عدوا الكسائي فائزا في هذه المناظرة، ولعل المجلس تقوّض على ذلك، ولكننا الآن لا نعده كذلك. فالأصمعي راوية ثبت صدوق وهو في الرواية والأخبار أقوى من الكسائي، والكسائي أورد وجوه الإعراب المحتملة، أما الأصمعي فإنما يرد صاحبه إلى الرواية١ وشتان ما بين الأمرين.
وللأصمعي مجلس آخر مع الكسائي أمام الرشيد كال له فيه الصاع صاعين، وحكم له الرشيد حكما لزم الكسائي عاره:
قال له الأصمعي وهما عند الرشيد: "ما معنى قول الراعي:
قتلوا ابن عفان الخليفة محرما ... ودعا فلم أر مثله مخذولا؟
قال الكسائي: "كان محرما بالحج" قال الأصمعي: "فقوله:
قتلوا كسرى بليل محرما ... فتولى لم يمتع بكفن
هل كان محرما بالحج"؟؟؟
فقال هارون للكسائي: "يا علي، إذا جاء الشعر فإياك والأصمعي"٢.
_________
١ بل إن المعني لينصر رواية الأصمعي ويرفض رواية الرفع "وصوب ابن الشجري إنكار الأصمعي فقال: لأن رئمانها للبو بأنفها هو عطيتها إياه لا عطية لها غيره، فإذا رفع لم يبق لها عطية في البيت؛ لأن في رفعه إخلاء "تعطي" من مفعوله لفظا وتقديرا، والجر أقرب إلى الصواب قليلا؛ وإنما حق المعني والإعراب النصب". انظر مغني اللبيب بحث "أم".
وللكسائي مثل هذا التخبط مع عيسى بن عمر؛ ألقى عيسى مسألة فذهب يوجه احتمالاتها، فقال عيسى: "عافاك الله، إنما أريد كلام العرب، وليس هذا الذي تأتي به بكلامها". إنباه الرواة ٢/ ٣٧٧.
٢ أخبار النحويين البصريين ص٥٩، محرم أي: لم يحل من نفسه شيئا يوجب القتل، وقوله "محرما" في كسري يعني حرمة العهد الذي له في أعناق أصحابه. هذا وقد سجلوا للكسائي طلبه الهدنة من الأصمعي، قال الأصمعي: أرسل إلي الكسائي بأبي نصر وقال: "لست أعرض لك في الشعر والغريب والمعاني، فدعني والنحو" فوجهت إليه: "ما كلمتك قط في النحو إلا بحجة أصحابي، وقد تركت ذلك لك" إنباه الرواة ٢/ ٢٧٢.
1 / 48