وكل نفائس القصر الملكي. ولأول مرة تربع مقدوني ملكا في قصر فرعون.
وتروي قصة - كتبت في مصر خلال القرن الثالث بعد الميلاد على الأرجح - أن الإسكندر قد احتفل بتتويجه في معبد «فتاح»
20 (15) بممفيس؛ فأقيمت له الشعائر التي كان يقيمها في مثل هذه المناسبات قدامى الفراعنة. ويعتقد مستر «مهفي»
21 (16) أن هذه الرواية جزء من تقليد قديم يتضمن حقيقة تاريخية لا شك فيها. ويحتمل أن تكون هذه الرواية صحيحة، ولكن ينبغي لنا أن نعي أن هذه القصة قد لفقت تلفيقا إرضاء لشعور المصريين القومي، وإظهارا للإسكندر بمظهر الوارث الصحيح لملوك مصر الأقدمين. فقد لفق كاتبها، أو هو حاول على الأقل أن يروج أسطورة أن الإسكندر هو في الحقيقة ابن «نقطانيبو»، الذي كان ساحرا، فانسلخ في صورة أفعوان؛ ليتمكن من مخالطة زوج الملك «فيلبس» (17) المقدوني.
22
ومن هنا يستدل على أن عبارته في تتويج الإسكندر بمدينة «ممفيس»، تلفيق رمى به إلى غرض، يشابه غرضه الأول (18).
عندنا بجانب هذا ما يثبت أن «الإسكندر» قد أبدى احتراما بينا لآلهة البلاد؛ وكان سلوكه على نقيض سلوك غزاة الفرس، الذي تحدوا الشعور القومي بذبح العجل «أبيس»
23 (19) المقدس. فإن الإسكندر عندما هبط «ممفيس» قرب للعجل المقدس قربانا، وضحى لغيره من الآلهة. ولا ننسى أن دين الفرس كدين العبرانيين، جعلهم ينظرون إلى عبدة الأوثان من الأمم الأخرى نظرة احتقار، بيد أن الإغريق، مهما كان اعتقادهم في تفوق ثقافتهم على ثقافة غيرهم من الأمم الهمجية، قد أخذوا بشعور عميق من الخشية والمهابة، إزاء تقاليد تبلغ من القدم مبلغ التقاليد المصرية، ولقد عودوا أن ينظروا إلى مصر نظرة أنها بلاد العجائب. وكانت أشعار «هوميروس»
24 (20) التي تلقح بها عقولهم منذ الطفولة، قد وصلت مصر بعصر البطولات البائد الموغل في القدم. فالإفراط في القدم والآثار المهيبة، بله عظمتها وضخامتها، والهياكل، ومظاهر العيش القديم واستمرارها، بله ما يحوطها من الغموض والإبهام والغرابة في كثير من مرائيها، ومنظر البلاد، وما توحي به الأرض التي يغذيها النيل المحجوب الأسرار من موحيات الفتنة، عامة ذا قد زود الفكرة في مصر بمجموعة فذة من الملابسات، ثبتت في عقلية الإغريق ... وها هم يجدون أنفسهم فوق تلك الأرض العجيبة أسيادا، يمرحون تحت أقبيتها،
25
صفحة غير معروفة