عدد بسيط من شعب مصر، لا يتجاوز السبعين نفرا من رجال الصاعقة المصرية، تصدوا لجيش عرمرم من القبارصة الأبالسة المدججة بشتى صنوف الأسلحة أشكالا وألوانا، والمحتمين داخل دباباتهم وخلف مدافعهم .. وقد ظن أولئك القراصنة السكعاء الرقعاء، أن الطعم سهل والصيد ضعيف وأن الخدعة أثمرت .. ولكن مصر العظيمة خيبت أملهم، فضربتهم ضربة قاصمة هزت كيانهم وزلزلت أركانهم وخلعت عليهم الخنوع والمذلة، وجعلت العار نصيبهم، وكشفت خستهم ودناءتهم ووضاعتهم، وأظهرتهم على حقيقتهم وسط دول العالم المتمدين المتحضر.
ماذا فعلت القلة المصرية أمام الكثرة القبرصية؟
كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله
صدق الله العظيم .. لقد صمدت القلة وقاومت وضربت وأبلت بلاء حسنا وعاد العدد الأكبر منها سليما، على وجوههم ابتسامة الرضا والقناعة بحسن الأداء وقوة البلاء وروعة الفداء.
ليس ما قام به رجال الصاعقة المصريون حدثا جديدا، أو أول حدث من نوعه في تاريخ مصر .. وليس أمرا حديثا عليها أو مستغربا أن يصدر عنها وينسب إلى أبنائها .. فما قام به رجال الصاعقة المصريون قام بعشرات أمثاله رجال القوات المسلحة المصرية في حرب أكتوبر الطاحنة .. يوم أن دكوا حصون خط بارليف المنيع؛ الذي ظن الإسرائيليون والعالم كله أنه سيزهو على خط ماجينو وخط سيجفريد. ماذا فعل به جنود مصر البواسل الضراغيم؟ ركبوه كما يركب الفارس الماهر ظهر جواده المطيع:
فخر مضرجا بدم كأني
هدمت به بناء مشمخرا
وبذا دخل المصريون في أعماق الصحراء وأصلوا جيوش إسرائيل نارا حامية لم يعهدوها من قبل، ولم يسبق لهم أن رأوا مثلها أو فطنوا إلى وجود مثلها شراسة وقوة واقتدارا.
ألم يبلغك ما فعلته كفي
بكاظمة غداة لقيت عمرا؟
صفحة غير معروفة