180

المعراج إلى كشف أسرار المنهاج

إنما كان وجه دلالته صدوره عن عدل حكيم لنا مالم نقطع على عدله تعالى لم نقطع على عدم وقوع الكذب ومالم نقطع على عدم وقوع الكذب لم نعلم صدق ما فيه من الأخبار وكذلك فمع عدم العلم بالعدل لايأمن أن يأمر بالقبيح وينهى عن الواجب، فلا يقع لنا العلم بأن ما أمر به واجب أو مندوب وأن ما نهى عنه قبيح أو مكروه إلا أنهم يجعلون الوجوب والقبح لأجل الأمر والنهي فلا يرد عليهم هذا وإنما يتوجه على قاعدة أهل العدل وتفصيل الكلام في ذلك مختص بباب العدل.

فصل

قوله: (والنظر في الفرع يتوقف في توليده للعلم على النظر في الأصل وتوليده للعلم إذا كان الأصل نظرنا).

اعلم أن قوله يتوقف في توليده للعلم احتراز من إمكانه في نفسه فإنه يمكن حصول النظر في الفرع وإن لم يكن قد نظر في الأصل ولا ولد نظره فيه العلم إذا كان نظريا بأن يعتقده اعتقادا غير علم لكنه إذا اعتقده كذلك لم يولد نظره في الفرع العلم لأنه لايجوز العلم بالفرع إلا مع العلم بالأصل ولايكفي اعتقاده مالم يكن علما وإن أمكن حصول النظر في الفرع لمجرد اعتقاد الأصل فتبين أن هذا الشرط شرط في توليده للعلم لا في حصوله فهو ممكن من دون هذا الشرط.

وقوله: (إذا كان الأصل نظريا).

احتراز عن أن يكون العلم بالأصل ضروريا فإن النظر في الدليل الموصل إلى العلم بالفرع حينئذ لايتوقف على نظر في دليل موصل إلى العلم بالأصل فإن الأصل لايحتاج إلى نظر في العلم به بل لايتأتى النظر فيه إذ هو معلوم ومعنى كون النظر في الأصل أصلا أنه يجب تقدمه على النظر في الفرع وقد منع أبو هاشم من ترتب بعض الأنظار على بعض، وقال بأنه يصح الابتداء بأي نظر شاء إلا أنه وإن صح الابتداء به فلا يولد العلم ولم يجعل المتوقف إلا ما يولد العلم والله أعلم.

صفحة ٢٠٠