فأجاب الفيلسوف: ما معنى سؤالك هذا؟ يقال إنها ليست المادة. - ولكن أتعلم على الأقل ما هي المادة؟ - تمام العلم، خذ مثلا هذا الحجر، فهو أغبر اللون، وذو شكل ما، وله أقيسته الثلاثة، كما له ثقله وقابليته للتجزيء.
فقال الشعروي: حسن، فما هو هذا الشيء الذي يبدو لك قابلا للتجزيء، ثقيلا وأغبر؟ أنت ترى بعض خاصيات، أما كنه الشيء فهل تعرفه؟ فأجاب الفيلسوف: لا. - إذن أنت لا تعرف ما هي المادة.
ووجه ميكروميغاس الكلام إلى حكيم آخر كان على إبهامه، فسأله ما هي نفسه؟ وماذا تعمل؟ فأجاب الفيلسوف الماليبرانشي أنها لا تعمل شيئا، قال إن الله هو الذي يعمل كل شيء لأجلي؛ فأنا أرى كل شيء فيه وأعمل فيه كل شيء، وهو الذي يعمل كل شيء بدون تدخلي.
فقال حكيم الشعري: كل هذا دليل على عدم الفائدة من وجودك.
وتحول إلى أحد أشياع لبنيتز وسأله قائلا: وأنت يا صاح، ما هي نفسك؟ فأجاب اللبنيتزي: هي إبرة تشير إلى الساعات بينا جسدي يدق، أو إذا شئت هي التي تدق بينا جسدي يشير إلى الساعات، أو أن نفسي مرآة الكون وجسدي إطار هذه المرآة، وكل هذا في منتهى الوضوح.
وكان أحد أشياع لوك واقفا على مقربة، فلما وجه إليه السؤال أجاب: لا أدري كيف أفكر، ولكني أدري أني ما فكرت مرة إلا بداع من حواسي، ولست أشك في وجود جواهر مجردة من المادة وذكية، ولكني أشك جدا في أنه يستحيل على الله أن يعطي المادة فكرا، إني أجل القدرة الأبدية، وليس من شأني أن أحدها، ولست أؤكد شيئا، وأكتفي بأن أعتقد أن الأشياء الممكنة أكثر وجودا مما يظن.
فابتسم الحيوان الشعروي؛ إذ لم يجد هذا الأخير دون الآخرين حكمة، ولكان قزمة زحل عانق تابع لوك لولا التفاوت العظيم بينهما.
ولكن سوء البخت شاء أن يكون هناك حيوان ذو قبعة مربعة قطع الكلام على جميع الحيوانات الفلاسفة، قائلا إنه يعرف كل السر فهو في كلام القديس توما، وبعد أن نظر إلى الرحالتين من قمة رأسهما إلى باطن قدمهما، أكد لهما أن شخصيهما والعوالم التي جاءا منها والشموس والنجوم لم تخلق إلا للإنسان.
فأطلق الرحالتان من ذلك الضحك المتأجج، الذي قال عنه هوميروس إنه قسمة الآلهة، وكانت أكتافهما وبطناهما تذهب وتجيء، ويستلقي أحدهما على الآخر حتى سقط المركب من ظفر الشعروي، واختفى في طية من سروال الزحلي، فأخذا يجدان في البحث عنه، ولما وجداه عاد الشعروي إلى ملاطفة تلك الحشرات، وإن يكن ساءه في أعماق نفسه أن يرى في المتناهين في الصغر عجرفة متناهية في الكبر، ووعدهم بأن يضع لهم كتابا في الفلسفة يرون فيه منتهى الأشياء، وفي الواقع أعطاهم هذا الكتاب قبل ذهابه، فحملوه إلى أكاديمية العلوم في باريس، ولكن لما فتحه أمين السر لم ير إلا أوراقا بيضاء!
ممنون أو الحكمة البشرية
صفحة غير معروفة