الإهداء
كلمة تصدير
مصر في قيصرية الإسكندر المقدوني
تعليقات على بعض مواد عرض ذكرها في الكتاب
الإهداء
كلمة تصدير
مصر في قيصرية الإسكندر المقدوني
تعليقات على بعض مواد عرض ذكرها في الكتاب
مصر في قيصرية الإسكندر المقدوني
مصر في قيصرية الإسكندر المقدوني
تأليف
إسماعيل مظهر
الإهداء
إلى الأستاذ الكبير
أحمد لطفي السيد باشا، مدير الجامعة المصرية
اعترافا بما له من الفضل على أهل هذا الجيل.
كلمة تصدير
هذه أول رسالة من مجموعة رسائل عزمت على نشرها في تاريخ مصر؛ تعريفا لأبناء النيل بشيء مما عانت بلادنا خلال العصور القديمة من أحداث الزمن، وتكاليف الحكم الذي تعاقبت عليها صوره بعد سقوط دولة الفراعنة، ودخول مصر في دور الاستعمار الأوروبي؛ وقد ظل مخيما على ضفاف النيل زهاء ألف سنة قبل الفتح العربي.
ولعل باحثا يتساءل عن السبب الذي حداني إلى اختيار هذا العصر، ليكون فاتحة رسائل أنشرها في تاريخ مصر؟ ولعل لمن يتساءل عذرا في تساؤله، إذا لم أبن عن السبب في اختياري هذا.
أما السبب فينحصر في أن دخول مصر في حوزة القيصرية المقدونية التي أسسها الإسكندر المقدوني الأكبر، كان فاتحة عصر جديد، يفصل بين عصر الفراعنة، وعصر الاستعمار الأوروبي، وهو عصر أخذت فيه البلاد شكلا جديدا غير الشكل الذي لابسها خلال عصر الفراعنة بطوله. هذا إلى أن كل غزو أجنبي، قبل غزو الإسكندر، لم يكن غزوا ذا آثار ثابتة، طبع البلاد بطابع خاص: «فقد استطاع المصريون، عقيب كل غزو دهمتهم به أمة أجنبية «كالهكسوس» وغيرهم أن يستردوا حريتهم المرة بعد المرة، وأن يقيموا على عرش بلادهم أسرا من الفراعنة، تحيي تقاليد الحكم والثقافة واللغة؛ تلك التقاليد التي نشأت وربت في مدى عصور لا تعيها الذكريات. ولكن هذه الغزوة، كانت آخر عهد ملوك الفراعنة، الذين تجري في عروقهم الدماء الوطنية بالحكم على ضفاف النيل، وإلى آخر الدهور؛ فمنذ فتح الإسكندر، خضعت مصر ألف سنة لحكام هلينيي الحضارة من مقدونيين ورومان، وفي نهايتها صارت مصر جزءا من جسم الإسلام، فبدلت تبديلا، وأصبحت لها لغة أخرى، ونظام اجتماعي لا عهد لها به، ودين جديد، ونبذ الآلهة الذين عبدوا في مصر على أنهم آلهتها الخواص الآلاف من السنين نبذا أبديا، ثم دفنوا في ثراها.»
1
ولا شك في أن تغييرا كبير الأثر كهذا التغيير، إذا انتاب أمة من الأمم، طبعها بطابع جديد، ووجه سياستها الاجتماعية والدولية وجهة جديدة، وأخرجها من حال التجانس التي ألفتها في عهودها الأولى، بحيث يجعل لتاريخها في عصرها الجديد، من الجدة، ما يصح أن يتخذ درسا تسترشد به الأجيال. وكان هذا سببا في أن أبدأ رسائلي التاريخية بهذا العهد، دون ما سبقه من العهود.
ولسوف أعقب على هذه الرسالة برسائل أخرى: الأولى في «بطلميوس الأول: سوطر»، والثانية في «بطلميوس الثاني: فيلادلفوس»، ثم برسالة في «نظام الحكم والإدارة في عصر البطالمة». ثم أتناول بعد ذلك «أواسط عصر البطالمة»، وأختم البحث برسالة في «نهاية عصر البطالمة»، وربما أفردت «كليوبطرا» بكتاب خاص، فإذا فرغت من ذلك بدأت بتاريخ مصر في عهد الرومان؛ وهو عصر لا أعرف أن كتابا عربيا قد عني به من قبل.
ولعلي بذلك أكون قد مهدت طريق الدرس، لمن يريد الوقوف على طرف من تاريخ مصر الخالدة.
إسماعيل مظهر
هوامش
مصر في قيصرية الإسكندر المقدوني
332-323ق.م
في خريف سنة 332 قبل الميلاد، غزا مصر جيش من المقدونيين والإغريق، عدته أربعون ألف مقاتل، وكان «الإسكندر» ملك مقدونيا الحدث، على رأس ذلك الجيش يقوده، كما قاد قبل سنتين من ذلك التاريخ - وكان قائدا عاما لقوى الدويلات الهلينية
1 - (1)، جيشا هاجم به القيصرية الفارسية العظيمة.
وقبل أن يصل مصر، هزم جيشا جمعه الولاة
2
الفارسيون على نهر «غرنيقس»
3 (2)، في آسيا الصغرى، وجيشا آخر في «إسوس»
4 (3)، على شاطئ سوريا، كان يقوده «دارا» (4)، العاهل الأعظم بنفسه. وإذ ذاك، تقلص ظل القوات الفارسية عن شواطئ البحر المتوسط الشرقية كلها، ما عدا مصر، وكان يحكمها «مزاكس»،
5
نائبا عن عاهل الفرس، أو بالأحرى نيابة عن «سباكس»
6
والي مصر، الذي تركها ليلحق بالملك «دارا»
7
في «إسوس». وأضحى من المحتوم أن يبسط «الإسكندر » سلطانه على مصر، وربما تطلع إلى امتلاك «قورينة»
8 (5) أيضا؛ ليمعن نحو الغرب، قبل أن يتوغل في فجاج الشرق وممالكه؛ ذلك بأن أعداءه كانوا لا يزالون أقوياء في البحر، وليس له أسطول حربي يستطيع به مناجزتهم. فلم يكن له من خطة رشيد، تؤمن قاعدته الحربية، إلا أن يملك كل الثغور الحافة من حول بحر الروم، فيذر الأساطيل المعادية هائمة ضالة، لا تجد ملجأ للترميم أو التمون. ومذ ذاك، بدأ جيش اليونان، وبالأحرى الإغريق كما كان يدعوهم المصريون (6) يجوس خلال أرض الفراعنة القديمة.
ولم يكن الجند الإغريقي من المرائي الجديدة على المصريين؛ ففي عهد «هيرودوتس»
9 (7)، أي قبل العهد الذي نتكلم فيه بقرن كامل، كان المصريون ينظرون إلى الأغارقة نظرة احتقار، على أنهم أجانب أنجاس، ولكن حدث في مدى تلك الفترة، أن دارت المواقع الوطنية مع الفرس، فناصر ملوك مصر الوطنيين، قوات حربية أرسلت بها الدويلات الإغريقية؛ وحارب المصريون والإغريق متحدين، عدوهم المشترك.
وقبل أن يهبط الإسكندر مصر بعشر سنين، كان الفرس قد طردوا آخر ملوك الفراعنة، واسمه عند اليونان «نقطانيبو»
10 (8)، ووطدوا حكمهم على ضفاف النيل، فلما وفد جيش «الإسكندر»، متوجا بانتصاراته العجيبة، خيل إلى المصريين أن الإغريق - كما عهدوهم - الأصدقاء الأقوياء المنقذون، وكانت الحرب مع الفرس تدور سجالا، والمصريون واليونان لا يزالون الأحلاف الطبيعيين، ولم يدر بخلد المصريين إذ ذاك أن اليونانيين قد هبطوا مصر هذه المرة غزاة لا أحلافا، في حين أنهم ما يمموا شطر مصر إلا ليخضعوها ويحكموها حكما أحزم من حكم الفرس، وأطول مدى.
ولقد استطاع المصريون، عقيب كل غزو دهمتهم به أمة أجنبية «كالهكسوس»
11
وغيرهم (9)، أن يستردوا حريتهم المرة بعد المرة، وأن يقيموا على عرش بلادهم أسرا من الفراعنة، تحيي تقاليد الحكم والثقافة واللغة؛ تلك التقاليد التي نشأت وربت في مدى عصور لا تعيها الذكريات. ولكن هذه الغزوة، كانت آخر عهد ملوك الفراعنة، الذين تجري في عروقهم الدماء الوطنية بالحكم على ضفاف النيل، وإلى آخر الدهور؛ فمنذ فتح الإسكندر، خضعت مصر ألف سنة لحكام هليني الحضارة
12 (10)، من مقدونيين ورومان ؛ وفي نهايتها صارت مصر جزءا من جسم الإسلام، فبدلت تبديلا، وأصبحت لها لغة أخرى، ونظام اجتماعي لا عهد لها به، ودين جديد، ونبذ الآلهة الذين عبدوا في مصر على أنهم آلهتها الخواص الآلاف من السنين نبذا أبديا، ثم دفنوا في ثراها.
ولم يشغل المصريون أنفسهم بتوقع شيء من هذا، فرحبوا بالإسكندر في سنة 332ق.م ترحيبهم بالمنقذ المحرر؛ لهذا سقط الحكم الفارسي في مصر من غير أن تدور موقعة واحدة. وكانت الحامية الفارسية من القوة بحيث استطاعت أن تقضي على جيش جمعه أفاق
13
إغريقي يدعى «أمنتاس»،
14
كان قد حارب في صفوف الجيش الفارسي في «إسوس»؛ وبعد أن انتهت تلك المواقع أغار على مصر بثمانية آلاف مقاتل. والغالب أن الوطنيين تألبوا عليه في النهاية، لكثرة ما أمعن نهبا وتخريبا. ولكن لم يفكر مصري واحد في منابذة جيش الإسكندر، حتى إن «مزاكس»، العامل الفارسي، قد أمر المدن المصرية مبتدئا بمدينة «فلوسيوم»
15 (11)، أن تفتح أبوابها للغازي الجديد، وبعد أن ترك الإسكندر حامية فيها، تقدم بجيشه على فرع النيل الشرقي، فبلغ «هليوبولس»
16 (12) أولا، ثم «ممفيس»
17 (13) ثانيا. ويقول «كيرتيوس»
18 (14): إن «مزاكس» سلم الإسكندر عندما هبط «ممفيس» ثمانمائة طالنطن،
19
وكل نفائس القصر الملكي. ولأول مرة تربع مقدوني ملكا في قصر فرعون.
وتروي قصة - كتبت في مصر خلال القرن الثالث بعد الميلاد على الأرجح - أن الإسكندر قد احتفل بتتويجه في معبد «فتاح»
20 (15) بممفيس؛ فأقيمت له الشعائر التي كان يقيمها في مثل هذه المناسبات قدامى الفراعنة. ويعتقد مستر «مهفي»
21 (16) أن هذه الرواية جزء من تقليد قديم يتضمن حقيقة تاريخية لا شك فيها. ويحتمل أن تكون هذه الرواية صحيحة، ولكن ينبغي لنا أن نعي أن هذه القصة قد لفقت تلفيقا إرضاء لشعور المصريين القومي، وإظهارا للإسكندر بمظهر الوارث الصحيح لملوك مصر الأقدمين. فقد لفق كاتبها، أو هو حاول على الأقل أن يروج أسطورة أن الإسكندر هو في الحقيقة ابن «نقطانيبو»، الذي كان ساحرا، فانسلخ في صورة أفعوان؛ ليتمكن من مخالطة زوج الملك «فيلبس» (17) المقدوني.
22
ومن هنا يستدل على أن عبارته في تتويج الإسكندر بمدينة «ممفيس»، تلفيق رمى به إلى غرض، يشابه غرضه الأول (18).
عندنا بجانب هذا ما يثبت أن «الإسكندر» قد أبدى احتراما بينا لآلهة البلاد؛ وكان سلوكه على نقيض سلوك غزاة الفرس، الذي تحدوا الشعور القومي بذبح العجل «أبيس»
23 (19) المقدس. فإن الإسكندر عندما هبط «ممفيس» قرب للعجل المقدس قربانا، وضحى لغيره من الآلهة. ولا ننسى أن دين الفرس كدين العبرانيين، جعلهم ينظرون إلى عبدة الأوثان من الأمم الأخرى نظرة احتقار، بيد أن الإغريق، مهما كان اعتقادهم في تفوق ثقافتهم على ثقافة غيرهم من الأمم الهمجية، قد أخذوا بشعور عميق من الخشية والمهابة، إزاء تقاليد تبلغ من القدم مبلغ التقاليد المصرية، ولقد عودوا أن ينظروا إلى مصر نظرة أنها بلاد العجائب. وكانت أشعار «هوميروس»
24 (20) التي تلقح بها عقولهم منذ الطفولة، قد وصلت مصر بعصر البطولات البائد الموغل في القدم. فالإفراط في القدم والآثار المهيبة، بله عظمتها وضخامتها، والهياكل، ومظاهر العيش القديم واستمرارها، بله ما يحوطها من الغموض والإبهام والغرابة في كثير من مرائيها، ومنظر البلاد، وما توحي به الأرض التي يغذيها النيل المحجوب الأسرار من موحيات الفتنة، عامة ذا قد زود الفكرة في مصر بمجموعة فذة من الملابسات، ثبتت في عقلية الإغريق ... وها هم يجدون أنفسهم فوق تلك الأرض العجيبة أسيادا، يمرحون تحت أقبيتها،
25
وفي ظلال نخيلها؛ وكان آباؤهم يظنون أنها أرض طروح، جمة الغرائب، كثيرة الأعاجيب.
غير أن «الإسكندر» - بالرغم من توسله بالقرابين لآلهة مصر - لم ينس أنه حامي حمى الثقافة الهلينية؛ فأقام في «ممفيس» ملعبا رياضيا، وأحيا حفلا موسيقيا على النمط الإغريقي، شهد مبارياته بعض من أشهر مشاهير الأغارقة، من الموسيقاريين والممثلين. ولكن لنا أن نتساءل: كيف اتفق أن يجد «الإسكندر» أولئك المفتنين في ذات الوقت الذي طلبهم فيه، وفي المكان الذي أعتده لإقامة الزينة، على بضعة أميال في مصر العليا؟
يقول «نييس»
26
إنهم لا بد من أن يكونوا قد ندبوا سلفا وفي زمن سابق، ويتخذ من وجودهم برهانا على أن «الإسكندر» كان قد اتفق «ومزاكس »
27 - الوالي الفارسي - على أنا يسلم زمام مصر إليه، من قبل أن يبدأ غزوته. أما «مهفي»،
28
فيظن أن وجودهم لم يكن إلا مصادفة؛ ويرجح أنهم ربما كانوا قد وفدوا - «ليحيوا فصلا تمثيليا في نقراطيس»
29 - (21) عند أصدقاء لهم من الأغارقة، فكانوا على أهبة تامة لما دعاهم «الإسكندر» إليه. على أن لنا أن نذهب مع التصور في تعليل هذا الأمر كل مذهب، من غير أن نطمع في أن نصل إلى معرفة حقيقته.
أما أبقى أعمال الإسكندر في مصر، وأعظمها شأنا، فتأسيس مدينة «الإسكندرية»؛ ففي صيف سنة 332ق.م فتح الإسكندر مدينة صور
30 (22)، وهي أعظم الثغور التجارية في شرقي البحر المتوسط، وخربها. وقد يحتمل أن يكون «الإسكندر» قد رمى من وراء تخريبها إلى تأسيس ثغر جديد في مصر يكون بمثابة «صور المقدونية»، (23) فيحل في عالم التجارة محل تلك، أو يشرفها منزلة وقيمة.
31
فاختار منزلا يبعد أربعين ميلا عن «نقراطيس»، المستعمرة المصرية الإغريقية، ويتصل وداخلية البلاد بفرع «كنوبس» النيلي
32 (24). أما اختيار الموقع الذي شيدت عليه المدينة، فقط بعث المؤرخين أن يتساءلوا: لم اختيرت القرية المصرية الحقيرة «رقوطيس»
33
لتعمر وتصبح إحدى عواصم الدنيا؟
كان مصب «كنوبس» النيلي، قد اتخذ مرفأ لتفريغ المتاجر القليلة التي كانت ترد مصر عن طريق بحر الروم، الخاضع لأمم أجنبية. ومن بين المصبات النيلية الأخرى، كان المصب «الفلوسي»
34 (25) دون غيره صالحا للملاحة، ولكن لسفن لا تزيد عن سفن الصيد المعروفة حجما، ولا يعزب عنا أن مصب «كنوبس» كان يعتوره حاجز شديد الخطورة على الملاحة؛ فإذا أمكن للسفن التجارية أن تدخل مصب النيل لترسو، أمكن كذلك لسفن الأسطول الحربي المقدوني، أن تجد مرفأ أمينا ترسو فيه قطعه الكبيرة، وقد أصبح من واجبات ذلك الأسطول منذ غزو «الإسكندر» أن يحرس بحر الروم، غير أن دخول السفن مصاب النيل وخروجها منها، والحالات التي كانت تقوم في البر، وكلها غير مواتية، لا من ناحية الصحة، ولا من ناحية الأمن، قد أدت إلى الإحجام عن اتخاذها قواعد بحرية، ولكن عند «رقوطيس»، وعلى بضعة أميال غربا، وقع «الإسكندر » على مرتفع جاف من الحجر الكلسي، يعلو مستوى الدلتا، ويسهل تزويده بمياه صالحة للشرب وافية بحاجات الملاحة، تأتي بها من داخل البلاد قناة يغذيها «النيل». وألفى أن ذلك المرتفع لا يتأثر بالطمي الذي يأتي به فرع «كنوبس»، ويوجهه رأس «أبو قير» إلى البحر، ناهيك بأن هنالك جزيرة إذا وصلها بالبر حاجز خارجي أصبحت بمثابة مرافئ متصلة، تصد الرياح البحرية عن الميناء، مهما اشتد عصفها، وفي أي فصل عصفت. وكان هذا المنزل الموقع الأوحد، الذي يمكن أن يشاد من فوقه ميناء صحي سهل الاتصال بالبحر، تركن إليه الأساطيل المقدونية، وعلى الأخص قطعها الحربية، وكان تفريغ حمولتها، وغاطسها المائي، قد أخذا يزيدان معا في ذلك الوقت.
35
وذكر «إسترابون»
36 (26) أن ذلك المرتفع كان يشغله، عندما وقع عليه «الإسكندر»، قرية من قرى الصيد. قال:
لما كان ملوك مصر الأولون قد قنعوا بما تغل لهم الأرض، فلم يطمعوا يوما في الواردات الخارجية؛ وحملتهم هذه القناعة على أن ينظروا إلى الأجانب نظرة العداء، وعلى الأخص إلى الإغريق؛ إذ كانوا يعتقدون أنهم طلاب سلب، وبهم طمع في استعمار البلاد الأخرى لضآلة ما بين أيديهم، وقلة ما عندهم من خيرات، أقاموا في تلك البقعة نقطة عسكرية، تصد غارات المعتدين، وأسكنوا الجند مكانا يدعى «رقوطيس» (راقودة) هو الآن من الإسكندرية، ذلك الجزء الذي يشرف على أرصفة الميناء؛ ولم يكن إذ ذاك إلا قرية صغيرة. وعهدوا بالبقاع المحيطة بذلك المكان إلى رعاة، كانوا بدورهم ذوي قدرة على صد هجمات الأجانب.
وكان هؤلاء الرعاة بطنا من البطون، عرفوا بقوة الشكيمة والوحشية؛ بل كانوا قطاع طرق، وسفاحي دماء، إذا جارينا «إليوذورس»
37 (27).
تجاه الموقع الذي اختاره «الإسكندر»، وعلى ميل من الشاطئ، كانت الجزيرة التي دعاها الإغريق جزيرة «فاروس»
38 (28)، وطولها ثلاثة أميال، وكانت في زمن غابر سلسلة من الجزائر بعضها منفصل عن بعض، وذكرها «هوميروس»
39
فقال: إنها مكان تألفه الحيتان، وتستلقي على شطآنه، وأن فيها مرفأ حسنا، بل قيل إنه في الوقت الذي جاء فيه «الإسكندر» ليفحص عن الشاطئ، كانت «فاروس» مأوى لصيادين من الأهالي، وأن «الإسكندر » وأخلافه من البطالمة أول من جدد في ذلك المنزل ميناء عالميا للتجارة.
ولكن حدث منذ عهد قريب أن زود مسيو «جاستون جونديه»
40 - كبير مهندسي المواني والفنارات في مصر - مباحث التاريخ بمبحث جديد، أشكل على المؤرخين أمره؛ فقد استكشف تحت سطح الماء، وفي مواقع قد تبعد بعض الأحيان ربع ميل عن المكان الذي عرف أن جزيرة «فاروس» كانت تشغله، بقايا عظيمة هائلة الضخامة من أبنية مرفئية، وحواجز لصد الأمواج، وأرصفة مما يبنى في المواني البحرية. ولا يزال أمرها رهن البحث: أهي جزء من إسكندرية الإغريق، أم هي من أعمال عصر من العصور الغابرة، خربت وتساقطت بقاياها من قبل أن يهبط الإسكندر تلك البقعة بأزمان طويلة؟
ينزع مسيو «جونديه» إلى الظن بأن الميناء المغمور بناها «رمسيس الأكبر»
41 (29)؛ ليتخذها قاعدة يدفع بها غزوات الدول البحرية - «فإن كتل المواد التي استعملت في البناء ضخمة هائلة، شأن الكتل التي استخدمت في كل الأبنية الفرعونية. ولا ريب في أن نقلها إلى ذلك المكان، وبناءها حيث هي، كان عملا أشق من ترصيص تلك الأحجار الضخام، التي يتألف منها الهرم الأكبر.»
42
وعقب عليه باحث فرنسي آخر، هو مسيو «ريمون ويل»،
43
فقال إن هذه الأبنية، بقايا أعقبتها دولة إقريطش البحرية.
44 (30) التي نشأت في الألف الثانية قبل الميلاد، وامتلكت في زمن ما، على قدر ما يحدس، تلك البقعة من الشاطئ المصري.
45
ولكن الظاهر من الأمر أننا نكون أقرب إلى الرشد إذا تمهلنا في الحكم حتى تمتحن تلك الآثار، وتبحث بحثا أوفى. وعلى أية حال، فإن هبوط تلك الأبنية تحت سطح البحر، إنما يرجع إلى انخفاض الأرض في تلك البقعة فجاءة، إما باضطراب زلزالي، وإما بانخفاض عادي حدث في وقت ما، فتناول مستوى الأرض (31).
ولقد حدث منذ العصر الإغريقي الروماني انخفاض في أرض الإسكندرية، بلغ سبعة أقدام ونصف في المتوسط، فيغلب أن تكون بقايا المدينة التي شيدها «الإسكندر» والبطالمة من بعده، مغمورة الآن تحت سطح الماء؛
46
مما جعل مهمة التنقيب الأثري عن تخطيط الإسكندرية القديمة أكثر صعوبة.
من المعروف أن «الإسكندر » قد أنشأ مدينته على نمط الزوايا القائمة المستقيمة، الذي كان طابع ذلك العصر في تخطيط المدن الحديثة، وهو نمط ابتكره «هفوذامس»
47
المليطي (32) قبل ذلك العصر بقرن كامل. ويستدل من القصة
48
أن الإسكندر استخدم مهندسا من أهل جزيرة «رودس» يدعى ذينقراطس»
49 (33)، فكانت المدينة كلها خططها مستطيلا يمتد على طول البقعة الواقعة بين بحيرة «مريوطس»
50 (مريوط) (34) والبحر، وكان المهرجان بوضع أساس المدينة يقام فيما بعد في يوم 25 من شهر «طوبى»
51 (35)، ولذا يحتمل أن يكون قد أقيم في يوم 21 من يناير سنة 331ق.م.
وتروي أسطورة أن المهندسين خططوا المدينة ليشرف عليها «الإسكندر» بدقيق أخذ من مخصصات الجند، وأنهم تفاءلوا بما سوف يكون للمدينة من عظمة في المستقل، مستبشرين بما حدث عند شروعهم في وضع الدقيق من فوق الأرض. ولهذه الأسطورة روايتان، تخالف إحداهما الأخرى، بل تناقضها
52 (36).
لا بد من أن يكون أول من سكن الإسكندرية، خليط من المقدونيين والأغارقة، ولا علم لنا بالطريقة التي اتبعها «الإسكندر» في جلب الأسر التي كونت النواة الأولى من سكان المدينة. وبعد فترة من الزمان، كان الوطنيون يؤلفون العديد الأكبر من مجموع السكان، ولكنهم لم يتمتعوا بالحقوق المدنية، التي كانت من حق غيرهم. وفي رواية سوف نعود إليها بعد، أن عددا كبيرا من المصريين الذين كانوا يسكنون «كنوبس»، قد أرغموا على الهجرة إلى المدينة الجديدة. وبالرغم من أن عدد العنصر اليهودي في المدينة أصبح كبيرا بعد قليل من الأجيال، فإن من المشكوك فيه أن تكون العبارات التي أوردها المؤرخ «يوسيفوس»
53 (37) عن «الإسكندر»، وتشجيعه اليهود خاصة على سكنى المدينة، بمنحهم حقوقها المدنية، صحيحة؛ فليس ثمة من سبب يحمل «الإسكندر» على العناية بأمر اليهود؛ فإنهم لم يكونوا قد أصبحوا - في ذلك الوقت - ذلك الشعب المتفوق في التجارة والمالية. فإن «يوسيفوس» قد قال عن أمته في القرن الأول بعد الميلاد: «لسنا أمة تجارية.» •••
أما الحادثة الثانية التي تلي تأسيس «الإسكندرية» مكانة وخطرا، والتي وقعت للإسكندر خلال إقامته الشتوية بمصر، فزيارته لمعبد «أمون»،
54
كما يدعو الأغارقة الإله «آمن »
55 (38) في الواحة التي تدعى الآن واحة «سيوة».
56
وأول ما يصادفنا من المشكلات التي تحوم حول هذه الزيارة البحث في السبب الذي جعل «الإسكندر» يختار السفر مجتازا الصحراء إلى - «المعبد المنفرد الذي يظلله نخيل سيوة» - على مسيرة خمسة عشر يوما على الأقل، أو عشرين يوما على الأكثر من وادي النيل، في حين أن في الوادي عددا من معابد «آمن» المعروفة بضخامتها وقدمها (39).
من الأسباب التي يعلل بها ذلك أن «هاتف»
57 «آمن» كان له في تلك الواحة - منذ أزمان - منزلة كبيرة، واحترام خاص في العالم الإغريقي. ولقد استهداه «إكروسس»
58 (40) كما استهدى غيره من الهواتف الإغريقية العليا في القرن السادس قبل الميلاد، وألف الشاعر «فنداروس»
59 (41) نشيدا لأمون. ويروى عن كثير من الإغريق، منهم: «إلياويون»
60 (42)، و«إسبرطيون»
61 (43)، «وأثينيون»
62 (44) أنهم أرسلوا سفراءهم إلى المعبد الأقدس؛ ليستهدوا الهاتف في أيام قبل عصر «الإسكندر». وتكلم «أوريفيذس»
63 (45) عن منزل «أمون» «الذي لا يأخذه المطر»، كما لو كان منزلا معروفا عند الإغريق، مشهورا بينهم بأنه المكان الذي يؤمه كل الذين يشعرون بالحاجة إلى النصح القدسي، والهداية العلوية.
تروي الأساطير الإغريقية أن «فرساوس»
64 (46) و«هيرقليس»
65 (47)، ذهبا ليستنصحا أمون قبل أن يقدما على مخاطراتهما. ويقول: «قلثنيس»
66 (48) الذي أصبح بعد تلك الفترة من خواص الإسكندر وملازميه، إن ذكرى هذين البطلين، كانت إحدى الأسباب القوية التي حملت «الإسكندر» على أن يقدم على هذه الرحلة.
67
وإنه لامتهان لتقدير رجل عملي في العصر الحديث أن ينسب إليه التأثر بمثل هذا السبب، ولكن ذلك كان موائما جد المواءمة لمزاح «الإسكندر». ولا شك في أننا إزاء مشكل تاريخي، غير أنه لا يرجع إلى السبب الذي حمل «الإسكندر» على أن يستهدى الإله الكبشي الرأس وبالذات، ولكن في السبب الذي من أجله أصبح هذا المعبد الأقدس - على بعده عن العالم المعمور، وصعوبة الوصول إليه - قبلة يحجها الأغارقة؟
وغير خفي أن ما كان «لأمون» من جلالة في العالم الإغريقي، إنما يرجع إلى نشوء مستعمرة «قورينة»
68
الإغريقية على الشاطئ الإفريقي، فبالرغم من اتصال «قورينة» اتصالا تجاريا دائما بغيرها من الدويلات الإغريقية ، القائمة على شطآن البحر المتوسط، كانت تسير من «قورينة» سفن تحاذي الشاطئ الإفريقي، فتصل بسهولة ثغر «فرطنيوم»
69 (49) على ثلاثمائة وأربعين وخمسة أميال شرقا. ومنه يسهل على القوافل الصحروية أن تبدأ رحلاتها من الشاطئ، موغلة في الصحراء إلى سيوة، فتصلها في سبعة أيام على ظهر الإبل.
ويظهر من هذا أن القورينيين» كانوا حلقة الوصل بين معبد أمون الأقدس، والعالم الإغريقي، وكان الطريق الذي يبدأ من ثغر «فرطنيوم» هو الطريق الذي يسلكه الأغارقة إذا أرادوا الوصول إلى المعبد. ومما ينبغي أن نفطن إليه، أن «هيرودوتس» استقى معلوماته عن سيوة من «القورينيين» هنالك.
70
وهذا يبين عن مسألة تاريخية أخرى، إذا تساءلنا: لماذا أم الإسكندر «فرطنيوم» لما أراد الذهاب إلى سيوة، ولم يخترق الصحراء مجتازا وادي النطرون، وهو الطريق الأقرب لمن يخرج من مصر إلى سيوة رأسا، كما يقول «مهفي»؟
71
ينزع «هوجرث»
72
إلى القول بأن الإسكندر إنما هبط «فرطنيوم» زاحفا من مصر ليمتلك «قورينة»؛ فلما وفد إليه رسل تلك المدينة، ومعهم بضع مئات من فحول الخيل الكريمة هدية وعنوانا على خضوع مدينتهم وولائها له، عدل عن الزحف إليها، وضرب بحملته في مجاهل الصحراء، ليزور معبد «أمون».
غير أن الحملة الحربية على «قورينة» لم ينوه بها مؤرخ من ثقات الأقدمين، والرسل الذين وفدوا إلى «الإسكندر» من أهل «قورينة» لم يذكرهم «أريان»،
73
وربما كان ذكرهم راجعا إلى ما كتب «إقليطرخوس»،
74
الذي استمد منه كل من «ديوذورس»
75 (50)، و«كيرتيوس»
76
أكثر ما كتبا؛ وهو مصدر غير موثوق به. ولقد وثق «مهفي» بعباراته، حتى إنه اعتقد أن رسل «قورينة» قابلوا «الإسكندر» بالفعل، وأنهم مثلوا بين يديه، غير أنه يحدس أن هديتهم لم تكن خيلا، وإنما كانت بضعة رجال من العارفين بمسالك الطرق إلى سيوة (51).
وتروي كل الكتب القديمة أن زحف «الإسكندر» إلى سيوة عن طريق الصحراء، قد صحبته عدة حوادث إعجازية؛ فقد هطلت على غير انتظار أمطار غزيرة، أنقذت زحف «الإسكندر» من آلام العطش الشديد، وتقدم الركب غرابان كانا يطيران هنيهة ثم يحطان؛ ليبينا عن الطريق الذي تحجبه الرمال السافية، وكان يتقدمه أفعوانان مرسلان صوتا خاصا. ولا شك في أن هذه الروايات إنما رواها رجال رافقوا الإسكندر إلى الشرق (52).
أما أكثر هذه الروايات بعثا على الحيرة، فرواية الأفعوانين، وقد رواها «بطلميوس» بن لاجوس
77 (53)، وهو إن لم يكن قد رافق حملة «الإسكندر» بالفعل - وليس لدينا ما يثبت أو ينفي أنه رافقهما - فلا بد من أن يكون قد صاحب الذين رافقوها سنين عديدة. على أن تعليل هذه الروايات تعليلا معقولا سهل هين؛ فنزول المطر لا يزال إلى الآن من الظاهرات النادرة في تلك الأنحاء، وليس من المستحيل أن يصادف المسافر غربانا وأفاعي في عرض الصحراء، وإن ركبا حافلا يسير في وحشة البيداء لا بد من أن يثير الحيوانات التي تكون هنالك، ومن الطبيعي أن تفر إلى الجهة التي يتقدم نحوها الزحف.
78
وقد نحصل على صورة، ربما كانت قريبة أو بعيدة بعض الشيء عن حقيقة الحالة التي كانت عليها واحة «هاتف أمون» في ذلك العصر، إذا وعينا ما انحدر إلينا من روايات القدماء، وأكثرها استفاضة رواية «ديوذورس»،
79
وقسناها على الحقائق التي نعرفها عن سيوة في عصرنا هذا.
80
فإن هنالك قريتين: الأولى «قرية سيوة»، والثانية «قرية أغورمي»، وتبعد إحداهما عن الأخرى ميلين؛ وتقوم كل منهما على صخرة، مشرفتين على ما يحيط بهما من غياض النخيل، ومزارع الزيتون. وفي «أغورمي»
81
بقايا هيكل أمون، وعند إبط الصخرة التي تستوي من فوقها القرية، بقايا معبد آخر أصغر من الأول، يدعوه الأهلون اليوم «أم عبيدا»،
82
ويقال إن هذه البقايا إنما تدل على أن المعبدين قد جدد بناؤهما في خلال الحكم الفارسي.
أما معبد «آمن»، فإن المشاهد يستبين فيه حتى اليوم، وعلى مقربة من «نبع الشمس»
83
آثار جدار لبناته حجارة مربوعة، تسيج حظيرة طولها خمسة وعشرون يردا،
84
وعرضها ثمان وأربعون. أما الهيكل نفسه، فيحتوي على عدد من الأفنية والقاعات، بعضها يقوم على عمد، وبعضها لا عمد له، والكل في خراب شامل. وفي نهاية المربع الرئيسي يقع المحراب الأقدس، أما الحجرتان اللتان كانتا تسلمان إليه فقد بادت معالمهما، حتى ليصعب أن تعين مواقع الأبواب التي كانت تؤدى إليهما. أما المحراب والجزء الأمامي منه، فقد بقي منهما حتى الآن أجزاء كبيرة.
وكان المحراب حجرة يبلغ طولها ثلاثين قدما، وعرضها يتراوح بين عشرة أقدام وثلاثة عشر قدما، تحيط بها من الداخل كتل من الصخر هائلة الضخامة، ولا يزال عدد منها باقيا في مكانه، وقد نقش عليها ثلاثة سطور من الكتابات والصور على ما يظهر ... وهنالك كان يعيش آمن، مجللا بالظلام، وزورقه المقدس مستو على مذبح، أو بالأحرى على مكعب من الصخر أو الخشب، قائم في وسط المحراب.
ووصف قدامى المؤرخين الزورق فقالوا: «إنه من الذهب»؛ والمقصود بهذا أنه كان من الخشب، الموشى بصفائح من الذهب. ولا شك في أن طوله كان أقل من طول المحراب، بمقدار سبعة أو ثمانية أقدام. وقد يتخيل الإنسان صورة منه إذا نظر في النقوش البارزة التي في الأقصر والكرنك، والتي تظهر فيها زوارق «آمن» الطيبي نحيلة عالية، وقد ازدانت مقاديمها ومآخيرها برأس الكبش، وملاحوها من الآلهة، وبضاعتها من القرابين، ونواويسها نصف مغطاة ببراقع بيضاء، والوثن محوي في داخل جدرانها الرقيقة.
وعن «قلثنيس» أن الوثن كان كتلة من الزمرد والأحجار الكريمة. ولنا أن نتصوره على مثال وثن من تلكم الأوثان المرصعة، التي كانت في «دندرة»
85
مثلا، وذكر أن ظاهرها يتألف من مواد مختلفة، ترصع من فوق هيكل مصنوع من الخشب أو البرنز. ولم يكن الزمرد الذي ذكره المؤرخون عين الزمرد الذي نعرفه، بل كان من الأحجار التي أطلق عليها المصريين اسم «مفقاط»،
86
وعلى الأخص الفلسبار
87
الأخضر، أو حجر الزمرد،
88
وكان استعماله شائعا في خلال «العصر الصاوي»
89 (54).
وكان الوثن كغيره من أوثان التنبؤ، مجبولا بحيث يحدث عددا من الإشارات، فيحرك رأسه، أو ينوح بذراعيه، أو يشير بيديه. وكان يعهد إلى كاهن أن يشد الحبل الذي يحرك الوثن، ثم ينطق بالنبوءة، وكان الكل يعرفونه معرفة تامة، ولكن لم يدر في خلد أحد أن يتهمه بالغش، أو يرميه بالخداع؛ ذلك بأنه الأداة التي يستخدمها الآله، وبالأحرى آلة مسيرة، وكان الروح يلبسه في برهة خاصة ، فيحرك الوثن، كما يحرك شفتي الكاهن بما يريد أن يقول، فالكاهن يعير يديه وصوته، ولكن الإله هو الذي يقدر أعماله، ويوحي إليه بما يتفوه به من كلمات.
90
أما حضور الإسكندر إلى الهيكل (وما حدث فيه)، فيصفه «قلثنيس» بما يأتي: «لم يؤذن لغير الملك بالدخول إلى المعبد في ثيابه العادية؛ أما بطانته فأمروا بتبديل ثيابهم، ووقف الجميع في الخارج يستمعون الوحي، ما عدا «الإسكندر» فإنه دخل المحراب، ولم تكن النبوءات تعلن بالكلام، كما هي الحال في «دلفي»
91 (55) «وبرنخيدا»
92 (56)، ولكن بالرموز والإشارات غالبا؛ لأن المنبئ انتحل في هذا عادة «زيوس»،
93
أي «آمن». أما الذي قيل للملك فهو أنه «ابن زيوس».
94
هذه القصة التي نقلت إلينا عن «إقليطرخوس»،
95
تنتهي بكثير من الإطناب والتنميق، فيسأل «الإسكندر» عما إذا كان الآله أبوه، سوف يهبه حكم الأرض جميعا؟ فيرد الجواب بأن الآله سيحقق له هذا. فيسأل ثانية عما إذا كان الذين اشتركوا في قتل أبيه «فيلبس»
96
قد عوقبوا؟ فيصيح المنبئ بأن هذا السؤال كفر؛ لأن الآله أباه لا يمكن أن يؤذى، على أن التوسع الذي نشهده في هذه الرواية، قد يكون جزءا من الأجزاء التي نمت بها أسطورة الإسكندر (57)، تلك الأسطورة التي بدأت تنتشر وتذيع، حتى قبل موته.
ولقد يصح من جهة أخرى أن «الإسكندر» عندما قفل راجعا، وتلقى من آمون استيضاحا بأن يدلي بالسبب الذي حمله على أن يضحي لفئة خاصة من آلهة الهند
97 (58)، أن مثل هذه الأوامر إنما صدرت عن الهاتف حقيقة، ومن المشكل علينا البت في أمر هذه الاستيضاحات: أصدرت إلى «الإسكندر» حين زيارته التاريخية للمحراب الأقدس، أم تلقاها فيما بعد على يد رسل أوفدت إليه؟ فإننا نعلم فيما يتصل برفع «هفسطيون»
98
إلى مرتبة الأرباب (59)، أن الإسكندر استمر يستهدي الهاتف، في أثناء سنين تالية، بوساطة سفراء يوفدهم إليه.
وليس من سبب يجلعنا نشك في أن «الإسكندر» قد استقبله كاهن «أمون» استقبال من يعتقد أنه ابن الآله الأعظم، ولقد عرف الآن أن هذا كان قاعدة مرعية مع كل ملك يتبوأ عرش مصر؛ فإن كل الفراعنة منذ بداية الألف الثانية قبل الميلاد، كانوا بحكم الرسميات من أبناء «آمن-رع».
99
واتباعا للقواعد المرعية، كان «آمن» يهب أبناءه، «رقاب كل الأحياء»، «وكل الممالك، وكل الشعوب»، «وكل الأرضين التي تغشاها دورة الشمس».
ولا يبعد أن يكون المؤرخ «تارن» على حق؛ إذ يقضي بأن الإسكندر لم يقم بكل الشعائر؛ إذا قصد بها العبادات الخاصة، التي كان من المحتوم على الملوك الوطنيين القيام بها، ولكن من الجلي أنه كان من المتعذر أن يستوحى الهاتف، من غير أن تؤدى بعض الشعائر، وبخاصة تلك التي كانت تتضمن عبارات تخص الملك القائم على عرش مصر، بالنبوة الآلهية وملكوت الأرض؛ جريا على العادة التي كان يتبعها كهنة آمن، عندما يستقبلون الفرعون، إذا وفد إليهم.
وليس بذي بال أن ينعت كهنة مصر «الإسكندر» بأنه ابن «آمن»، ولكن الأمر الذي يلفت النظر أن يستمسك الأغارقة - وعلى الأرجح أن يكون «الإسكندر» قد استمسك معهم - بهذا القول، وأن يصروا على الأخذ بما فيه من ظاهر الجد أمام العالم.
ويقول «هوجرث»
100 (60) إن «الإسكندر» مضى ينتحل أنه ابن «آمن» حتى في البلاد التي لم يكن «لآمن» فيها من شأن، وليس واضحا أن شعائر الديانات التي شاعت في أواسط آسيا كانت تتضمن عبارات أو تقاليد، لها صور محدودة بينة، كالتقاليد التي تتضمنها العبادات المصرية، من حيث إثبات بنوة الملوك الفانين للآله الأبدي الأعظم.
101
ولكن الثابت تحقيقا، وبالرغم من أن أتباع «الإسكندر» قد أمعنوا في نسبة القدسية إليه تشريفا له وتبجيلا وهو على رأس زحفه، وبالرغم من أن نقاده من الإغريق وغيرهم قد أمعنوا في التنديد بهذه القدسية، والاستهزاء بها، أن وجه تقديسه قد ظل قائما على بنوته لأمون.
على أن تأليه «الإسكندر» بعد موته، ذلك التأليه الذي روج له أتباعه؛ خدمة لأغراضهم ومراميهم، قد اعتبر في آسيا الصغرى وسوريا وبابل - ومنذ أول القول به إلى نهاية الاعتقاد فيه - تأليها في الهيكل المصري، لا في الهيكل الآسيوي؛ فقد كان من حظ الأغارقة، وبخاصة من حظ الأمراء المحبين لأهل الروم،
102
أن يظهر الإسكندر على المسكوكات وله خصائص بطل كهيرقل مثلا. أما إذا أريد أن يكون آلها كاملا، فإن قرني «آمون» الكبشيين، لا بد من أن تبرزا من خلال شعره الجميل. ومن هنا ذكر الإسكندر باسم «ذي القرنين» (61)، في القصص الشعبية التي ذاعت قبل الإسلام، ثم ذكر في القرآن، وذاع في المدونات التاريخية التي انتشرت في نصف ممالك آسيا، وكثير من بقاع أفريقيا.
هذه الحقائق تحملني على الظن أكثر مما يحملني كثير من الشواهد الأخرى، بأن «الإسكندر» مضى مصرا على بنوته «لأمون»، حتى بعد أن غادر مصر، وأنه اتخذ هذه البنوة شعيرة دينية، لازمته أينما حل وكان، ولكن أثرها كان يزيد قيمة أو يقل بحسب الأحوال. •••
وعاد الإسكندر ورفقته إلى مصر مخترقا وادي النطرون إلى «ممفيس» على ما يروي «بطلميوس»، غير أن «أرسطوبولس»
103 (62) يقول إنه عاد عن طريق «فرطنيوم» متبعا نفس الطريق الذي أتى منه. غير أن «بطلميوس» في هذا أوثق رواية. وشغل «الإسكندر» في «ممفيس» باستقبال السفراء الذين وفدوا إليه من «الدويلات» الإغريقية، وتلقى المدد الحربي من «مقدونيا».
هنالك رأى أبناء البلاد أسيادهم الجدد يستظهرون بثقافتهم الموسيقية والرياضية في حفلات عظيمة، ويقدمون القرابين والضحايا إلى «زيوس» على النمط الهليني، ولكنا نعلم أن اليونان كانوا يعتقدون أن هذا الآله، باسمه الإغريقي وشعائره الإغريقية، نظير «آمن» المصري، الذي أعلنت بنوة «الإسكندر» له.
في ربيع سنة 331ق.م وقد يكون ذلك بعد العودة من سيوة بشهر أو شهرين على الأكثر، غادر «الإسكندر» مصر ليشد على ملك فارس في «ما بين النهرين». وقد نعرف أن جيشه سوف يعود إلى مصر مرة أخرى، أما «الإسكندر» نفسه فلن يعود إليها، والغالب أن الإسكندر لم يشهد كثيرا من مناظر وادي النيل جنوبي «ممفيس»، بالرغم من أن أثر الاحتلال المقدوني كان قد امتد إلى الشلال الأول، بدليل ما يروى من أن «الإسكندر» قد أرسل «أفلونيذس الخيوس»
104
وهو إغريقي مالأ الفرس، وسقط في يد ««الإسكندر» أسيرا إلى جزيرة «إلفنتين»
105
ليسجن بها.
وترك الإسكندر مصر مستعمرة من مستعمرات القيصرية المقدونية الجديدة، منظمة على قواعد ثابتة.
فنصب «الإسكندر» واليين
106
مصريين، يحكمان مصر كلها، أحدهما «ذولاسفيس»،
107
والثاني «إفطيسس»،
108
وقسم حكم المملكة بينهما، ولكن الثاني استقال من منصبه، فولى الأول الأمر كله. ونصب قوادا على الحامية
109
المقدونية، فجعل «فنطاليون الفذناوي»
110
في «ممفيس»، و«فوليمون الفلاوي»
111
في «فلوسيوم»، وأمر على الجيوش المرتزقة «لوقيذاس الأطولي»،
112
و«أوغنوسطوس بن زينوفنطوس»
113
وكيلا
Grammateus - له عليها، وهو أحد الرفقاء.
114
ومن فوق هؤلاء نصب «أشيلوس»،
115
و«إيفيبوس الخلقيسي»
116
مشرفين،
117
وعين «أفولونيوس بن خرينوس»
118
حاكما على لوبيا؛ و«قليومينس النقراطيسي»
119
على صحراء العرب المجاورة «لإيرونبولس»،
120
وأمره أن يترك الولاة المصريين يحكمون ولاياتهم بحسب القواعد والعادات القديمة، على أن يجبي منهم ما يفرض عليهم من الضرائب التي يجب أن يؤدوها إليه. ونصب «فيوقسطاس»،
121
و«بالاقروس»،
122
وهما من أشراف المقدونيين، قائدين يقومان على شئون الجيش الذي تركه في مصر. ونصب «فوليمون بن ثيرامينس»
123
أميرا على البحر. وقيل إنه عهد بحكم مصر إلى أيد كثيرة؛ لأن طبيعة البلاد وقوتها الحربية التي بهرته جعلته لا يأمن حصر السلطة كلها في يد رجل واحد.
124 •••
فيما ذكر صورة من نظام يتعذر علينا أن ندلي بتفاصيله؛ فقد قدر لهذا النظام أن يكون قصير العمر جهد القصر. والظاهر أن حكم البلاد الفعلي لم يلبث أن انحصر، حتى في حياة «الإسكندر» نفسه، في يدي «قليومينس النقراطيسي»، وكان قد أصبح من سكان الإسكندرية الجديدة، وأن النظام الذي وضعه الإسكندر قد بدل، إن لم يكن قد ترك جملة. ولما أراد أخلافه من من بيت «بطلميوس» أن يضعوا للبلاد نظاما جديدا، أقاموه على قواعد أخر. ومن مجمل مبادئ النظام الذي وضعه «الإسكندر» مستمدا من الوصف الموجز الذي خلفه «أريان»، ندرك أنه نظام ينطوي على كثير من التعقيد، فإن السلطة العليا وزعت بين «فيوقسطاس» و«بالاقروس»، وعهد إلى «قليومينس» أن يتسلم الضرائب، في حين أن أمر جبايتها قد ترك للولاة الوطنيين. على أن المركز الرفيع الذي شغله اثنان من الوطنيين في نظام «الإسكندر»، أمر لم يتكرر حدوثه في حكم بيت «بطلميوس»، حتى أخريات أيامه. •••
كان «قليومينس»، على ما يظهر، من المهارة بحيث استطاع أن يستغل القوة التي استمدها من سلطانه المالي، فحصر السلطة الحقيقية في يديه. ولقد اشتهر دراكا في العالم الإغريقي بعدم أمانته، وابتزاز أموال الدولة، كما أنه أصبح مبغوضا في «أثينا» بسبب ما أحدثت نظاماته من غلاء في ثمن القمح.
125
وتجد مثلا من طرقه العنيفة في كنز الأموال، مذكورة في كتاب في «الاقتصاديات»
Economics - ينتحل خطأ على «أرسطوطاليس».
126
وقد جاء فيه:
لما وقع قحط شديد في البلاد المجاورة، ولكنه كان في مصر أقل منه في غيرها، منع «قليومينس» والي مصر تصدير الغلال، ولما شكا جباة الأقاليم من أنهم لا يستطيعون أن يدفعوا ما فرض عليهم من الإتاوة؛ نظرا لما يحدث هذا المنع من كساد في الأسواق، عاد فأمر بتصدير الغلال؛ غير أنه فرض عليها ثمنا عاليا لم يسمح إلا بتصدير جزء قليل منها، فحصل بذلك على قدر كبير من المال، كما رد بذلك حجة الجباة التي كانوا يحتجون بها ...
وروي أنه كان مسافرا بحرا في ولاية كان التمساح فيها إلها، فاختطف تمساح أحد عبيده، فجمع الكهنة في جمهرة، وألقى إليهم بأنه لا بد من أن ينتقم لنفسه تلقاء هذا التهجم الطائش، وأمر بأن يصاد تمساح ليمثل به، فأجمع الكهنة أمرهم؛ عساهم يحولون دون التشهير بآلههم وتحقيره، فجمعوا كل ما استطاعوا جمعه من الذهب وأعطوه له، فأرضوه بذلك، وأمنوا شره ... ويقال إن «الإسكندر» لما أمره أن يشيد مدينة عند «فاروس» (الإسكندرية)، وأن ينقل إليها السوق التجارية التي كانت في «كنوبس»، هبط تلك المدينة، وأخبر كهنتها وأثرياءها أنه إنما وفد إليهم ليخرجهم من أرضهم، فجمعوا قدرا كبيرا من المال وأعطوه له، ليبقي على سوقهم التجارية، فغادر المدينة ومعه المال، ولكنه عاد إليهم بعد فترة جهز خلالها كل المواد اللازمة للبدء في بناء المدينة الجديدة، وطلب أن يعطوه قدرا من المال أكبر مما أخذ أولا، بدعوى أنه وزن الفرق بين إبقاء السوق بمدينتهم أو نقلها إلى الإسكندرية بذلك القدر، فلما علم أنهم عاجزون عن ذلك نقلهم إلى المدينة الجديدة ...
ويروى أيضا أن القمح كان يباع بسعر عشر درخمات لكل «مدمنوس»،
127
فجمع الزراع في جمهرة وسألهم على أية قاعدة يستطيعون العمل؟ فأجابوه بأنهم يبيعونه القمح بثمن أقل من الثمن الذي يبيعون به للتجار، فقال لهم إنه يفضل أن يبيعوه بنفس الثمن الذي يبيعون به بقية الناس، غير أنه حدد ثمن القمح بعد ذلك، فجعله 32 درخمة، وأخذ يبيع ما اشترى بهذا الثمن،
128
ثم جمع الكهنة وقال لهم إن نفقات معاهد الدين في الدولة باهظة، وإنه لذلك يجب إلغاء عدد من الهياكل ووظائف الكهنة؛ فسارع الكهنة إلى المال يبذلونه له من مواردهم الشخصية، أو من مخصصات هياكلهم، إذ تبادر إليهم أنه سوف يختزلهم، وكل منهم حريص على الاحتفاظ بهيكله وكهنوتيته.
129
ومهما يكن من أمر ذلك، فليس في مقدورنا أن نحكم في حقيقة ما يستحق «قليومينس» من سوء السيرة، فإنه من الهين - بقليل من المهارة في قلب الحقائق - أن تظهر أية إدارة حكومية، فيها قليل من الشدة والعنف، مجلوة في ثوب من الظلم والاستبداد، كما أن مصلحة بيت «بطلميوس» بعد موت «الإسكندر» كانت تتجه - كما لا يخفى - إلى تشويه سمعة «قليومينس»، ونحن نعرف أن «الإسكندر» لم يشأ أن يقصيه عن السلطة. وقد نقل المؤرخ «أريان» من كتاب يقال إن «الإسكندر» بعث به إلى «قليومينس» العبارات الآتية:
أما إذا وجدت معابد مصر، وبخاصة «مقصورة هفسطيون» معنيا بها؛ فإني سوف أصفح عن خطيئاتك السابقة، وكل خطيئة تأتيها من بعد ذلك سوف لا ينالك عليها سوءا مني.
غير أن «مهفى» قد أظهر أن هذا الكتاب موضع شك؛ فقد ذكر منارة «فاروس» البحرية، وهي لم تبن إلا بعد موت «الإسكندر» بسنين عديدة. ومن الممكن أن يكون «قليومينس» قد حاول أن يظل حائزا لرضى «الإسكندر» بأن يوجه عنايته خاصة إلى الأشياء التي يعرف أن «الإسكندر» يعنى بها، كتعمير الإسكندرية، ومقصورة
130
Heroon «هفسطيون». ومما يجدر بنا ملاحظته أن «قليومينس» قد قرن اسمه بمدينة الإسكندرية في القصة المصرية التي أشرنا إليها في بداءة هذا البحث، وبالأحرى قرن بتقاليدها المحلية مدى ثلاثة قرون بعد ذلك العهد. •••
في شهر يونيو من سنة 323ق.م حدث بالإسكندر حدث الموت بمدينة «بابل»، فحل بالقيصرية التي شيدها - وبالأحرى بالعالم المتحضر كله - فوضى غامرة، سنقص نصيب مصر منها في رسالة تالية عن بطلميوس الأول.
هوامش
تعليقات على بعض مواد عرض ذكرها في الكتاب
(1) الدويلات الهلينية
Hellenistic City States
المقصود «بالدويلات الهلينية» المدن الإغريقية المستقلة، كأثينا وإسبرطة وغيرهما، وهي دويلات لا دول؛ لأنها مدن لا ممالك بالمعنى المعروف اليوم، وقد كان لكل منها حكومة مستقلة، لها شرائعها ونظاماتها القضائية والإدارية؛ بل كان لكل مدينة تقاليدها، وآلهتها، وهياكلها، وعقائدها، وتاريخها، وثقافتها. انظر أيضا رقم (10) من هذه التعليقات. (2) غرنيقس
Granicus
موقعة غرنيقس
Granicus ؛ حدثت في شهر مايو أو يونيو من سنة 334ق.م بين المقدونيين بقيادة الإسكندر المقدوني وبين الفرس، فانتصر فيها المقدونيون انتصارا كاملا، وكان كل من الجيشين المتحاربين يحتل ضفة من نهر غرنيقس في آسيا الصغرى، فاقتحم المقدونيون النهر، وهزموا الجيش الفارسي بعد أن قاومهم مقاومة عنيفة.
وكان جيش الإسكندر مؤلفا من 30000 راجل، و5000 راكب؛ والجيش الفارسي من 20000 فارسي، و20000 مرتزق إغريقي، بقيادة «ممنون
Memnon »، وهو قائد يوناني ذو مكانة وعلم بالفنون الحربية، كان في خدمة «دارا» ملك الفرس.
ويقول النقاد: إن الجيش الفارسي لو اتبع الخطة التي رسمها «ممنون» لكان النصر في جانبه، ولكن قواد الفرس اختطوا خطة أخرى، فانتفع الإسكندر من سوء تدبيرها.
ولا ننسى هنا أن ننبه على أن الأرقام التي يحدد بها مؤرخو القدماء عدد الجيوش المتحاربة في المواقع التي يذكرونها مدخولة بالشك، فلا يوثق بها. (3) موقعة إسوس
Issus
حدثت موقعة إسوس
Issus
في شهر أكتوبر من سنة 333ق.م بين الجيش المقدوني بقيادة الإسكندر، والجيش الفارسي بقيادة الملك «دارا». ويحسن بنا أن نذكر شيئا عن ميدان هذه المعركة، فقد حدثت في سهل يبعد عن مدينة «مريانذروس
Myriandrus » خمسة أميال شمالا بالقرب من الإسكندرونة؛ ويحيط بهذا السهل جبال شامخة، تسلم إليه بثلاثة مداخل، ففي الشمال الغربي الممر القيليقي، ويخترق جبال طوروس، وفي الشمال الشرقي الممر الأرمني، ويسلم إلى الفرات ، وفي الجنوب الممر السوري، ويسلم إلى سوريا؛ وتجاهه انتظر دارا بجيوشه، وكذلك اتجه إليه الإسكندر بزحفه؛ ولهذا يقرر النقاد أحد احتمالين: فإما أن الإسكندر لم يكن يعرف شيئا عن الممر الأرمني، وهذا غير راجح؛ وإما أنه لم يتوقع أن «دارا» ومعظم جيشه من الفرسان سيترك السهول ويلوذ بالجبال، وهذا راجح. ولكن ما لم يتوقعه الإسكندر أقدم عليه «دارا»، فإنه رفض الإذعان لمشورة قواده، وزحف نحو الممر الأرمني بكامل جيشه، فحوط بهذه الحركة مؤخرة جيش الإسكندر.
ويجمع النقاد على أن هذه الخطة إن كانت فاسدة من ناحية الفن الحربي، فإنها سديدة من ناحية الحركات الالتفافية؛ فإن الإسكندر اضطر أن يعدل عن خطة الهجوم إلى خطة الدفاع، وأن يخوض موقعة لم تكن في حسابه؛ ليصون بذلك مواصلاته الحربية.
فلما علم الإسكندر بحركة «دارا» جمع قواده وبين لهم ما هم فيه من خطر، وزحف مسرعا لملاقاة الجيش الفارسي، وبحسن توزيع جنوده وإدارة حركاتها الحربية، انتصر انتصارا فاصلا. (4) دارا
Darius
هو «دارا» الثالث، واسمه قبل أن يعتلي العرش «قودومانس
Codomanus »، ولكنه انتحل اسم «دارا». وفي سني ملكه أرسل الملك فيلبس المقدوني حملة حربية إلى آسيا الصغرى سنة 336ق.م.
وفي خريف سنة 334ق.م بدأ زحف الإسكندر المقدوني على المملكة الفارسية، فهزم «دارا» في موقعة «إسوس» سنة 333ق.م ثم في موقعة «أربيلا
Arbela » سنة 331ق.م ففر إلى الشرق وقتله «بسوس
Bessus » في شهر يوليو من سنة 330ق.م وبموته سقطت الدولة الفارسية، وأصبحت فارس مستعمرة مقدونية. (5) قورينة
Cyrene
إحدى مدائن خمس، شيدها الإغريق في ولاية برقة الأفريقية؛ و«برقة» هو الاسم الذي أطلقه العرب على ولاية رومانية في شمال أفريقيا، اسمها «قورينيقة
Cyrenaica » نسبة إلى «قورينة
Cyrene »، وكان الجزء الشمالي منها يعرف عند العرب باسم «بنطابلس» أو «إنطابلس»، (انظر معجم البلدان)
أي المدن الخمس، فإن اللفظة
اليونانية معناها «خمسة»، و
معناها «مدينة»، والصحيح بنطابلس كما ذكرنا، وقد وهم صاحب معجم البلدان في رسمها بالألف.
أما هذه المدن الخمس فهي: (1)
هسبريس
Hesperis . (2)
برقة
Barca . (3)
قورينة
Cyrene . (4)
أفولونيا
Apollonia . (5)
طوخيرا أو أرسنوي
Teuchira (or) Arsinoe .
وكانت «قورينة» أقدمها وأكبرها وأزهاها وأعمرها، وقد أنجبت كثيرا من الفلاسفة والشعراء والقواد العظام، ولها تاريخ طويل، أخصه علاقتها بمصر في عصر البطالمة.
وكانت المدينة مشيدة على جبل يشرف على بحر الروم، اسمه الجبل الأخضر، ولا تزال آثارها باقية إلى اليوم. (6) اليونان والإغريق
lonians and Greeks
اليونان في الإغريقية القديمة
loanes ، وفي الفارسية
Yavana ، وفي العبرية
Yavan ؛ وقد جرى الكتاب على أن يعربوا كلمة
Greeks
باليونان، كلما وردت هذه الكلمة في سياق بحث علمي أو أدبي، في حين أن اليونان هم الذين يطلق عليهم اسم
lonians ، والإغريق هم الذين يطلق عليهم اسم
Greeks ، وهما شعبان مختلفان وإن كان أصلهما واحد؛
1
ولا شك في أن هذا ما عناه مترجمو العرب، فقالوا اليونان حينا، والإغريق حينا آخر؛ ولم يقصدوا بذلك غير ما ذكرت هنا.
وأرى أن هذا أقوم تعليل لاستعمال الاسمين في مواضع مختلفة من كتبهم، غير أني أنبه هنا على أن استعمال لفظ «اليونان» للدلالة على الإغريق
Greeks
لا غبار عليه من الناحية التاريخية. (7) هيرودوتس
Herodotus
مؤرخ يوناني قديم يعرف «بأبي التاريخ» ولد في «ألكارناسوس» بآسيا الصغارى سنة 484ق.م وتوفي في سنة 425ق.م وهو أشهر من أن يعرف. (8) نقطانيبو
Nectanibo
آخر ملوك مصر الوطنيين من الفراعنة، وقد طرده الفرس من البلاد، فلجأ إلى «إثيوبيا» سنة 341ق.م وفي دائرة المعارف البريطانية (ص76-8 الطبعة 14)، وفي (ص709-17 الطبعة 14) أن نقطانيبس الأول كان اسمه «نخت-نبف»، ونقطانيبس الثاني كان اسمه «نخثارحب»، ولكنهما يعرفان في أكثر المؤلفات التاريخية باسم «نقطانيبو». (9) الهكسوس
Hyksos
أو ملوك الرعاة
اسم أطلق على ملوك حكموا مصر، وكانوا من أصل أجنبي، وكان ملكهم حوالي سنة 2000ق.م وسقط ملكهم في خلال حكم الأسرة الثامنة عشرة؛ وقد حكموا مصر حوالي 500 سنة على ما يقول «مانيثو
Manetho »، واسم الهكسوس من اللفظة المصرية «هك-شاسو
hik-shasu »، أي رءوس البدو أو الرعاة.
ويقول سير «فلندز بتري»: إن أعظم ملوك الهكسوس الذين حكموا مصر تربعوا على عرشها 260 أو 284 سنة، أي من سنة 2540 إلى 2256ق.م وكانوا ستة ملوك، وبعد ذلك العهد حدث اختلاط بين المصريين والساميين؛ وإن عصر الاختلاط ظل من سنة 2256 إلى سنة 1738ق.م.
See “Egypt and Israel” p. 14, By W. M. Flinders
(10) الهلينية - الثقافة الهلينية - الحضارة الهلينية
Hellenism; Hellenistic Culture (or) Civilisation
يذكر شارح هذا الاصطلاح في دائرة المعارف البريطانية (402-11 الطبعة 14) أن اصطلاح
Hellenism
غامض الأصل، ويقال إنه مشتق من أصل يوناني معناه «تقليد الأغارقة»، وأطلقه المؤلف الألماني «درويصن
J.G. Droysen » على مظاهر الثقافة الإغريقية، منذ عهد الإسكندر المقدوني، حتى نهاية عصر الدول القديمة، وتشمل دلالته كل الشعوب التي تأثرت بتلك الثقافة.
وذكر في المعجم الأنسيكلوبيدي (ص161-4) أن الاصطلاح نسبة إلى «هلين
Hellen » جد الأغارقة الأول.
وننقل هنا عن قاموس
Century
ص2779 ج3 العبارات الآتية:
Hellen-A Thessalian Tribe of which Hellen was the reputed cheif; later (earliest record 586 B.C.) a general name for all the Greeks.
An ancient Greek; Properly, a Greek of pure race; traditionally said to be so called from Hellen son of Deucalion and
Dorians, Æolians & Acheans.
هذا فيما يتعلق باشتقاق ذلك الاصطلاح، أما الحضارة أو الثقافة الهلينية فيقصد بها ما يلي: منذ القرن الخامس قبل الميلاد أخذت المدن الإغريقية تتناثر على شاطئ البحر المتوسط من حدود إسبانيا إلى مصر وبلاد القفقاس، وأخذت الثقافة الإغريقية تنتشر بين شعوب غير إغريقية الأصل. ومن قبل ذلك التاريخ، أي منذ بداءة القرن السابع قبل الميلاد، عندما كانت الثقافة الهلينية ما تزال في غرارتها وبدء تكونها، خدم مرتزقون من الأغارقة جيوش الشرق الأدنى، فلما استقوت الثقافة الهلينية وأينعت ثمارها، بدأت آثارها الفنية والعقلية تظهر في جو الحضارات القديمة. ولا شك في أن حضارة قديمة، كحضارة مصر، أو حضارة ما بين النهرين، كانتا لا تكترثان بالحضارة الناشئة أول الأمر، ولكن غيرهما من الحضارات الأخرى، وبخاصة القبائل الهمجية، وقعت تحت سلطانها وشيكا، وكثيرا ما امتزجت قبائل همجية بشعوب هلينية، وانتحلت كل مزايا الثقافة الهلينية.
ولقد بلغت الثقافة الهلينية أعظم مبالغها بعد غزوات الإسكندر المقدوني؛ فإنها ذاعت في مصر وما بين النهرين وفارس والهند، وتركت في هذه البلاد جميعا آثارا ثابتة من مظاهر الفكر اليوناني وحقائقه. أما المدن الإغريقية التي أشرنا إليها في أول هذه التعليقات (راجع رقم 1) فكانت دويلات مستقلة، لكل منها كيان سياسي خاص. (11) فلوسيوم
مدينة قديمة وميناء مصرية، هي الآن خرائب تكون تبتين عظيمتين تقعان بمقربة من الشاطئ وحافة الصحراء على عشرين ميلا شرقي بورسعيد، وكان يحيط بها في الأزمان القديمة ضحضاح من الماء كالمستنقعات، تتخلف عن المياه التي يحملها إليها فرع من النيل كان يصب في البحر المتوسط هنالك، وكان يسمى الفرع «الفلوسي
» نسبة إليها، وقد ردم منذ أزمان بعيدة. وكانت هذه المدينة في تلك الأزمان مركز الاتصال بين مصر وسوريا، وبها قلعة حصينة كان لها شأن عظيم منذ الفتح الفارسي، في كل الحروب التي اشتبكت فيها مصر مع دول الشرق. (12) هليوبولس «مدينة الشمس»
Heliopolis
مدينة مصرية قديمة ذكرت في كتب العهد القديم
Old Testament
باسم «أون
On » على خمسة أميال شرقي النيل، بالقرب من رأس الدلتا، وكانت المقر الرئيسي لعبادة الشمس، حتى لقد ظلت أهميتها الأولى من حيث المنزلة الأدبية، راجعة إلى أنها مركز ديني عظيم، ولكن «هيرودتس» يذكر أن كهنة «عين الشمس» كانوا واقفين على كثير من حقائق التاريخ. وكان بها مدارس تلقن الفلسفة والفلك، ويروى أن «أفلاطون» وغيره من فلاسفة الإغريق هبطوا هذه المدينة، وتلقوا عن أساتذتها هذه العلوم، ولكن المدينة في عصر «إسترابون
Strabo » المؤرخ الروماني، كانت قد خربت وهجرت مدارسها، ولم يبق بها إلا بعض الكهنة، والظاهر أن البطالمة لم يعنوا بالمدينة وإلهها «رع»، بل أحيوا في الإسكندرية عبادة «سرافيس
Sarapis »، كما أن مدارس الإسكندرية العظيمة أنست أهل العلم تقاليد مدارس «عين شمس»، والسبب في ذلك ظاهر؛ فإن الإسكندرية علمت على النمط الإغريقي، ومدرسة «عين الشمس» كانت تعلم على التقاليد المصرية.
ولما أسست الفسطاط، وتبعها تأسيس القاهرة، زالت معالم «عين الشمس» زوالا تاما؛ إذ نقلت مواد المدينة القديمة ليشاد بها المدينتان الجديدتان، والمحل الذي كانت تشغله مدينة الشمس أصبح الآن مزارع، وليس هناك من أثر يدل عليها إلا مسلة تقوم مكان المعبد الكبير، وقليلا من الحجارة الجرانيتية الضخمة، عليها اسم رمسيس الثاني. (13) ممفيس
Memphis
عاصمة مصر في الجغرافية القديمة، وكانت تقع على شاطئ النيل الغربي إلى الجنوب من القاهرة، ويقال إن الملك «منيس» هو الذي شيدها، ثم أصبحت عاصمة القطر المصري في خلال حكم الأسرة الرابعة عشرة، وقد خرب الهكسوس بعضها، ولكنها أصبحت في حكم الإمبراطورية الجديدة عاصمة مصر الثانية بعد «طيبة»، وسقطت في يد الأشوريين، ثم خربها «قمبيز»، وكانت ما تزال عامرة في العصر الروماني، وتم تخريبها تدريجا في خلال العصر الإسلامي، وعلى مقربة منها خرائب سقارة. (14) كيرتيوس
Curtius, Rufus Quintus
أحد الذين ترجموا عن حياة الإسكندر الأكبر، ويقول ثقات النقاد المحدثين إنه من رجال البلاغة الذين عاشوا في حكم «أقلاديوس
Cladius » 41-54 بعد الميلاد؛ واسم كتابه في اللاتينية
De rebus gestis Alexandri magni .
ويقع في عشرة أجزاء فقد منها اثنان، والثمانية الأخر ناقصة؛ وقد أظهر في تاريخه هذا كثيرا من الجهل بحقائق الجغرافية، وتاريخ الوقائع، والفن الحربي. (15) فتاح
ptah
في الميثولوجيا المصرية: رب من الأرباب العظام، ولو أنه لم يكن من أقدمهم؛ وكان المعتقد أنه «القوة الخالقة»، و«البناء الآلهي»، و«القوة العقلية المحيية»، وأكثر ما كان تقديسه في مدينة ممفيس؛ وكان يمثل في صورة بشر، وأحيانا في صورة قزم أو جنين. (16) مهفي 1839-1919
Sir John Pentland Mahaffy 1839-1919
أحد الثقات في التاريخ والآداب القديمة، ولد في «سويسرا» في 26 من فبراير سنة 1839، وتلقى العلم خارج إنجلترا أولا، ثم في كلية التثليث بدبلن، حيث عين أستاذا للتاريخ القديم بها. وفي سنة 1913 أصبح وكيلا لعميد الكلية، ثم عميدا لها في سنة 1914.
ولما قامت الثورة الإرلندية ليلة عيد الفصح من سنة 1916، تولى قيادة الدفاع عن الكلية ضد الثوار، فمنح لقب جنرال فخري، جزاء بسالته، وتلقاء الخدمات التي قامت بها الكلية في أثناء الحرب العظمى.
وظل رئيسا للأكاديمية الإرلندية الملكية من سنة 1911 إلى سنة 1916، وتوفي في 30 من أبريل سنة 1919. وله مؤلفات يعد بعضها من المظان الوثيقة ذات الأثر الباقي؛ ومن أعظم مؤلفاته: (1)
Commentary on Kant (1866) Transi. Of Fischer’s known book. (2)
Edited: The petrie Papayri (3 vots: 1891-1905). (3)
History of Classical Greek Literature (4th. Edit 1903). (4)
Social life in Greece from Homer to Menander 1903. 4th. edit. (5)
The Silver Age of the Greek World (1906). (6)
The Empire of the ptolemies (1896). (7)
Greek Life and Thought from Alexander to the Roman Conquest (2nd. ed. 1896). (8)
The Greek World under Roman Sway: from Polybius to
(9)
An Epoch in Irish History 1501-1660-(1904). (17) فيلبس المقدوني
Macedon
فيلبس الثاني (359-336ق.م) ملك مقدونيا والد الإسكندر المقدوني، أبوه «أمنتاس الثاني
Amyntas II »، وأمه «أوريديقه
Eurydice »، وكانت مقدونيا عند مولده مضطربة الأحوال، مفككة الأوصال، فلما مات أبوه تولى الملك عمه الإسكندر الثاني، ولكن ملكه لم يدم غير فترة قصيرة؛ إذ قتل في سنة 368ق.م ولم يعتل فيلبس عرش أبيه إلا في سنة 359ق.م بعد حوادث لا ضرورة للاستطراد فيها.
وقتل فيلبس في أثناء حفلة أقامها لزواج ابنته بمدينة «إيجه
Aegae » عاصمة مقدونيا القديمة، بعد أن نظم مقدونيا، وترك فيها جيشا كامل العدة والنظام، مكن ابنه الإسكندر من أن يغير خريطة الدنيا في عشر سنين. (18) تتويج الإسكندر بمصر
للوقوف على المراد يراجع ما علقنا به على «أسطورة الإسكندر» بعد، وهذه القصة تعرف في الأدب الأوروبي الحديث باسم «أقصوصة الإسكندر»
The Romance of Alexander . (19) أبيس
Apis
أبيس أو حابي إله الهيكل المصري القديم، وكانت ممفيس المقر الرئيس لعبادته؛ وكان المصريون يعتقدون أنه صورة من روح أوزيريس، ويمثل في العادة بجسم بشري يحمل رأس ثور، وقد يعتبر بعض الأحيان «فتاح المتجسد» أو «ابن فتاح». أما الأغارقة فقد نحتوا من الاسم «أوزيريس-أبيس
Osiris-Apis » الاسم «سرافيس
Sarapis » وهو إله بدأت عبادته في مصر في أول عهد البطالمة أو قبيل ذلك، وسننشر في هذا الأمر بحثا كاملا في حلقة من حلقات هذه الرسائل نخص بها «بطلميوس الأول»، وزمان حكمه في مصر. (20) هوميروس
Homer
في اللاتينية
Homerus ، وفي اليونانية
Oumros ، ومعناه المنظم والمنسق.
وهو شاعر الإلياذة والأوديسية المشهور، وله فوق ذلك أدعية تسمى الأدعية الأوميرية، لها قيمة كبيرة في الآداب القديمة، وقد اختلف في العصر الذي عاش فيه، فيقول هيرودوتس إنه عاش حوالي سنة 850ق.م ولكن غيره يزعمون غير ذلك؛ ويغالي بعضهم فيقول إنه عاش حوالي سنة 1200ق.م وهو أشهر من أن يعرف. (21) نقراطيس
Naucratis (or) Naukratis
مستعمرة إغريقية قديمة كانت في مصر، كشف آثارها سير «فلندرزبتري» سنة 1884 على الضفة اليمنى من قناة قديمة على عشرة أميال غربي فرع رشيد النيلي، وكان الطريق الموصل إليها في الأزمان القديمة، فرع «كنوبس» النيلي، وكان إذ ذاك أكثر إمعانا نحو الغرب.
ولقد حقق سير «فلندرزبتري» مكان المدينة تحقيقا لا يترك مجالا للريب؛ إذ كشف عن بعض نقوش فيها اسم المدينة مع كميات كبيرة من الخزف الإغريقي القديم، وكان لهذه المدينة منزلة كبيرة، تجاريا وفكريا، في تاريخ مصر القديمة من حيث علاقتها بالحضارة الهلينية.
وبالرغم من هذه المنزلة التي كانت لتلك المدينة، باعتبار أنها المستعمرة الوحيدة التي كان لليونان في مصر القديمة، فإن البحث الحفري في أنقاضها قد دل على أن بعض القطع الخزفية عليها كتابات تبين عن كثير مما غمض من حقائق التاريخ، وفيها آثار تدل على أن هذه البقعة قد استعمرت منذ القرن السابع قبل الميلاد، كما عثر فيها على قطع ثمينة من الخزف الإغريقي مطمورة في خرائب معمل لصناعة الجعلان، ويرجح بعض النقاد أنها من عمل الأغارقة الذين هبطوا هذه البقعة من مليسوس (الإغريقية)، واستقروا بها في زمن الملك «إبزاماتيك» الأول، أحد ملوك مصر الأقدمين. (22) صور
Tyre
ميناء فينيقية قديمة ذات شهرة واسعة؛ وهي تابعة الآن للبنان الكبير تحت الانتداب الفرنسي، وتعدادها الآن لا يزيد عن 5700 نسمة، وكانت هذه الميناء مشيدة على شبه جزيرة غير منفصلة عن الشاطئ، ولا تزال المدينة حتى الآن ضيقة الشوارع والممرات، على أبنيتها مسحة القدم.
وورد ذكر هذه المدينة في رسائل «تل العمارنة»: (القرن الرابع عشر ق.م) باسم «أوسو
Usu » أو «أوشو
Ushu »، وفي أوراق أنسطاس البردية (القرن الثالث عشر ق.م)، غير أنها لم تذكر بين المدن السورية التابعة لإمبراطورية «تحوتمس الثالث» (القرن الخامس عشر ق.م) ولهذا يرجح النقاد أنها لم تشيد وتعمر، إلا قبيل بداءة القرن الرابع عشر، ولم يكن لها من أثر قبل القرن الخامس عشر.
ولقد خربها الإسكندر المقدوني بعد أن قاومت جيوشه الزاحفة إلى مصر مقاومة جد عنيفة. (23) صور المقدونية
The Macedonian Tyre
ليس هذا باسم مدينة، وإنما عنينا به مدينة الإسكندرية التي شيدها الإسكندر بمصر؛ ويقول بعض الكتاب إنه أراد بتشييدها أن تحل محل «صور» الفينيقية، كما حدث بعد ذلك بين رومية وقرطاجنة.
فإن بعض المؤرخين يعتقد أن الإسكندر لم يهدم «صور» ويخربها إلا ليفسح الطريق لثغر مقدوني جديد، يقيمه على بقعة من الشاطئ المصري على البحر المتوسط. وهنالك حقيقتان يجب مراعاتهما:
الأولى:
أن «صور» قاومت جيوشه مدة طويلة، فعطلت زحفه إلى مصر (انظر جروت في كتاب تاريخ الإغريق ص8 ج12 طبعة إفريمان).
الثانية:
أن صور فينيقية مثل قرطاجنة، فأراد الإسكندر أن يقضي على النفوذ الفينيقي التجاري في شرقي البحر المتوسط؛ ليحل محله النفوذ الإغريقي.
وإنما نقول إن تأسيس مدينة الإسكندرية جاء تبعا للحقيقة الثانية، ولم يكن تخريب «صور» راجعا إلى تصميم سابق على بناء الإسكندرية في مصر. (24) فرع كنوبس النيلي
Canopic Branch of the Nile
مدينة كنوبس
Canopus or Canobus ، ومصب كنوبس النيلي.
كانت كنوبس مدينة مصرية تقع على شاطئ بحر الروم، وعلى 15 ميلا شرقي الإسكندرية، وهي من المواني الرئيسة في العصر القديم، من حيث علاقتها بالمتاجر الإغريقية قبل تشييد الإسكندرية.
أما فرع كنوبس النيلي (وكان أكثر فروع النيل إمعانا نحو الغرب)، والذي كان يصب في البحر المتوسط عند الطرف الغربي من خليج «أبي قير» فقد ردم الآن، ولكن يرى على ميلين من أبي قير، رقعة واقعة من الأرض بها آثار المدينة القديمة، ومرافئها البحرية.
وفي السنة التاسعة من حكم بطلميوس أرغيطس
(239ق.م) اجتمع في كنوبس عدد عظيم من الكهنة، وأضفوا على الملك لقب «ولي النعم» أو «المحسن»، وعثر الباحثون على صورتين من هذا القرار، أثبت في كل منهما النص باللغات الهيروغليفية والديموطيقية والإغريقية؛ وكان من أثر ذلك أن شيد الملك هيكلا عظيما بالمدينة «لأوزيريس»، وآخر «لهرقليس». وذكر «هيرودوتس» أن الهيكل الأخير اتخذ ملجأ يحتمي به العبيد الفارون من أسيادهم؛ وفي قرار الكهنة ما يدل على أن «هرقليس» إنما يقصد به «أمون». أما عبادة «أوزيريس» فقد اتخذت طابعا خاصا، فكان يمثل له بآنية لها رأس بشري، وفي ذلك إشارة إلى أن «كنوبس» ملاح «منيلاوس
Minelaus » الذي يزعم أنه دفن في المكان الذي شيدت من فوقه المدينة بعد موته. (25) مصب النيل الفيلوسي
راجع التعليق رقم (11)، وفيه كفاء عن إعادة التعريف بهذا المصب. (26) إسترابون
Strabo (or) Strabon
جغرافي إغريقي ولد في سنة 63ق.م في مدينة «أماسيه»، ولكنه قرن علم الجغرافية بعلمي الأجرومية والفلسفة، ولقد وصف كثيرا من البلدان في الممالك القديمة، وبالرغم من أنه لم ير كثيرا من البلدان التي وصفها رأي العين، فإنه ساح كثيرا، فبلغ في سياحاته نحو الغرب بلاد «إتروريا» حذاء جزيرة «سردينيه»، وجنوبا إلى حدود «إثيوبيا».
ولقد اعتمد في كتابة جغرافيته على المؤلفين الإغريق مثل «فولوبيوس
»، و«فوسيدونيوس
» و«ثيوفانس المتيلي
Theophanes of Mytile »، ولم يعتمد على مؤلفي الرومان إلى قليلا. والظاهر - على ما يروي الذي ترجم عنه في دائرة المعارف البريطانية - أنه جمع أكثر مذكراته من مكتبة الإسكندرية، فكان من الطبيعي أن تكون عمدته الأولى كتب الأغارقة، ثم هبط رومية من بعد ذلك. (27) إليوذورس
Heliodorus
معنى اسمه
Heliodorus «هبة الشمس»، ولد بمدينة «إيمسا
Emesa »، وعاش في أواخر القرن الرابع الميلادي؛ وهو كاتب إغريقي من أشهر كتاب القصص الخيالي، وأسقف نصراني في مدينة «تركا
Tricca » ب «تساليا
Thessaly »، والإشارة في المتن إلى قصته المسماة «إثيوبيكا
Æthiopica »، وهي أقدم قصة خيالية
Romance
وصلت إلينا من الأغارقة. (28) فاروس
جزيرة كانت تجاه المنزل الذي شيدت عليه الإسكندرية، وقد أقام عليها بطلميوس الأول «سوطر
Soter »، و«بطلميوس الثاني فيلادلفوس
» المنارة البحرية المعروفة بمنارة «فاروس»، وكانت في العالم القديم إحدى عجائب الدنيا السبع، وفي دائرة معارف «سنشورى» أن الإسكندرية شيدت على هذه الجزيرة، ومعها البرزخ الذي كان يصل الجزيرة بالأرض القارة. (29) رمسيس الثاني
Ramses II
وقد يسمى «رمسيس ميامون الأول
R. Miamun I » ملك من أشهر ملوك مصر القديمة، وهو ثالث ملوك الأسرة التاسعة عشرة، وابن سيتي الأول، وكان أعظم من شيد في مصر آثارا، وعمر هياكل؛ كما كان محاربا من أكبر محاربيها، وأشهر غزواته غزوة «الحثيين
Hittites »، وأكبر وقعاته وقعة «قادش
Kadesh » التي كاد يلقى فيها حتفه، لولا بطولته وفروسته، وقد خلد ذكر هذه الواقعة شاعر مصر القديمة «بنطاؤور
» بملحمة عامرة من الشعر القصصي؛ ويقال إن هذه الملحمة هي التي أوحت إلى «هوميروس» نظم إلياذته المعروفة، وقد عثر على موميائه في الدير البحري سنة 1881.
وله أسماء عديدة منها: «سيس
Ses »، و«سستيسو
Sestesu »، و«سيتيسو
Setesu »، و«سيثوريس
Sethoris »، ويسميه الأغارقة «سيزوستريس
Sesostris ». (30) دولة إقريطش البحرية
The Cretan Sea
كان أول من عني ببحث الآثار القديمة في جزيرة «إقريطش» (كريت) الأستاذ «أرثر إيفانس
A. Evans » من أساتذة جمعة أكسفورد سنة 1894، وكان من عنايته أن اشترى البقعة التي شيد عليها قصر «إكنوزس
Knossos » القديم وكشف عنه، واستخلص الآثار الباقية منه.
ولقد أعانت الأموال الأمريكية على الكشف عن آثار إقريطش، حتى لقد استطاع المنقبون والمؤرخون والنقاد أن يعينوا عصور الحضارة الإقريطية، وقرنوها بالحضارة المصرية على النمط الآتي:
العصور
Minoan *
الأسر المصرية
التاريخ قبل الميلاد
العصر المينووي الأول
الدور الأول
E. M. I
1-3
3400-2800
الدور الثاني
E. M. II
4-6
2800-2400
الدور الثالث
E. M. III
8-11
2400-2100
العصر المينووي الأوسط
الدور الأول
M. M. I †
11-12
2100-1900
الدور الثاني
M. M. II
12-13
1900-1700
الدور الثالث
M. M. III
14-17
1700-1580
العصر المينووي الأخير
الدور الأول
L. M. I ‡
18 - تحوتمس الثالث
1580-1450
الدور الثاني
L. M. II
18 - أمنحوتب الثالث
1450-1375
الدور الثالث
L. M. III
18-20
1375-1100 * (E. M.) Early Minoan
. † (M. M.) Middle Minoan
. ‡ (L. M.) Later Minoan
.
فكأن من رأي المسيو «ريمون ويل» (راجع المتن) أن بقايا الميناء المغمور الآن تجاه الإسكندرية الحديثة، آثار خلفتها دولة إقريطش في عهد الأسرتين المصريتين الحادية عشرة والثانية عشرة، أو في عهد الأسرة الثالثة عشرة، عندما كانت تملك دولة إقريطش البحرية، البقعة التي شيدت عليها من الشاطئ المصري. (31) عن الميناء المغمور
The Submerged Port
كتب سير «فلندرزبتري»: «ربما كان الميناء المغمور من أثر البطالمة، فقد حدث انخفاض كبير في مستوى الأرض بلغ أكثر من تسعة أقدام تحت الماء، وأن الميناء المغمور كان يعلو سطح البحر عندما شيد خمسة عشر قدما على الأقل اتقاء لرطوبة البحر، ولا يبعد أن يكون الشاطئ قد انخفض 20 قدما أول الأمر، ثم ارتفع مرة أخرى إلى مستواه الحاضر.» (32) هفوذامس المليطي
Hippodamus of Miletus
سفسطائي إغريقي، ومهندس معماري، وعالم بأصول الهندسة النظرية، أسس مدينة «فيراوس
» (بيرية الآن)، ثم مدينتي «ثوريون
Thorion »، و«رودس
Rhodes »، وقد ابتكر قواعد جديدة في تخطيط المدن، أبدى فيها كثيرا من العناية والمهارة وحسن التنسيق، فاتخذت في زمانه، ومن بعد موته، نموذجا لتخطيط المدن الإغريقية، واتبعت في تخطيط مدينة الإسكندرية. ولم أقف تحقيقا على تاريخ مولده وموته، ولكن لا يبعد أن يكون قد عاش في أواخر القرن الخامس وأوائل القرن الرابع قبل الميلاد. (33) ذينوقراطس
Dinocrates
أعظم المهندسين الذين استخدمهم الإسكندر الأكبر في أعماله الحربية والمدنية؛ وهو الذي خطط مدينة الإسكندرية ووضع أسسها، وأعاد بناء «الأرتميسيوم
Artimisium » في مدينة إفسوس بعد أن خربته النيران، وقد أطلقت على هذا المهندس ثمانية أسماء مختلفة ذكرها «برون
Brunn ». (34) مريوطس - مريوط
Maryotis
اسم أقليم وبحيرة يقعان غربي المكان الذي شيدت فيه الإسكندرية، وكانا معروفين لكثير من المؤرخين الذين هبطوا مصر قبل الإسكندر. (35) شهر طوبي
Tybi
شهر من أشهر التقويم القبطي القديم، وهو المعروف باسم «طوبة» الآن، والسبب في لفظه «طوبة» أن مترجمي العرب نقلوا عن السريان، وهؤلاء أبدلوا الحرف «
Y
واوا» باطراد، فقالوا لوبيا في
Lybia ، وبوزنطية في
Byzantium
وهكذا. (36) أسطورتان عن تخطيط الإسكندرية
الأسطورة الأولى:
عن أريان وإسترابون، أن المهندسين أرادوا أن يخططوا المدينة على النمط العادي، بأن يعينوا معالمها بتراب كلسي أبيض، ولكنهم لم يجدوا ما يكفيهم منه، فأخذوا دقيقا من مخصصات الجند. والمعجزة في أن المهندسين حولوا عن غرضهم الأول عن غير قصد منهم، فاستعملوا الدقيق بدل الكلس، وفيه تفاؤل بالعيش والمعمارية.
الأسطورة الثانية:
عن كيرتيوس ورومانس، أن المهندسين سيقوا منذ البداءة إلى استعمال الدقيق، وأن تخطيط المدن بالدقيق عند إنشائها عادة مقدونية (كيرتيوس). وهو زعم يناقض ما ورد في الرواية الأولى، والمعجزة في أن الطيور حلقت فوق المكان الذي خططت عليه المدينة وأكلوا من الدقيق، ولا ذكر للطيور في الرواية الأولى. (37) يوسيفوس
Josephus Flavius
يوسيفوس فلاويوس (37 إلى 95 بعد الميلاد) مؤرخ وقائد يهودي، ولد في السنة الأولى من حكم «كاليغولا» القيصر الروماني، درس القانون والشريعة، وله فيهما تعليقات وبحوث مبتكرة، واتصل بالعالم الروماني اتصالا وثيقا، وأقام فتنة اليهود سنة 66 للميلاد، وجهز جيشا عظيما لملاقاة الرومان، ولكن جيشه هرب من الميدان قبل أن يلقى الجيش الروماني بقيادة «وسباسيانوس
Vespasian »، و«طيطوس
Titus »، فطلب مددا من أورشليم، ولكن لم يفزع معه أحد، غير أنه قاوم والذين ناصروه، وثبتوا أمام الجيوش الرومانية ثباتا مثيرا للإعجاب؛ ولما غلبوا على أمرهم اختبئوا في مكان، واقترح «يوسيفوس» أن لا يسلموا إلى الرومان، بل يقتل كل منهما أخاه، فيبدأ واحد بقتل زميل، ثم يقتل القاتل زميل آخر، فنفذوا الفكرة، وبقي يوسيفوس مع زميل يستحق أن يقتله يوسيفوس، ولكنهما آثرا أن لا يموتا وسلما لوسباسيانوس، ولما التقيا تنبأ يوسيفوس للقائد الروماني بأنه سيصير قيصرا؛ فلما اعتلى وسباسيانوس عرش القياصرة أطلق سراحه وكرمه، فانتحل يوسيفوس اسم «فلاويوس» وهو اسم أسرة الإمبراطور، ثم رافقه إلى الإسكندرية، وعاد معه إلى رومية، فخصص له الإمبراطور معاشا، ومنحه الرعوية الرومانية. (38) أمون - آمن
Ammon - Amen
إله طيبة أصلا، ولكن في عهد الأسرة الثانية عشرة (2000ق.م) التي حكمت في طيبة، أخذ «أمون الخفي
The Hidden One » يتقدم غيره من الآلهة الأخر، ولما استتب الأمر للأسرة الثامنة عشرة في طيبة، أضفي عليه اسم «أمون-رع».
Amon-Ra Sunteru (Amonra-Sonther)
أي إله الآلهة، على أن المكانة العليا التي شغلها أمون في عهد الأسرة الثامنة عشرة، لم تدم له بعد زوال ملكها طويلا. ولقد قدس في العالم الإغريقي، وقرن ب «زيوس
Zeus » إلههم الأصيل، كما يتضح من المتن. (39) غرض الإسكندر المقدوني من زيارة سيوة
علق ناقد على كتاب «إهرنبرح » الإسكندر في مصر
Alexander und Ægypten Leipzig, 1926 .
في صحيفة الدراسات الهلينية
Journal of Hellenistic Studies, 1926. pp. 282 .
فقال إن غرض الإسكندر من حملته إلى سيوة كان حربيا، وإنه كان فزعا من القبائل اللوبية التي كانت تغير على مصر من جهة الغرب، وكانت تتخذ الواحات مركزا لتعبئتها الحربية، فأراد أن يختبر الأمر بنفسه، واتخذ الغرض الديني ستارا يستر به حقيقة غرضه. ونشرت (التيمس) في عددها الصادر في 7 من يناير سنة 1927 لأحد مراسليها نظرية تماثل هذه النظرية، ولا يبعد أن يكون ذلك الناقد هو نفس المراسل؛ ولقد أرسل مستر «هوجرث» كتابا إلى التيمس، ونشر في 12 من يناير سنة 1927 جاء فيه: «إن هذه النظرية لم يشر إليها مؤرخ واحد من الأقدمين، فضلا عن أن المرجحات تنابذها، فإن موقع سيوة لم يكن في يوم من الأيام ذا شأن خطير من الوجهة الحربية؛ أضف إلى ذلك أن الإسكندر على قدر ما نعرف لم يترك هنالك حامية، ولم يتخذ سيوة موضعا للاستكشاف أو الدفاع.» ا.ه.
أما إذا كان غرض الإسكندر من زيارة سيوة هو الغرض الذي ذكره ذلك الناقد، فليس من سبب لأن يهمل بطلميوس (وقد نقل عنه أريان) ذكره أو الإشارة إليه؛ كذلك لا تجد لهذا الأمر من ذكر في ما كتب مؤرخ من مؤرخي القدماء. وعندي أن نظرية هذا الناقد ومعها نظرية مراسل التيمس، إنما تدلان بجلاء على ناحية من الضعف، هي الرغبة في الظهور بمظهر القدرة على الاستقراء من بين السطور كل ما يخيل للمرء أنه كان من الممكن أن يجد محلا للذكر، وبخاصة في المواضع التي تتسع إلى تزويد القدماء بصفات ومناقب يتصف بها رجال القرن العشرين. وإن رجلا من رجال هذا العصر قلما يهزه غرض ديني خيالي إلى زيارة واحة سيوة، ولكن ذلك كان من أخلاق رجل أغريقي قديم، بله الإسكندر المقدوني. ولا شك في أن الإسكندر كان يريد أن يسوق نفسه في زمرة الأبطال، في عصر كانت البطولة طابعه الأول؛ لذلك أرى أن الباعث الذي ذكره معاصره «قلثنيس» في أن يعمل مثلما عمل سلفه «فرساوس» قبل الإقدام على مخاطراته ، فيه من نواحي الترجيح أضعاف ما في تلك النظرية التي ذكرناها. وكذلك لا يجب أن نغفل عن أن قول مراسل التيمس الذي أشرنا إليه من أن «كهانة» أمون كانت قد فقدت في عصر الإسكندر كل ما كان لها من جلالة في العالم الإغريقي، أمر يناقضه ما قرر في «بولي-ڤزوفا
» في مقال عنوانه «الأمونيون
Ammoneion »، كذلك ذكر أفلاطون في «القوانين» - وهو كتاب حرر قبل زيارة الإسكندر لهيكل أمون بعشرين سنة - الكهانات ذوات الشأن في العالم الإغريقي، فأحصى ثلاثا هي: (دلفي
Delphi ، ودودنا
Dodona ، وأمون
Ammon )، وذكر أنها موئل الذين يشعرون بالحاجة إلى النصح القدسي، بل كان لنا أن نعجب بحق إذا كان الإسكندر لم يزر أمون، ولم يلجأ إلى استيحائه، وهو بعد ذلك الإغريقي الأصيل دما وميولا، ما دام قد هبط مصر، وأصبح بمقربة من مهبط الوحي الأعلى. (عن إدون بيفن). (40) إكروسس
Crœsus (ملك لوديا
Lydia ) وأبوه الملك (ألياطس
Alyattes )، وقد خلفه أكروسس على العرش سنة 560ق.م فأخضع لحكمه (الأيونيين
Ionians )، (والأبوليين
Æolians )، وغيرهم من الشعوب المجاورة لمملكته، وفي أواخر عهده كان يحكم كل البلاد الواقعة بين شواطئ آسيا الصغرى الشمالية والغربية، حتى حدود «هالس
Halys » شرقا، وجبال «طوروس» جنوبا.
ويروي هيرودوتس أن الحكيم «صولون
Solon » استضافه، فأراه «إكروسس» خزائنه وكنوزه وأمواله، وقال لصولون إنه أسعد الناس، فأجابه صولون: «لا يعرف الإنسان أسعيد هو أم شقي حتى يموت.»
واستوحى مرة هاتف «دلفي
Delphi »، فغشته الكهانة هنالك، وأوحت إليه أنه سوف ينتصر على الفرس إذا حاربهم، فأعلن عليهم الحرب في سنة 546ق.م ولكن «قورش
Cyrus » هزمه شر هزيمة، وأخذه أسيرا، ثم حكم عليه بأن يموت حرقا، فلما وقف من فوق المحرقة، تذكر كلمات «صولون»؛ فصاح بكل قوة: «صولون! صولون!» وأراد قورش أن يعرف من ينادي! فلما سمع رواية صولون ألغى حكمه وقربه، وخصه بكثير من التشاريف . (41) فندارس
أعظم من نظم الشعر الغنائي من الأغارقة، ولد في «قونوسفاله
Cynosephalae » بالقرب من «طيبة» الإغريق
Thebes ، في سنة 522ق.م ومات في «أرغوس
Argos » سنة 443ق.م وأمضى أكثر أيام عمره في «طيبة»، ولكنه سلخ أكثر من أربع سنوات في بلاط «إييرون
Hieron » في سيراقوز، والمعروف عن حياته قليل، ولكن ما وصل إلى عصرنا من أشعاره يدل أنه طرق كل أبواب الشعر الغنائي، فلم يترك فيها موضعا لابتكار غيره من الشعراء الأقدمين. (42) إليا والإلياويون
Eleans
تعرف في اليونانية باسم «إليا
Elea »، وفي اللاتينية باسم
Helia or Velia ، وهي جزء من إغريقية الكبرى
Mgana Græcia
كان بها مدرسة فلسفية عظيمة الأثر في دوائر المعرفة القديمة؛ وأشهر فلاسفتها «فرمنيذيس
»، و«زينون
Zeno ». (43) إسبرطه والإسبرطيون
Spartans
إسبرطه أو «لاقيذيمونه
Lacedaemon »، مدينة إغريقية قديمة في مقاطعة «لاقونيا
Laconia »، وقد ظهرت عظمتها في تاريخ الحضارة اليونانية بعد أن شرع لها «لوكرغوس
Lycurgus » في القرن التاسع قبل الميلاد، وفي خلال القرنين السابع والثامن غزت «مسينيا
Messinia »، وكانت أقوى الدويلات الإغريقية المدينية في القرن السادس قبل الميلاد، وحكومتها عنوان الحكومات الأرستقراطية، وكان لها أثر رئيس في الحروب الفارسية قبل الإسكندر، كما أنها حاربت مع حلفائها مدينة أثينا في الحرب الفيلوبونية
، ثم أخذت بعد ذلك في الضعف والانحلال، حتى دخلت في حكم الرومان سنة 146ق.م. (44) أثينا والأثينيون
Athens and the Athenians
مدينة أثينا أخذت اسمها في الغالب من اسم أثينا إلهة الحكمة عند الإغريق، وقد نشأت هذه المدينة من حول «الأكروبول» الإغريقي والتلال المجاورة له، وأهمها تل «أريوفاغوس
Areopagus »، «وفنكس
»، وهي عاصمة إغريقية، وأكبر مدنها، وأعظم مدينة في «أتيكا
Attica » كلها، تقع على خمسة أميال منها، ميناؤها «بيراوس
»، (بيريه الآن)، وشهرتها تغني عن التعريف بها. (45) أريفيذس
Euripedes
ولد في «سلاميس
Salamis »، في يوم 23 من سبتمبر سنة 480ق.م في الغالب، ومات سنة 406ق.م وهو من أشهر من نظم المآسي من الأغارقة. أبوه «أمنيسارخوس
Mnesarchus » وأمه «إقليطون
Clieto »، والظاهر أنهما هجرا أثينا إلى سلاميس عقيب غزوة «إجزرسيز
Xerxes » الفارسي. ويقال إن الشاعر ولد في جزيرة سلاميس ليلة حدوث المعركة البحرية المعروفة باسمها في التاريخ. ودرس علم الطبيعة على «أنكساغوراس
Anaxagoras »، والبلاغة على «فروذيقوس
prodicus »، ولما بلغ الخامسة بعد العشرين من عمره ألف روايته المعروفة باسم «فلياذس
»، وهي أول رواياته التي مثلت على المسرح. ويقال إنه نال خمس جوائز في مباريات أدبية بين كتاب المآسي، أولاها سنة 441ق.م.
وهجر أثينا إلى بلاد «أرخيلاوس
Archelaus » ملك مقدونيا حوالي سنة 408ق.م وقيل إنه هجرها فرارا من سخرية الناس به عقيب ما كتب «سوفوقليس
Sophocles »، «وأرسطوفانس
Aristophanes » فيه، ومات في البلاط المقدوني.
وفي رواية لم تثبت صحتها: أنه مات بأن أطلق عليه «أريذاوس
Arrhidaeus »، و«إقرطياس
Crateuas » - وهما شاعران مقدونيان كان يناظرهما - طائفة من كلاب الصيد تركته مزقا، فاحتفل الملك «أرخيلاوس» بدفنه احتفالا فخما عظيما، ورفض أن يسلم جثته لأهل أثينا. وكتب 75 رواية لم يصلنا منها إلا 18، وقد ترجمت إلى كثير من اللغات الحية، ما عدا العربية مع أشد الأسف. (46) فرساوس
في الميثولوجيا الإغريقية بطل أبوه «زيوس
Zeus »، أو «ذانايه
Danæ » قتل الغرغونة «مديوسا
Gorgon Medusa »، ثم خلص بعد ذلك «أنذروميذا
Andromeda » (المرأة المسلسلة) من وحش بحري أريد بها أن تكون فريسة له، وذلك في قصة خرافية طويلة، ليس هنا مكان سردها. (47) هيرقليس (أو) هرقوليس
Herakles (or) Hercules
في الميثولوجيا اليونانية والرومانية، بطل أيد ذو مرة، منشؤه الأساطير اليونانية، وانتحله الرومان ثم عبدوه على أنه إله القوة الجسمانية والشجاعة، وما يمت إليهما من الصفات. وتنص العبارات الميثولوجية على أن أباه «زيوس
Zeus » عند اليونان، و«يوبيتر
Jupiter » عند الرومان، أراد أن يعده لأن يكون سيدا وملكا على «طيرنس
Tiryas » وراثة عن أمه «ألقمينة
Alemene » حفيدة «فرساوس»، ولكنه منع من ذلك بتدخل «هيرا
Hera » الإلهة اليونانية، وتسمى عند الرومان «يونو
Juno ».
وبعد أن قام «هيرقليس» بأعمال من البطولة خارقة للعادة في مدينة «طيبة» الإغريق، وافقت «هيرا» على أن يمنح الخلود، وفي كتب الميثولوجيا تعداد هذه الأعمال مفصلة.
ولقد اعتقد النقاد منذ زمان، أن «هيرقليس» عند الرومان واليونان هو نفس إله الشمس عند الفينيقيين، وزادوا إلى ذلك أن الفينيقيين انتحلوا هذا الإله عن الأكاديين
Accadians
في بابل، فلا عجب إذن إذا قضينا بأن أسطورة «أفروديت وأدونيس
Aphrodite and Adonis » اليونانية، إنما تنظر إلى أسطورة عشتار
Istar ، وتموز
Tammuz
الكلدانية، كما تنظر أسطورة هيرقل إلى أسطورة «غشدوبار
Gisdhubar »، فإن كثيرا من أعمال البطولة التي تنسب إلى الأول تروى منسوبة إلى الثاني، مع اختلاف المكان، وقليل من التفاصيل. (48) قلثنيس
Callisthenes
فيلسوف يوناني ولد بمدينة «أولنثوس
Olynthus » في مقدونيا، ومات سنة 328ق.م وهو من ذوي قرابة أرسطوطاليس وتلاميذه، وممن رافقوا الإسكندر المقدوني إلى آسيا؛ ولقد تنبأ بسوء منقلب الإسكندر وجاهر بذلك، فلا يبعد أن يكون قد قتل بأمر من الملك. (49) فرطنيوم
أو أمونيا
Ammonia
إشارة إلى علاقتها بمعبد أمون المقدس، وكانت مدينة عظيمة على شاطئ أفريقيا الشمالي، تابعة لمصر سياسيا، وكانت هذه المدينة في الغرب، وفلوسيوم في الشرق تسميان: «قرنتا مصر
Cornua Ægypti »، وقد صاغ الشعراء من اسم المدينة «نعتا
» لاستعماله في معنى عام للدلاة على كل ما هو مصري. (50) ديوذورس
Diodorus
ويكنى «سقيولوس
Siculus » من «صقلية
Sicily » عاش في النصف الأخير من القرن الأول من الميلاد، وهو مؤلف إغريقي عظيم، ألف كتابا في التاريخ يقع في أربعين مجلدا وسماه: «المكتبة التاريخية
Historical Library »، ويبدأ بحوادث سنة 1138ق.م.
ويمكن الوقوف على أقسامه من المراجع الكبرى، كدائرة المعارف البريطانية، وموسوعة «سنشوري» للأسماء. (51) الإبل في حملة سيوة
خلق المؤرخ «مهفي» مشكلة تتعلق بهذه الرحلة لم يكن لها وجود من قبل، قال: «مما يلاحظ بعجب أن المؤرخين لم يذكروا أن الجمل قد استعمل كدابة من دواب الحمل، والسفر في هذه الرحلة.» وأراد أن يعلل هذا الأمر؛ فزعم أن الجمل لم يكن قد عرف في مصر كحيوان مستأنس في ذلك العهد، وفي قوله هذا دليل قاطع على أنه لم يطلع على ما كتب المؤرخ كيرتيوس (ف4 ص7-12):
Aqua etiam defecerat, quam utribus cameli vexerant.
عن إدون بيفن (52) ظواهر إعجازية في حملة سيوة
روى «ماسبيرو» عبارة تضمنت أمرا عجبا عن رحالة في القرن التاسع عشر اسمه «بايل سانت جون» زار سيوة في سنة 1847، فقد ضل ورفقاؤه في عرض الصحراء، ولم يتيسر لهم الاهتداء إلى الدرب، وقد تراكمت عليه الرمال وحجبته، قال: «وبينما نحن في حيرتنا وشكنا، رأينا غرابين حوما في الهواء هنيهة، ثم اتجها نحو الجنوب الغربي؛ فلو كنا في عصر راجت فيه الأساطير والخرافات، إذن لاتخذنا من هذا الحادث عبرة، واتجهنا في أثر الغرابين، معتقدين أنهما من أعقاب الغرابين اللذين تروي التقاليد القديمة أنهما - في حالة مثل هذه - قادا زحف الإسكندر، وخلصاه من مهلكة الصحراء وتيهها الموحش، ولو أننا تبعناهما لما ضللنا الطريق، غير أننا لم نتبع وحي خيالنا، وظللنا ننتظر عودة الدليل الذي استطاع أن يهتدي بذلك ، إلى أمثل طريقة يرجع فيها عن خطئه.» (كتاب مخاطرات في صحراء لوبيا، طبع سنة 1849 ص69)، (عن إدون بيفن). (53) بطلميوس بن لاغوس
جرى الكتاب على أن يقولوا البطالسة، والحقيقة البطالمة، وأن يقولوا بطليموس، والحقيقة بطلميوس، بحسب ترتيب الأحرف الأصلية للاسم، فإن «السين
S » حرف ليس من بنية الاسم، بل هو علامة إعراب تضاف إلى الأسماء في حالة الرفع؛ أضف إلى ذلك أن الاسم يرسم هكذا
بتقديم «الميم
M » على الياء، والرومان يقولون:
باعتبار «السين
S » كالضمة في العربية، فحذف المعربون عند الجمع الحرف الأصيل وهو الميم، وأبقوا علامة الإعراب وهي «السين
S »، فالواجب إذن أن نقول: بطلميوس والبطالمة، لا بطليموس والبطالسة. أما إذا أردنا أن نتحرى الدقة التامة، وجب أن نقول فطلميوس والفطالمة؛ ذلك بأن الحرف
يقلب «فاء» عند التعريب باطراد، كما في «أفلاطون
»، و«فيثاغورس
» كلما أردنا تعريب اسم يوناني أو اسم روماني أصله يوناني. (54) العصر الصاوي
The Saite Epoch
نسبة إلى مدينة «سايس» أو «صان
Sais »، وتقع على فرع رشيد النيلي بالقرب من الخط 31 من خطوط الطول، ولا تزال خرائبها بينة المعالم للآن بالقرب من قرية «صا الحجر»، وكانت في العصر القديم من أعظم المدن التجارية، كما كانت مقرا للعلوم، وكانت لعهد ما عاصمة الوجه البحري، وفيها حكم الملوك «الصاويون» أو «الأسر الصاوية» (وهي الأسر 24 و26 و28)، وكان «نيث
Neith » إلهها الخاص. (55) دلفي
Delphi
قرية قديمة كانت تقوم مكان قرية «كستري
Kastri » الحديثة، وهي في الجغرافية القديمة إحدى مدن «فوقيس» بإغريقية، على ستة أميال من الخليج القورنثي عند سفح جبل «فرناسوس
»، وكانت مقرا لكهانة «أبولون الفوثي
»، وأشهر كهانات الدنيا القديمة قاطبة، ويرجع تأسيسها إلى عصر ما قبل التاريخ؛ فلا يتيسر اليوم تعيين الزمان الذي بدأت فيه كهانة «دلفي» في الوجود ، ولقد ظلت ذات أثر بين طوال عصور التاريخ القديم حتى أمر الإمبراطور «ثيودوسيوس
Theodosius » بإلغائها في القرن الرابع بعد الميلاد، وكانت من أغنى الأماكن الدينية في العالم القديم، أما الآن فقد زالت معالم المعبد، ولكن المنقبين أخذوا في الكشف عنه منذ سنة 1892، ولما بدءوا الحفر ألفوا أن الكشف عن المعبد عسير؛ لأن مباني القرية الحديثة تقوم من فوقه، فنقلت القرية من مكانها، وبذلك تسنى للمنقبين الكشف عن الهيكل، فعثر على معبد «لأبولون
Apollo »، ومسرح كبير، ودار للندوة مع كثير من الآثار الفنية النادرة، وعدد من التماثيل لا يقوم بثمن. (56) برنخيذا
Branchidæ
في الجغرافية القديمة بلدة صغيرة في مقاطعة «سجديانا
Sogdiana »، ويقال إن كهنة «أبولون ديذيمايس
Apollo Didymaeus » بنوها بالقرب من «مليطوس
Miletus »، وهدمها الإسكندر الأكبر.
أما هيكل «أبولون ديذيمايس» فأعيد بناؤه من بعد ذلك، ووضع تصميمه عن سعة، حتى إنه لم يكمل بناؤه بالرغم مما بذل فيه من جهد، فقد كان 168 قدما عرضا، و362 قدما طولا، أي 50,40 × 8,60 مترا.
أما إطلاق اسم «برنخيذا
Barnchidæ » على مكان، فغريب؛ فإنه اسم أسرة كهنوتية توارثت الكهانة في هذا المعبد. وفي التقاليد المنقولة أنهم يرجعون إلى جد اسمه «برنخوس
Branchus » أصله من «تساليا
Thessaly »، أو من «دلفي»، وأنه كان أول من أسس كهانة في ذلك المعبد. (57) أسطورة الإسكندر
The Romance of Alexander
كان من الطبيعي أن تلفت شخاصة الإسكندر الأنظار إليه، بعد أن استطاع بغزواته وحروبه أن يهز أرجاء العالم القديم؛ لهذا تجد أن أسطورة الإسكندر قد كتبت وذاعت في كل لغات الدنيا القديمة من الهند إلى بحر الظلمات، ولكنها جميعا مستمدة من أصل إغريقي انتحل خطأ على «قلثنيس»، ولقد ظهر بعد أن هذه الخرافة كتبها في مصر من يدعى «إيسوفس
Aisops » في خلال القرن الثاني بعد الميلاد، غير أن هذا الكتاب أو القصة ليست إلا نتفا متفرقة جمعت بين التاريخ والأسطورة، بل تضمنت قصصا خرافية أصلها بابلي. وفي النسخة الفارسية نص على أن الإسكندر ابن «دارا»، ثم انتقل بعد ذلك فصار نبيا، يعمل على هدم الأوثان وتقويض الوثنية، ثم أصبح عند كهان النصارى ناكسا قديسا.
وقد نقلت هذه الخرافة إلى أوروبا عن طريق هذا الكتاب، لا عن طريق الرواية التي رواها «كنتوس كيرتيوس»، وهي أقل تطوحا مع الأساطير من الأولى، فقد ترجم رواية «قلثنيس» (المنتحلة عليه) مترجم روماني اسمه «يوليوس واليريوس
Julius Valerius » في نهاية القرن الثالث واقعة في أجزاء، ففي الجزء الأول رواية مولده، ومخاطراته في شبابه، وفيه أن خطر الإسكندر وقدره العظيم إنما يعودان إلى أن أباه في الحقيقة «نقطانيبو
Nectanibo » آخر ملوك الفراعنة الذي طرده الفرس من بلاده، وكان من كبار السحرة بحيث يستطيع أن يجبل من الشمع صورا لجيوش أعدائه وأساطيلهم، ويستطيع بسحره أن يوجه حركاتهم كيفما يشاء، فلما طرد فر إلى «فلا
» في مقدونيا، وأخذ يمارس «الهلج
Astrology »، فاستقدمته «أولمبياس
Olympias » (أم الإسكندر) إليها، وكانت عاقرا لا ولد لها، فوعدها بأن «زيوس» «أمون» سوف يزورها متقمصا صورة أفعوان، ثم استخفى «نقطانيبو» في هذه الصورة، وخالطها فولدت الإسكندر، ولكن الشك أكل صدر الملك «فيلبس» زوجها، ولم يؤمن بصحة ما سمع إلا بعد أن تجلى له الأفعوان مرة أخرى، وأشيعت بنوة الإسكندر للإلهين العظيمين.
وكان الإسكندر ضعيف الجسم، ولكنه كان عظيم الشجاعة، موفور الذكاء، فلما بلغ الثانية عشرة من عمره شرع «نقطانيبو» يعلمه فن النجوم، ولكنه مات بعد أن وقع في غور، يقال إن الإسكندر رماه فيه مازحا. وفي هذا الجزء رواية عن غزواته في إيطاليا، وإفريقية، وآسيا الصغرى، ثم رجوعه إلى «مقدونيا»، وإخضاع إفريقية. وفي الجزء الثاني ذكر لبقية غزواته. وفي الثالث ذكر انتصاره على «فورس
»، وعلاقاته بالبراهمة، وكتابه إلى أرسطوطاليس الذي يروي فيه عجائب الهند، والأمازونات (النساء المحاربات)، وكتابه إلى «أولمبياس» (أمه) عن عجائب آسيا الصغرى؛ وفي النهاية عبارات عن موت الإسكندر في بابل. (58) آلهة الهند
The Gods of India
العبارة التي وردت في المتن عن تضحية الإسكندر لبعض من آلهة الهند، منقولة عن العلامة «إدون بيفن»، وقد يستفاد منها أحد أشياء ثلاثة: (1)
أن الإسكندر قد ضحى لآلهة من الهند قبل هبوطه معبد «آمن»، فسئل عن سبب ذلك. (2)
أنه ضحى لبعض من هذه الآلهة بعد عودته من زيارة معبد «آمن»، فأرسل إليه الهاتف يستوضحه سبب ذلك. (3)
أن الإسكندر ضحى للآلهة الهندية عندما عزم على غزو الهند بعد غزوه بلاد فارس، فلما مات قائده «هفسطيون» أرسل إلى المعبد الأقدس رسلا ليسأل هل يجوز أن يعبد هفسطيون على أنه إله، ورد عليه الهاتف بأنه يجوز عبادته كبطل؛ أرسل مع هذا الرد سؤالا يستوضح فيه الإسكندر السبب الذي من أجله ضحى لبعض آلهة الهند.
والواقع أنه لا يستفاد من فحوى العبارة غير وجه من هذه الوجوه الثلاثة؛ ويجب أن نعلم أن السبب في استيضاح «آمن» يرجع إلى القول بأن الإسكندر ابنه، فلا يجوز أن يضحي لغيره. (59) هفسطيون
Haephastion
كان هفسطيون من القواد المقربين من الإسكندر، بل كان و«أومينس
Eumenes » أكثر رجاله قربا من قلبه، ولما كان الإسكندر في «إقبطانة
Ecbatana » حم «هفسطيون»، وعاجلته المنية، وفي رواية دائرة المعارف البريطانية (452-11 ط14) أن الإسكندر زوجه من «ذريفيطس
Drypetis » أخت زوجة الإسكندر «إسطاطيره»، وفي رواية «جروت
G. Grote » (تاريخ اليونان 175-180-12) أنه لما مات «هفسطيون» حزن الإسكندر لموته أشد الحزن حتى لقد أمر بقتل الطبيب «غلوقياس»؛ لأنه لم يحسن علاجه، وأنفق على جنازته والاحتفال بإحراق جثته 10000 طالنطن، (أي 2300000 جنيه)، وأرسل رسلا إلى هاتف «أمون» يسأل إذا كان من الجائز أن يعبد «هفسطيون» على أنه إله، فكان جواب «أمون» أن عبادته تجوز على أنه بطل
Hero ، وهو نوع من العبادة أقل منزلة من عبادة الآلهة، فسر الإسكندر بذلك، وأمر أن تقام له الهياكل والمحاريب، وشيدت له مقصورة أو مقدس في الإسكندرية و«فلا
» بمقدونيا، وربما تكون قد شيدت هياكل أخر في غيرهما من المدن. ويقول «جروت»: إن مجموع ما أنفق على جنازة «هفسطيون» ببابل، والاحتفالات التي أقيمت لإحراق جثته بلغ 12000 طلانطن (أي 2760000 جنيه إنجليزي)، ولا يبعد أن يكون الإسكندر قد ضحى لآلهة الهند في أثناء ما أقام من احتفالات في جنازة هفسطيون، وهذا ليس بالشيء البعيد على عقلية الإسكندر. (60) هوجرث
D. G. Hogarth
عالم إنجليزي اختص بدرس الآثار القديمة، ولد في 23 من مايو سنة 1862، وكان أبوه من رجال الكنيسة، ومات بأكسفورد في 6 من نوفمبر من سنة 1927، وكان رئيسا للجمعية الجغرافية الملكية سنة 1925، وأمينا للمتحف الأشمولي سنة 1909.
ولم يقتصر نبوغه على العلم وحده، بل كان رجل عمل وكفاح، ويكفي أن نعرف أنه كان رئيسا للمكتب العربي بالقاهرة في أثناء الحرب العظمى.
أما أعماله العلمية، فقد انحصرت في مؤلفاته مضافا إليها بحوثه الأثرية في البلاد الحافة بشرقي البحر المتوسط، ومنها: قبرص، ومصر، وأفسوس، وقرشميش، وأقريطش (كريت) من سنة 1887 إلى سنة 1907.
وفي سنة 1915 أوفد إلى مصر بطلب خاص من مدير المخابرات البحرية البريطانية، ومنح رتبة مؤقتة في الجيش؛ ليشرف على مصير العلاقات مع زعماء العرب، تلك العلاقات التي كان الغرض منها قيام الثورة العربية ضد العثمانيين. وفي سنة 1916 شرع في وضع مشروع للأسس التي يقوم عليها المكتب العربي في القاهرة، مستعينا بعدد من الرجال الأفذاذ أمثال «جرترودبل»، و«مارك سايكس»، و«كولونيل لورنس» المعروف، وغيرهم من العظماء.
وقفل راجعا إلى لندن ليدرس أحوال العرب ومشكلات الشرق الأوسط، ثم هبط القاهرة ثانية في أواخر سني الحرب، وفي سنة 1919 كان مندوبا عن بريطانيا لرياسة لجنة الشرق الأوسط في مؤتمر الصلح بباريس.
ومن مؤلفاته: (1)
A Wondering Scholer in the Levant (1896). (2)
(1897). (3)
The Nearer East (1902). (4)
The pectration of Arabia (1904). (5)
Carchemish 1 (1914). (6)
The Wandering Scholer (1925). (7)
Kings of the Hittites (1926). (61) ذو القرنين
الذي نعرفه أن ذا القرنين الذي ذكر في القرآن الكريم عربي يمني وليس الإسكندر المقدوني. وأذكر أني اطلعت مرة أن ملكا من ملوك حمير يسمى الصعب، ويلقب بذي القرنين، وذلك في كتاب التيجان لابن هشام، وبرواية وهب بن منبه؛ ولما كنت غير متحقق من ذلك كتبت للأستاذ «ا. ه. ر. جب
A. H. R. Gibb » كتابا استوضحه فيه هذا الأمر، فأجاب حفظه الله بما يأتي:
أظن الكلمة التي تعنيها في شأن ذي القرنين، والتبع الصعب هو ما كتب الأستاذ «نكلسون
Nicholson » في كتاب «تاريخ أدب العرب» ص17، ولا أعرف من ذكر ذلك من مؤلفي العرب غير اليمنيين مثل نشوان بن سعيد الحميري في كتاب «شمس العلوم»، وقد قال هذا ما نصه: الصعب اسم ذي القرنين السيار، قال لبيد:
لو كان حي بالحياة مخلدا
في الدهر خلده أبو يكسوم
والصعب ذي القرنين أصبح ثاويا
بالحنو في جدث هناك مقيم
وعن علي بن أبي طالب وابن عمه عبد الله بن عباد (رضي الله عنهما) أن ذا القرنين السيار هو الصعب بن عبد الله بن مالك بن زيد بن سدد بن حمير الأصغر، وقد أوضحت في كتاب «القاف» أن ذا القرنين الذي بنى سد يأجوج ومأجوج هو تبع الأقرن. ا.ه.
غير أن ذيوع أسطورة الإسكندر التي شرحنا طرفا منها قبل، يجعل البحث في هذا الأمر والقطع فيه برأي من أصعب الأمور. (62) أرسطوبولس
Aristobulus
أحد قواد جيش الإسكندر الأكبر، وقد كتب تاريخا لغزواته الآسيوية، وعاش في القرن الرابع قبل الميلاد.
هوامش
صفحة غير معروفة