لقد سلم كتاب ـ[المرآة]ـ من التدمير والتخريب الشاملين اللذين طالا تراثنا قاطبة بما في ذلك، بل وخصوصا، تراثنا المكتوب، لأن حمدان خوجة نشره بباريس باللغة الفرنسية سنة ١٨٣٣، إنه كتاب يمكن، بل يجب قراءته بصفته شهادة على الغزو الإستدماري وإدانه لما كان عليه منذ مهلته الأولى: أي عملية إبادة للحضارة والتمدن لا يمكن أن تنجح إلا بفناء ساكنة الجزائر وإبادتها.
إلا أنه لا ينبغي قراءة كتاب ـ[المرآة]ـ بصفته بيانا مناهضا للاستعمار وكفى.
فبالنسبة لهذا الكرغلي المنتمي الى الأقلية الحاكمة التركية، الذي سافر إلى أوروبا والذي كان يحسن الفرنسية والانجليزية، إذا كان الاحتلال الفرنسي أمرا سلبيا على الإطلاق، فإن الإطاحة بالداي حسين. بفعل الاجتياح العسكري الفرنسي، يمكن أن تكون لها آثار إيجابية من حيث أنها تفتح المجال أمام إمكانية تحديث المجتمع الجزائري وانبعاثه وفق نمط الدولة الوطنية.
إن مسعى حمدان خوجة وفكره السياسي في مجملهما. إلى غاية ذهابه إلى المنفى باسطنبول سنة ١٨٣٦ والتحاقه بالرفيق الأعلى سنة ١٨٤٢، كان يرومان تحقيق هدف ذي أبعاد ثلاثة، إعادة رسم استقلال الجزائر على أساس إقامة دولة وطنية ومباشرة حوار مع فرنسا يضع حدا لمواصلة حرب الإبادة ومباشرة تحديث المجتمع الجزائري.
إن حمدان خوجة، بعيدا عن بعض ما نشهده حاليا من تخوفات وتشنجات، لا يخشى التحديث هذا، خاصة عنى المستوى الفكري والسياسي، بل إنه ينشده، ويتطلع إليه ولايعتبر تحقيقه صعبا مستعصيا: (وفي أثناء رحلتي إلى أوربا، درست مبادئ الحرية الأوروبية التي تشكل أساس الحكم التمثيلي والجمهوري، ووجدت أن هذه المبادئ كانت تشبه المبادئ الأساسية لشريعتنا إذا استثنينا فارقا بسيطا في التطبيق، وعليه فكل من يدرك الشريعتين إدراكا صحيحا يستطيع الموافقة بينهما.
1 / 4