فقد روى مسلم في صحيحه بسنده عن معاذ بن جبل: " أن النبي قال لمن سار معه إلى تبوك: إنكم ستأتون - إن شاء الله - غدا عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار، فمن جاءها منكم فلا يمس من مائها شيئا حتى آتي. فجئناها وقد سبقنا إليها رجلان، والعين مثل الشرك تبض بشئ من ماء. فسألهما رسول الله: هل مسستما من مائها شيئا؟ قالا: نعم، فسبهما النبي وقال لهما ما شاء الله أن يقول (!) ثم غرفوا بأيديهم من العين قليلا قليلا حتى اجتمع في شئ غسل رسول الله فيه يديه ووجهه ثم أعاده فيها فجرت العين بماء منهمر - أو قال: غزير - حتى استقى الناس، ثم قال:
يا معاذ يوشك - إن طالت بك الحياة - أن ترى ما هاهنا قد ملئ جنانا " (1) فهل ارتوى المسلمون في طريق تبوك بماء العين المنهمر - بعد السباب! - أم بمطر من سحاب بدعاء مستجاب من نبي مجاب؟ أليس في القليل الأول غنى عن الثاني الكثير؟! اللهم إلا أن نبني على ترجيح الحديث الأكثر إعجازا ولا نقتنع بالقليل منه!
هذا وقد روى ابن إسحاق بعد روايته خبر السحابة خبرا آخر يؤيده قال: " فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال: قلت لمحمود بن لبيد:
هل كان الناس يعرفون النفاق فيهم؟ قال: نعم والله إن كان الرجل ليعرفه من أخيه ومن أبيه ومن عمه وفي عشيرته، ثم يلبس بعضهم بعضا على ذلك، ولقد أخبرني رجال من قومي قالوا: لما كان من أمر الماء بالحجر ما كان ودعا رسول الله حين دعا فأرسل الله السحابة فأمطرت حتى ارتوى الناس قالوا: أقبلنا على رجل من المنافقين معروف نفاقه كان يسير
صفحة ٣٧