وَقع هَذَا الشَّرْط بَين عِلّة ومعلول فَإِن كَانَ الحكم مُعَللا بعلل صَحَّ ذَلِك وَجَاز ان يكون الْجَزَاء اعم من الشَّرْط كَقَوْلِك إِن كَانَ هَذَا مُرْتَدا فَهُوَ حَلَال الدَّم فَإِن حل الدَّم اعم من حلّه بِالرّدَّةِ إِلَّا ان يُقَال ان حكم الْعلَّة الْمعينَة ينتفى بانتفائها وَإِن ثَبت الحكم بعلة اخرى فَهُوَ حكم آخر واما حكم الْعلَّة الْمعينَة فمحال ان ينفى مَعَ زَوَالهَا وَحِينَئِذٍ فَيَعُود التلازم من الطَّرفَيْنِ وَيلْزم من وجود كل وَاحِد من الشَّرْط وَالْجَزَاء وجود الاخر وَمن عَدمه عَدمه وَتَمام تَحْقِيق هَذَا فِي مسئلة تَعْلِيل الحكم الْوَاحِد بعلتين وَلِلنَّاسِ فِيهِ نزاع مَشْهُور وَفصل الْخطاب فِيهَا ان الحكم الْوَاحِد ان كَانَ وَاحِدًا بالنوع كحل الدَّم وَثُبُوت الْملك وَنقض الطَّهَارَة جَازَ تَعْلِيله بالعلل الْمُخْتَلفَة وَإِن كَانَ وَاحِدًا بِالْعينِ كحل الدَّم بِالرّدَّةِ وَثُبُوت الْملك بِالْبيعِ اوالميراث وَنَحْو ذَلِك لم يجز تَعْلِيله بعلتين مختلفتين وَبِهَذَا التَّفْصِيل يَزُول الِاشْتِبَاه فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَالله اعْلَم وَمن تَأمل ادلة الطَّائِفَتَيْنِ وجد كل مَا احْتج بِهِ من رأى تَعْلِيل الحكم بعلل مُخْتَلفَة إِنَّمَا يدل على تَعْلِيل الْوَاحِد بالنوع بهَا وكل من نفى تَعْلِيل الحكم بعلتين إِنَّمَا يتم دَلِيله على نفي تَعْلِيل الْوَاحِد بِالْعينِ بهما فالقولان عِنْد التَّحْقِيق يرجعان الى شَيْء وَاحِد وَالْمَقْصُود ان الله سُبْحَانَهُ جعل اتِّبَاع هداه وَعَهده الَّذِي عَهده الى آدم سَببا ومقتضيا لعدم الْخَوْف والحزن والضلال والشقاء وَهَذَا الْجَزَاء ثَابت بِثُبُوت الشَّرْط مُنْتَفٍ بانتفائه كَمَا تقدم بَيَانه وَنفى الْخَوْف والحزن عَن مُتبع الْهدى نفي لجَمِيع انواع الشرور فَإِن الْمَكْرُوه الَّذِي ينزل بِالْعَبدِ مَتى علم بحصوله فَهُوَ خَائِف مِنْهُ ان يَقع بِهِ وَإِذا وَقع بِهِ فَهُوَ حَزِين على مَا أَصَابَهُ مِنْهُ فَهُوَ دَائِما فِي خوف وحزن وكل خَائِف حَزِين فَكل حَزِين خَائِف وكل من الْخَوْف والحزن يكون على فعل المحبوب وَحُصُول الْمَكْرُوه فالاقسام اربعة خوف من فَوت المحبوب وَحُصُول الْمَكْرُوه وَهَذَا جماع الشَّرّ كُله فنفى الله سُبْحَانَهُ ذَلِك عَن مُتبع هداه الَّذِي أنزلهُ على السّنة رسله وأتى فِي نفي الْخَوْف بِالِاسْمِ الدَّال على نفي الثُّبُوت واللزوم فَإِن أهل الْجنَّة لَا بُد لَهُم من الْخَوْف فِي الدُّنْيَا وَفِي البرزخ وَيَوْم الْقِيَامَة حَيْثُ يَقُول آدم وَغَيره من الانبياء نَفسِي نَفسِي فَأخْبر سُبْحَانَهُ انهم وَإِن خَافُوا فَلَا خوف عَلَيْهِم أَي لَا يلحقهم الْخَوْف الَّذِي خَافُوا مِنْهُ وأتى فِي نفي الْحزن بِالْفِعْلِ الْمُضَارع الدَّال على نفي التجدد والحدوث أَي لَا يلحقهم حزن وَلَا يحدث لَهُم إِذا لم يذكرُوا مَا سلف مِنْهُم بل هم فِي سرُور دَائِم لَا يعرض لَهُم حزن على مَا فَاتَ وَأما الْخَوْف فَلَمَّا كَانَ تعلقه بالمستقبل دون الْمَاضِي نفي لُحُوقه لَهُم جملَة أَي الَّذِي خَافُوا مِنْهُ لَا ينالهم وَلَا يلم بهم وَالله اعْلَم فالحزين إِنَّمَا يحزن فِي الْمُسْتَقْبل على مَا مضى والخائف إِنَّمَا يخَاف فِي الْحَال مِمَّا يسْتَقْبل فَلَا خوف عَلَيْهِم أَي لَا يلحقهم مَا خَافُوا مِنْهُ وَلَا يعرض لَهُم حزن على مَا فَاتَ وَقَالَ فِي الاية الاخرى فَمن اتبع هُدَايَ فَلَا يضل وَلَا يشقى فنفى عَن مُتبع هداه امرين الضلال والشقاء قَالَ عبد الله بن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا
1 / 34