وانتهزت فرصة ذهاب المدام إلى بعض شأنها فقالت بحزن: هنا الحب والتعليم والنظافة والأمل.
أدركت أشجانها. لقد هاجرت مثلها مع والدي من القرية. وأحببت القرية مثلها ولكني ضقت بالعيش فيها. وعلمت نفسي كما تود أن تفعل. ورميت مثلها بتهمة باطلة فقال أقوام إني أستحق القتل. ومثلها فتنني الحب والتعليم والنظافة والأمل.
الله أسأل أن يجعل حظك أسعد من حظي يا زهرة. •••
دنا الخريف من نهايته، ولكن جو الإسكندرية يسير على هواه. وقد أنعمت بركاته علينا بصباح مضيء دافئ، فابتهج ميدان الرمل تحت أشعة الشمس الهابطة من سماء صافية الزرقة. ابتسم إلي محمود أبو العباس بائع الجرائد وأنا أقف أمام معرضه الملون بأغلفة المجلات والكتب، ابتسم وقال لي: سعادة البك!
ظننت أن ثمة خطأ في الحساب. نظرت إليه متسائلا وهو قائم أمامي بجسمه الفارع فقال: سعادتك تقيم في بنسيون ميرامار؟
أجبت بهزة من رأسي فقال: لا مؤاخذة، توجد في البنسيون بنت اسمها زهرة؟
أجبت بانتباه مفاجئ: نعم. - أين أهلها؟ - لكن لماذا تسأل؟ - لا مؤاخذة، أريد أن أخطبها.
فكرت قليلا ثم قلت: أهلها في الريف، وأظنها على خلاف معهم، هل فاتحتها في الأمر؟ - إنها تجيء أحيانا لشراء الجرائد ولكنها لا تشجعني على الكلام.
وزار المدام مساء اليوم نفسه ليطلب يد زهرة. وخاطبت المدام زهرة في الأمر بعد ذهابه. ولكنها رفضته بلا تردد ولا تفكير. ولما أعادت على مسمعنا - أنا وطلبة - الحكاية، قال الرجل: لقد أفسدتها يا ماريانا، نظفتها ولبستها ملابسك، وها هي تختلط بالشبان الممتازين فتلعب بعقولها الأحلام، وليس لذلك كله إلا نهاية محتومة واحدة.
وفي خلوتنا اليومية - عندما جاءتني بقهوة العصر - تحادثنا في الموضوع. قلت لها: كان يجب أن تفكري في الأمر.
صفحة غير معروفة