شرح النووي على صحيح مسلم
الناشر
دار إحياء التراث العربي
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٣٩٢
مكان النشر
بيروت
وَجَدْنَاهُ عَلَيْهِ لَمْ نَعُدْ لِقَبُولِهِ بِتَوْبَةٍ تَظْهَرُ وَمَنْ ضَعَّفْنَا نَقْلَهُ لَمْ نَجْعَلْهُ قَوِيًّا بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ وَذَلِكَ مِمَّا افْتَرَقَتْ فِيهِ الرِّوَايَةُ وَالشَّهَادَةُ وَلَمْ أَرَ دَلِيلًا لِمَذْهَبِ هَؤُلَاءِ وَيَجُوزُ أَنْ يُوَجَّهَ بِأَنَّ ذَلِكَ جُعِلَ تَغْلِيظًا وَزَجْرًا بَلِيغًا عَنِ الْكَذِبِ عَلَيْهِ ﷺ لِعِظَمِ مَفْسَدَتِهِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ شَرْعًا مُسْتَمِرًّا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِخِلَافِ الْكَذِبِ عَلَى غَيْرِهِ وَالشَّهَادَةِ فَإِنَّ مَفْسَدَتَهُمَا قَاصِرَةٌ لَيْسَتْ عَامَّةٌ قُلْتُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِلْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْمُخْتَارُ الْقَطْعُ بِصِحَّةِ تَوْبَتِهِ فِي هَذَا وَقَبُولِ رِوَايَاتِهِ بَعْدَهَا إِذَا صَحَّتْ تَوْبَتُهُ بِشُرُوطِهَا الْمَعْرُوفَةِ وَهِيَ الْإِقْلَاعُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ وَالنَّدَمِ على فعلها والعزم على أن لايعود إِلَيْهَا فَهَذَا هُوَ الْجَارِي عَلَى قَوَاعِدِ الشَّرْعِ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى صِحَّةِ رِوَايَةِ مَنْ كَانَ كَافِرًا فَأَسْلَمَ وَأَكْثَرُ الصَّحَابَةِ كَانُوا بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ فِي هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ الثَّالِثَةُ أنه لافرق فِي تَحْرِيمِ الْكَذِبِ عَلَيْهِ ﷺ بَيْنَ مَا كَانَ فِي الْأَحْكَامِ وَمَا لَا حُكْمَ فِيهِ كَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَالْمَوَاعِظِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَكُلُّهُ حَرَامٌ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَأَقْبَحِ الْقَبَائِحِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يُعْتَدُّ بِهِمْ فِي الْإِجْمَاعِ خِلَافًا لِلْكَرَّامِيَّةِ الطَّائِفَةِ الْمُبْتَدِعَةِ فِي زَعْمِهِمُ الْبَاطِلِ أَنَّهُ يَجُوزُ وَضْعُ الْحَدِيثِ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَتَابَعَهُمْ عَلَى هَذَا كَثِيرُونَ مِنَ الْجَهَلَةِ الَّذِينَ يَنْسُبُونَ أَنْفُسَهُمْ إِلَى الزُّهْدِ أَوْ يَنْسُبهُمْ جَهَلَةٌ مِثْلُهمْ وَشُبْهَةُ زَعْمِهِمُ الْبَاطِلِ أَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا لِيُضِلَّ بِهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا كَذِبٌ لَهُ ﵊ لَا كَذِبٌ عَلَيْهِ وَهَذَا الَّذِي انْتَحَلُوهُ وَفَعَلُوهُ وَاسْتَدَلُّوا بِهِ غَايَةَ الْجَهَالَةِ وَنِهَايَةِ الْغَفْلَةِ وَأَدَلُّ الدَّلَائِلِ عَلَى بُعْدِهِمْ مِنْ مَعْرِفَةِ شَيْءٍ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ وَقَدْ جَمَعُوا فِيهِ جُمَلًا مِنَ الْأَغَالِيطِ اللَّائِقَةِ بِعُقُولِهِمُ السَّخِيفَةِ وَأَذْهَانِهِمُ الْبَعِيدَةِ الْفَاسِدَةِ فَخَالَفُوا قَوْلَ اللَّهِ ﷿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلا وَخَالَفُوا صَرِيحَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَالْأَحَادِيثَ الصَّرِيحَةَ الْمَشْهُورَةَ فِي إِعْظَامِ شَهَادَةِ الزُّورِ وَخَالَفُوا إِجْمَاعَ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الدَّلَائِلِ الْقَطْعِيَّاتِ فِي تَحْرِيمِ الْكَذِبِ عَلَى آحَادِ النَّاسِ فَكَيْفَ بِمَنْ قَوْلُهُ شَرْعٌ وَكَلَامُهُ وَحْيٌ وَإِذَا نَظَرَ فِي قَوْلِهِمْ وَجَدَ كَذِبًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يوحى وَمِنْ أَعْجَبِ الْأَشْيَاءِ قَوْلُهُمْ هَذَا كَذِبٌ لَهُ وهذا جهل
1 / 70