميين أو في نثرهم. ومن أكثر شعراء المصريين تأثرا بحوادث الشاميين حافظ إبراهيم، وأحمد شوقي.
أما حافظ فقد تفطرت نفسه على حوادث بيروت لما رشقها الطليان، وقال في ذلك قطعة تمثيلية رائعة تصور ثورته على الظالمين الذين خربوا المدينة الآمنة، وقد صور فيها جريحا يلفظ أنفاسه الأخيرة وهو يتحرق على بلاده لا خوفا من الموت بل لأنه لم يستطع القيام بحق وطنه، فيقول:
لم أقض حق بلادي
وها أنا قد قضيت •••
يا ليتني لم أعاجل
بالموت قبل الأوان
حتى أرى الشرق يسمو
صفحة غير معروفة