قيل له: إنه وإن عمر ما عمر في الدنيا فإن أيامها قصيرة بخلاف الآخرة، فإنه لا غاية لها فيكثر ثواب هذا المطيع ويتضاعف على مرور الأزمنة فيؤدي إلى ما قلناه، وقد احتج أبو القاسم بوجهين:
أحدهما ذكره السيد الإمام وتحقيقه أن يقال: إن هذه العلوم الحاصلة لنا بديهية، وعن مشاهدة فخبرة وأخبار لا يصح من أحدنا الإستدلال عليها بلا خلاف، فكذلك يجب فيما علمناه دلالة ألا يصح أن يخلق فينا العلم الضروري به.
والجواب عليهك من وجوه أحدها أنه جمع بين أمرين من غير علة جامعة بل الأصل والفرع متعاكسان في العلة والحكم، فالعلة في الضروري كونه معلوما ضرورة، والحكم ألا تعلم إلا ضرورة، والعلة في الإستدلالي أنه معلوم استدلالا والحكم ألا يعلم إلا استدلالا.
قيل: ولأبي القاسم أن يقول بل العلة واحدة هي كون الشيء معلوما من جهة والحكم ألا يعلم إلا من جهته تلك، وهذه العلة موجودة فيما علم ضرورة واكتسابا فيوجد الحكم فيهما على سواء.
وثانيها: أن يقال: أن المعلوم ضرورة قد يعلم دلالة كالعلم بأن زيدا في الدار بالمشاهدة وتخير بني صادق.
وثالثها: أن المعلوم ضرورة إنما استحال أن يعلم دلالة لا للعلة التي ذكرها، بل لأن من حق النظر التجويز والمعلوم يستحيل أن يكون مجوزا سواء كان معلوما ضرورة أو دلالة.
ورابعها أن الذي ذكره من المعلومات ضرورة، والتي قاس عليها من البديهيات ونحوها إنما لم يصح الإستدلال عليها؛ لأن الإستدلال عليها لا يكون إلا مع عدم العلم بها، ومع عدم العلم بها لا يكون عاقلا، ومع كونه غير عاقل لا يصح منه الإستدلال، وليس كذلك ما علم دلالة فإن العلم به ضرورة لا يؤدي إلى دور وهذه الوجوه كلها أشار إليها السيد الإمام.
صفحة ٧٨