يثبت لديه. ولكنه زاد فيه مما ثبتت لديه من رواية، ولذلك نسبت السيرة إليه وعرفت به، حتى لا يكاد يذكر ابن إسحاق معه، فقد عرفت سيرة ابن إسحاق بين العلماء منذ عهد بعيد باسم سيرة ابن هشام، لما له فيها من رواية وتهذيب.
وبهذا الصدد قال ابن خلكان في ترجمة ابن هشام: " وابن هشام هذا هو الذي جمع سيرة رسول الله من المغازي والسير لابن إسحاق وهذبها ولخصها، وهي السيرة الموجودة بأيدي الناس المعروفة بسيرة ابن هشام ".
ولم تنقطع العناية بالتأليف في السيرة إلى يومنا هذا، إلا أن الموضوع في ذاته ليس أمرا يقوم على التجارب، أو فكرة يقيمها برهان وينقضها برهان، شأن النظريات العلمية التي نرى تجديدها وتغييرها على مر السنين، وإنما هو من العلوم النقلية لا العقلية، فكان المشتغلون به أولا محدثين ناقلين، ثم جاء من بعدهم جامعين مبوبين ثم ناقدين معلقين. ولم يكن قابلا للتجديد في جوهره، إلا بمقدار قليل حسب النقد الدقيق، وإنما كان التجديد في أشكاله وصوره شرحا أو اختصارا، أو شيئا من النقد قليلا مشيرا إلى ما فيه من أخطاء.
ولعل الذين تناولوا السيرة بالتلخيص والاختصار، إنما خففوا من ثقل الكتاب بعض أخباره التي استبعدوها غير مؤمنين بصحتها، ناقلين من الأخبار ما يرون فيها القرب من الحق، ومستبعدين ما لا يجري في ذلك مع فكرتهم وعقيدتهم مفندين إياه رادين له.
ولعل من علل انتشار أخبار ابن إسحاق ثم كتابه في السيرة كثرة رحلاته، فالراجح في تأريخ مولده في المدينة أنه كان سنة 85 ه ولا يرتاب الرجاليون وأصحاب الطبقات في أنه أمضى شبابه في المدينة فتى جميلا
صفحة ٢١