ومحتاج إلى تلك الجهة (1).
وذهب آخرون إلى أن الله تعالى لا يقدر على مثل مقدور العبد، وآخرون إلى أنه لا يقدر على عين مقدور العبد، وذهب الأكثر منهم إلى أن الله تعالى يفعل القبائح: وأن جميع أنواع المعاصي والكفر وأنواع الفساد واقعة بقضاء الله تعالى وقدره، وأن العبد لا تأثير له في ذلك، وأنه لا غرض لله تعالى في أفعاله، ولا يفعل لمصلحة العباد شيئا، وأنه تعالى يريد المعاصي من الكافر ولا يريد منه الطاعة، وهذا يستلزم أشياء شنيعة:
منها: أن يكون الله تعالى أظلم من كل ظالم: لأنه يعاقب الكافر على كفره، وهو قدره عليه، ولم يخلق فيه قدرة على الإيمان، فكما أنه يلزم الظلم لو عذبه على لونه وطوله وقصره - لأنه لا قدرة له فيها - كذا يكون ظالما لو عذبه على المعصية التي فعلها فيه.
ومنها: إفحام الأنبياء وانقطاع حجتهم، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا قال للكافر: " آمن بي وصدقني "، يقول له: " قل للذي بعثك يخلق في الإيمان أو القدرة المؤثرة فيه، حتى أتمكن من الإيمان فأومن، وإلا فكيف تكلفني الإيمان ولا قدرة لي عليه، بل خلق في الكفر، وأنا لا أتمكن من مقاهرة الله تعالى "، فينقطع النبي ولا يتمكن من جوابه، ومنها: تجويز أن يعذب الله تعالى سيد المرسلين على طاعته، ويثيب إبليس على معصية، لأنه يفعل (الأشياء) (2) لا لغرض، فيكون فاعل الطاعة سفيها: لأنه يتعجل من الاجتهاد في العبادة، وإخراج ماله في عمارة المساجد والربط والصدقات من غير نفع يحصل له: لأنه قد يعاقبه على ذلك، لأنه، ولو فعل - عوض ذلك - ما يلتذ به ويشتهيه من أنواع المعاصي قد يثيبه، فاختيار الأول يكون سفها عند كل عاقل، والمصير إلى هذا المذهب يؤدي إلى خراب العالم واضطراب أمر الشريعة المحمدية (3).
صفحة ٤٠