============================================================
2167 ربع العبادات (حتاب أسرار الز حاة ومهماتها فلا فائدة في مخالفة داعي البخل وإجابة داعي الرياء، ثم في الإظهار إذلال للفقير وهتك لستر عفافه وصيانته، وربما قال قائل: إذا أخفيث الزكاة اتهمت في الإخراج! فالجواب: أن الآخذين تختل أحوالهم؛ فمنهم من لا يبالي إذا أعطي بين الجماعة، ومنهم من ينقبض عن ذلك لعلو همته، فيكفي في اشتهار إخراجك اظهار ما تعطي لمن لا يستنكف عن الإظهار، فلا ينبغي التعلل لطلب الرياسة بالاعطاء بهذه العلة، فالناقد بصير، فإن قال قائل: استحياء الفقير من أخذ الزكاة نوع كبر فلا يلتفت إليه. فالجواب: إن الشرع لا ينكر على ذي المروة عفافه وتصونه، ولهذا قال الله تعالى: وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ([البقرة: 271] . وقال بشر الحافي: تعطون بالليل وتتحدثون بالنهار!
الرابعة: أن يظهر الإخراج إما حيث يعلم أن في الإظهار ترغيبا للناس في الاقتداء ثم يحرس قلبه عن الرياء، أو لأن السائل إنما سأل في ملأ من الناس، فهذا قد هتك بالسؤال ستر نفسه، فلا وجه لتغطية حاله.
والخامسة: أن لا يفسد صدقته بالمن والأذى، والمن على الفقير أن يقول له: قد أحسنت إليك ونعشتك(1). وأما الأذى، فمثل أن يقول له: أنت أبدأ فقير! وقد بليت بك! وأراحني الله منك !
واعلم أن منبع المن أن يرى الإنسان نفسه محسنا إلى الفقير ومنعما عليه، ولو حقق النظر لرأى الفقير محسنا إليه بقبول حق الله الذي هو ظهرة له ولو كان على الإنسان دين لإنسان فأحال به عبده الذي هو متكفل برزقه، فاعتقد مؤدي الدين أن القابض تحت منته كان سفيها؛ لأن المحسن إليه هو المتكفل برزقه لا مؤدي الدين، ومن عرف ما ذكرثا في فهم وجوب الزكاة لم ير نفسه محسنا إلا إلى نفسه إما ببذل ماله لحب الله، أو لتطهير نفسه عن رذيلة، أو لشكر نعمة المال، فلا يبقى بينه وبين الفقير معاملة، ولا يكون لطلبه شكره أو مكافأته وجه .
فأما منبع الأذى فأمران: (1) يقال: نعش فلان فلاتا، آي: جبره بعد فقر.
صفحة ١٦٧