The quest For Certainty
وكلاهما مترجم إلى العربية، وكذلك منها كتاب «كيف نفكر»
How We Think
وصفوة ما في هذه الكتب كلها أن «الفكرة» - أي فكرة - لا تستحق أن تسمى بهذا الاسم ما لم تكن ذات علاقة وثيقة بموقف ماثل أمام صاحبها، بأن تقدم له حلا مقترحا لما يكتنف ذلك الموقف من إشكال. ولكن ما الذي يدل صاحبنا على أن «فكرته» صواب؟ يدله على ذلك أنه يطبقها فتنفع، وإذن «فمعنى» الفكرة و«طريقة تحقيقها» شيء واحد، وما لا تطبيق له لا معنى له، فلسنا نحكم بأن الفكرة ذات معنى، أو أنها فكرة صواب لمجرد احتكامنا إلى «عقل» نظري غيبي يقال إنه يسكن رءوسنا، كلا، بل الحكم مرهون بالتطبيق وحده، وبعبارة أخرى لعلها أوضح، نقول إن الفكر لا يكون فكرا إلا إذا كانت له علاقة وسلية بما ليس فكرا، كالسكين تقطع غيرها، والمنشار يشق ما ليس بمنشار، والقلم يكتب شيئا ليس هو بالقلم وهكذا، فكذلك كل فكرة هي أداة أو هي وسيلة تعالج شيئا سواها، تعالج موقفا خارجيا، أما أن تظل الفكرة مستندة إلى فكرة أخرى، وهذه إلى ثالثة وهلم جرا، فطريق لا نجاوز به حدود جمجمة الرأس من داخل، مع أن الفكر لا يكون فكرا إلا إذا جاوزت النظرية حدود الرأس إلى حيث العمل. •••
مات ديوي في اليوم الأول من شهر يونيو عام 1952م، عن اثنين وتسعين عاما، بعد أن ملأ الدنيا بفكره، لأنه كان بذلك الفكر أقوى من عبر عن حضارة العلم والصناعة، حضارة القرن العشرين. (8) إرنست كاسيرر
ميدان الفلسفة المعاصرة تتقسمه معسكرات رئيسية أربعة، تختلف فيما بينها اختلافات بعيدة المدى في الفروع، وتتحد كلها في الأصول العميقة. ومن هذه الأصول العميقة المشتركة تتكون ثقافة عصرنا في اللباب والصميم، وما هذه الأصول المشتركة التي نجد فيها مفتاح ثقافة عصرنا، إلا الثورة بأشكال مختلفة على فلسفة كانت لها السيادة من قبل، وهي فلسفة هيجل.
مذهب هيجل
ومؤدي المذهب الهيجلي هو أن الكون كله. بجميع من فيه وما فيه، إن هو إلا تعبير عن «روح» مطلق لا تحده حدود ولا تقيده قيود، فهذا «المطلق» الروحاني في جوهره، إنما يتبدى ويكشف عن نفسه في مظاهر العالم التي ندركها بحواسنا. فلئن كان العالم المحسوس متطورا من مراحل أدنى إلى مراحل أعلى، فما ذلك إلا تطور في كشف «الروح المطلق» عن نفسه كشفا متدرجا، كأنما هو الشريط المنطوي يبسط نفسه بسطا ليبدو منه ما قد كان خافيا. وليس الكون على هذا المذهب بمختلف عن كائن عضوي حي واحد ذي رغبات وأهداف؛ ومعنى ذلك بعبارة واضحة هو أن هذه الأفراد والمفردات التي تصادفها من حولك لا تزيد على وسائل تخدم الكل في تحقيقه لأغراضه.
ثورة على مذهب هيجل، اتخذت صورا أربعا
وجاءت ثقافة القرن العشرين لتثور على فلسفة كهذه تطمس الأفراد طمسا لا يجعل لها وجودا مستقلا بذاته، لكن الثورة اتخذت صورا عدة أهمها الأربع التي أشرت إليها، والتي ازدهر كل منها في رقعة معينة من رقاع الأرض:
صفحة غير معروفة