موسوعة مصر القديمة (الجزء الأول): في عصرما قبل التاريخ إلى نهاية العصرالإهناسي
تصانيف
أما صناعة المينا الزرقاء والخضراء فترجع إلى أول عصر بداية المعادن.
وكانت تصنع بخليط من البلور الصخري المطحون والجير والبوتاس، وكربونات النحاس، وكانت كل هذه المواد تخلط ببعضها حامية ثم تسحق في الماء وبعد ذلك تصب على القطعة التي يراد طلاؤها، ثم توضع في الفرن، وهذه الطريقة لم تكن مستعملة في عهد البداري إلا لطلاء قطع صغيرة من الخرز المصنوع من البلور الطبعي أو من حجر ستايتيت، وفي عهد ما قبل الأسرات القديم، اخترع للمينا مسند خاص به يمكن الحصول على ما يطلق عليه خطأ القيشاني المصري «فييانس»، وذلك بأن يؤتى بكمية فن الصوان والرمل أو الكورتس المطحون طحنا ناعما، ثم تغطى هذه العجينة بطبقة سميكة من المينا، وأقدم قطعة من المينا طليت على طبقة من الرمل عثر عليها في نقادة، ويرجع تاريخها إلى الرقم 31-39 من تأريخ التتابع، وهذه القطع عبارة عن خرز وتعاويذ صغيرة الحجم على هيئة طيور، وقد استعملت الطريقتان جنبا إلى جنب. غير أنهما لم تستعملا في إخراج قطع هامة إلا في العهد الطيني، ولم تستعمل في عصر بداية المعادن إلا في صناعة القطع الصغيرة، أو تزيينها بلصق المينا عليها، وذلك منذ عهد ما قبل الأسرات المتوسط، ولم يكن ذلك قاصرا على حجر الكورتس، وحجر ستايتيت، ولكن تخطى ذلك إلى العاج، والعظم، وحجر الشيست، والحجر الجيري، وعلى العموم كان يستعمل مع كل المواد التي كانت تستخدم في فن النحت.
أوان من الحجر عثر عليها في العمرة «الوجه القبلي».
ولما كانت المينا من الأشياء الكمالية، لم يستعملها المصري قط في الفخار الذي كان يعد في نظره مادة حقيرة، وقد بقي الحال كذلك حتى عهد الرومان؛ إذ ظهر وقتئذ استعمال المينا مع الفخار.
وكان كشف صناعة المينا الزجاجية أول خطوة نحو صنع الزجاج الذي لم تختلف صناعته عن صناعة المينا إلا بعدم استعمال مسند تصب عليه المينا، والواقع أن المصريين عرفوا الزجاج في العهد الفرعوني، ولكنهم لم يعرفوا قط صناعته إلا في حالة عجينة مطحونة، ولم يعثر على قطع من الزجاج إلا بعض خرزات، وقطعة واحدة مطحونة يرجع عهدها إلى ما قبل الأسرات، وهذه القطعة عبارة عن دلاية «بندنتيف» زرقاء اللون تشبه اللازورد ويرجع عهدها إلى الرقم 41 من تأريخ التتابع.
بلط نحاس من عصر ما قبل الأسرات عثر عليها في مصر.
وفي هذا العصر أخذت صناعة الأواني الحجرية تتقدم تقدما محسوسا، وقد عثر في الوجه البحري على أوان من الحجر يرجع عهدها إلى عصر مرمدة بني سلامة بعضها مصنوع من حجر البازلت على هيئة هاون، ولم يعثر على مثلها قط في عصر البداري، ولكنها ظهرت في عهد ما قبل الأسرات القديم، فكشف عن أوان أسطوانية الشكل ذات قعر مستدير، وأوان أنبوبية ذات قعر مستو، وعلى أقداح عظيمة ذات جدران منخفضة مصنوعة من الحجر الجيري اللين ومن المرمر والبازلت والجرانيت الوردي، وهذه الأواني كانت نادرة في عهد ما قبل الأسرات القديم، ولكنها أخذت تزداد في العدد على مر الأيام، وربما كان السبب في ذلك كشف النحاس الذي كانت تعمل منه الآلات اللازمة لتفريغ هذه الأواني.
رءوس دبابيس من الحجر الصلب عثر عليها في العمرة «الوجه القبلي».
ولقد كان الصانع المصري يصنع أوانيه من حجر الديوريت وحجر البرفير، وحجر البريشية التي تعد من أصلب الأحجار وأعصاها بقلب فرح متذوقا عمله، حتى إنه كان لا يعد للزمن الذي يصرفه في إنجاز عمله حسابا، ويظهر من الصبر درجة تضعه في مصاف مهرة العمال، ولقد كانت النتائج التي وصل إليها تضارع المشاق التي تحملها، وكانت أشكال الأواني الحجرية التي أخرجتها يده مقلدة أشكال أواني الفخار المعاصر، ولم تكن الأخيرة بلغت من حسن الشكل والذوق أكثر مما كانت عليه في هذه الفترة، ولم تكن عجلة صانع الفخار معروفة بعد، ولكن مع ذلك كانت الأواني التي تعمل باليد على درجة عظيمة من حسن الشكل والدقة، ولذلك كانت الأواني الحجرية التي نحتت على هيئتها آية في الجمال. هذا إلى أن جمال الحجر الطبعي ولونه، كان يظهر في بهجة خلابة عندما كان الفنان ينجح في صقل سطح الإناء، وعندما كان يرقق جدران الإناء حتى يصبح شفافا، وعلى العموم فإن هذه الأواني الحجرية ربما تعد أجمل الأشياء التي بقيت لنا من عصر ما قبل الأسرات، وتعد شاهدا فصيحا على المهارة الفنية للجنس الذي أنتجه وعلى ذوقه السليم.
رءوس دبابيس من المرمر، عثر عليها في العمرة «الوجه القبلي».
صفحة غير معروفة