موسوعة مصر القديمة (الجزء الأول): في عصرما قبل التاريخ إلى نهاية العصرالإهناسي
تصانيف
الدول القديمة
الأسرتان الأوليان
يعد المؤرخون «مينا» أول ملك أسس الوحدة المصرية، وقد كانت له مهابة في قلوب الفراعنة الذين خلفوه، حتى إنهم ألهوه بعد موته، وبقيت عبادته زمنا طويلا، حتى إننا بعد مضي عشرين قرنا على وفاته وجدنا تمثاله يحمل في مقدمة كل تماثيل الملوك الآخرين في احتفال ديني في عهد رعمسيس الثالث في معبده المعروف بمدينة هابو في الجهة الغربية من طيبة.
والظاهر أن الملوك الذين حكموا في خلال الأسرة الأولى يبلغ عددهم سبعة، واستمروا نحو 200 سنة (3200-3000ق.م) وكذلك يمكننا أن نقول بأن الأسرة الثانية حكمت ما يقرب من 200 سنة أيضا (3000-2780ق.م) نشاهد من ناحية أخرى عند انبثاق فجروسنرى منذ هذا العصر السحيق أن النظام الحكومي والإداري الذي كانت تسير عليه البلاد كان على أسس متينة، حتى إنه بقي نحو 3000 سنة لم يطرأ عليه تغيير هام إلا في فترات قصيرة جاءت عرضا، وسنتكلم على هذا النظام بشيء من الإيجاز الآن.
كانت كل القوة مجتمعة في يد الملك، وكان يعهد بتنفيذها إلى كبار رجال دولته، الذين كانوا ينوبون عنه، ومن المحتمل أن هؤلاء العظماء كانوا من الجنس المغير كالملك نفسه، وقد كانت الملكية قبل توحيد البلاد وبعده وراثية، وكان للمرأة حق وراثة العرش، وكانت حاشية الملك تؤلف من العظماء في عهده وأفراد أسرته، ولم تكن منف مركزهم، بل من المحتمل جدا أن يكون مركزهم «نخن» (الكوم الأحمر)، وقد نعت «مانيتون» ملوك الأسرتين الأوليين بالطينيين، ولكن ذلك لا يعني أن الملوك كانوا من بلدة «طينة» القريبة من جرجا، ولا أن عاصمتهم كانت في هذه البلدة، بل جاء هذا النعت من أن ملوك هاتين الأسرتين قد شيدوا مقابرهم بالقرب من «طينة» المجاورة للعرابة المدفونة وهي التي شيد فيها قبر «أوزير» في المرتفع المسمى «أم القعاب»، والواقع أن أول من اتخذ «منف» عاصمة للملك هم ملوك الأسرة الثالثة والأسر التي أتت بعدها، وقد دفنوا في جبانتها بسقارة والجيزة، ولهذا السبب المزدوج قد سماهم «مانيتون» بالأسر المنفية.
وقد شوهد منذ أول الأمر أن الحاشية الفرعونية قد خلفت حولها جوا صالحا من المدنية لا بأس به، شجع الفنون والصناعات المختلفة، فلم يكتف الأهلون كما كان الحال في عصر ما قبل الأسرات بصناعة الآلات والأواني من الحجر والعظم والعاج والفخار والخشب بدقتهم المعروفة، بل تخطوا ذلك إلى صناعة آلاتهم من المعادن والأحجار الكريمة وشبه الكريمة بمهارة فائقة، وكذلك نجد أن أعمال النقش والنحت التلوين والنسيج والنجارة الدقيقة وصناعة العاج والمجوهرات أخذت تتنوع وتكثر بدرجة عظيمة، ونشاهد منذ بداية هذا العصر التاريخي ظهور فن الطب وجمع المتون الدينية وتأليفها. وكان أعظم من ضرب بسهم وافر في الفنون هم المهندسون المعماريون الذين أظهروا براعتهم في تشييد المقابر الملكية، فكانت مقابرهم في بادئ الأمر حجرات بسيطة من اللبن كافية فقط لأن تضم جثة الملك وأثاثه المأتمي المتواضع، ولكننا بعد ذلك نشاهد أنها أخذت تنمو وتتسع حتى أصبحت ضخمة متعددة الحجرات. ثم أخذت الأحجار الجيرية والجرانيتية تستعمل في بنائها شيئا فشيئا إلى أن بلغت مكانة هامة في تكوينها، وقد كان يقام حول هذا القبر الضخم مقابر أصغر حجما للأمراء والعظماء من رجال الحاشية وأسرة الملك نفسه، وكذلك نشاهد مقابر أصغر حجما من السابقة لعبيد الملك وخدمه الذين يعطف عليهم ويجعلهم يدفنون بجواره في دار الآخرة، ويجوز أنه كان يعتقد أنهم سيخدمونه في آخرته، وسنتكلم عن ذلك بإسهاب في حينه. (1) ملوك الأسرة الأولى
أهمهم الملك مينا ويسمى أيضا «نعرمر» وكذلك «عجا»، وقد تكلمنا عنه فيما سبق ثم الملك «زر» و«زت» فالملك «دن حسبتى»، «ودمو» ثم «عزايب» و«سمرخت سمنبتاح» (سمبس) والملك «قع». وسنذكر هنا ما نعرفه عن هؤلاء الملوك بقدر ما تسمح به معلوماتنا الضئيلة عن هذا العصر.
وأول ملك له أهمية عثر عليه بعد الفرعون مينا هو «زر» ويقرأ اسمه «خنت» أيضا، وقد عثر على قبره في «العرابة» المدفونة بالقرب من باقي مقابر ملوك الأسرة الأولى، وقد ظن الأثري «أملينو» في بادئ الأمر أنه قبر الإله «أوزير»، ولكن هذا الخطأ قد استدرك عندما وجدت آثار عدة باسم الفرعون «زر»، ونرى منها أن الفن قد تقدم في هذا العهد، وقد وصل إلينا عن طريق الرواية أن هذا الفرعون كتب سفرا في علم التشريح وأنه هو المؤسس لمدينة «منف»، ولكن هذا الزعم الأخير مشكوك فيه؛ إذ من المحتمل جدا أن «منف» لم تكن موجودة في عهده.
أما الملك «زت» (الملك الثعبان) فيمتاز عصره بالتقدم الفني الذي نشاهده في الأشياء التي عثر عليها في حكمه، وبخاصة اللوحة التي باسمه، وهي الآن في متحف اللوفر، وتدل على دقة الصنع بالنسبة لهذا العهد السحيق في القدم، ومن المدهش أنه عثر على اسم هذا الفرعون منقوشا على صخرة في الصحراء الغربية بالقرب من مدينة إدفو، ولا نزاع في أن الذي نقش اسم هذا الفرعون هو رئيس إحدى الكتائب التي كانت ترسل إلى جهات البحر الأحمر، وقد كان الطريق من وادي النيل إلى البحر الأحمر يروده البدو الرحل منذ أقدم العهود، وقد كان يظن أنه وقف عليهم، ولكن هذا النقش قد برهن على أن المصريين كانوا منذ العهد الطيني يرسلون البعوث إلى الصحراء الغربية لاستغلال المحاجر والمناجم التي فيها، ولا يبعد أنهم وصلوا في سيرهم إلى شواطئ البحر الأحمر نفسه.
وقد كشفت حديثا مقبرة في نزلة البطران يظن أنها لهذا الفرعون، وذلك لوجود بعض آثار باسمه فيها، غير أن ذلك لا يعد دليلا قاطعا على أنها مقبرته، وهذه الحالة تماثل القبر الضخم الذي عثر عليه حديثا في سقارة، ووجدت فيه بقايا أوان كثيرة باسم الملك «حور عحا»، وليس هذا دليلا كافيا أن هذا قبر «عحا»، وبخاصة إذا علمنا أنه كشف له عن مقبرة أخرى بالقرب من «العرابة» المدفونة، ووجد فيها آثار كثيرة باسمه.
صفحة غير معروفة