موسوعة مصر القديمة (الجزء الأول): في عصرما قبل التاريخ إلى نهاية العصرالإهناسي
تصانيف
أما في أوروبا فأهم صناعة تنتسب إلى هذا العصر هي الصناعة الآزيلية نسبة إلى كهف «مادازيل» في مقاطعة «أريج».
وذلك أن العالم «بيت»
وجد في هذا الكهف طبقتين إحداهما فوق الأخرى فيهما كل مميزات الصناعة المجدلية، وفوق هاتين الطبقتين بقايا ثقافة سماها هذا العالم العصر الآزيلي، وقد وجد فيها أفرانا وأكواما من بقايا أكسيد الحديد وعددا عظيما من عظام الغزال - وليس من بينها عظام الوعل - كما وجد ظرانا مهذبا من العهد المجدلي بكميات وافرة وسكاكين وخطاطيف ومصاقل وعظاما مهشمة تدل على أنه كان يوجد في هذا الإقليم الوعل، والدب، والخنزير، وكلب البحر، والقط البري ... إلخ، وقد عثر كذلك «بيت»
على قطع عدة من حجر الشيست عليها علامات باللون الأحمر، وعثر فوق الطبقة الآزيلية على طبقة أثرية أخيرة وفيها آلات مصقولة، ومن ذلك استخلص أن العصر الآزيلي هو الحلقة التي تربط بين العصر الحجري القديم والعصر الحجري الحديث. (2-7) العصر الحجري الحديث
على أن العصر الحجري الحديث نفسه مرتبط تمام الارتباط بالعصر الذي يليه، وهو عصر بداية استعمال المعادن، ولا يتميز العصر الحجري الحديث عن عصر بداية المعادن بوجود معادن مختلفة في كل، فالواقع أن النحاس والذهب كانا موجودين في كليهما غير أنهما كانا يستعملان في العصر الأول أدوات للزينة وبدرجة محدودة. أما في العصر الثاني فكانا يستعملان في أغراض شتى وبدرجة عظيمة وبخاصة النحاس، فإنه كان يستعمل في صنع الآلات بدلا من الظران، ويعد علماء الجيولوجية أن العصر الحجري الحديث يبتدئ في نهاية العهد البلوستسيني وبداية العصر الهيلوسيني؛ أي العصر الرابع في تكوين القشرة الأرضية، وهذا العهد هو في الحقيقة فجر الأزمان الحديثة؛ إذ فيه أخذت أحوال الحياة العامة للإنسان تتغير تدريجا عن أحوال الحياة التي يخضع لها بنو البشر في أيامنا هذه.
وتتفق بداية العصر الحجري الحديث مع عصر تقهقر الجليد الذي ظل إلى يومنا هذا، ففي أفريقيا الشمالية أخذ الجو يصير أكثر جفافا وأشد حرارة من العصر السابق، وقد أخذ ذلك يظهر في الهضاب الصحراوية التي بدأت تتكون منذ العصر الحجري القديم الأعلى. والواقع أن قلة الأمطار وشدة التبخر سببا نقصا محسوسا في نظام المياه، ولكن على الرغم من ذلك بقيت بعض جهات الصحاري معمورة، وبخاصة الأماكن التي حول عيون الماء والبحيرات التي تكونت من مجاري مياه ضئيلة. أما باقي الجهات فقد انقلبت فيها الغابات اليانعة التي كانت تسبغ عليها بهجة ورونقا إلى أرض عشبية لا يستطيع الإنسان أو الحيوان البقاء فيها، وفي خلال هذه المدة أخذ وادي النيل يكون ببطء شكله الحالي، وكذلك بدأ النهر يسير في النظام الذي هو عليه الآن، وقد كان هذا النهر في خلال تكوينه يترك رواسبه في الوادي الذي يغطيه بالمياه، ثم ينكمش تدريجيا حتى أصبح على ما هو عليه الآن؛ إذ كان في كل عام يفيض على جانبيه في تاريخ معين لمدة ثلاثة أشهر، ويترك الغرين الذي يجلبه معه من منابعه مما يكسب الوادي خصبا، وعند انتهاء هذا الفصل ينكمش مجرى النيل، ثم يترك مجموعة من المستنقعات على حافة الصحراء حيث قد خلفت مياهه الجزء الأعظم من الغرين على السهل، وفي هذه المستنقعات كانت تنبت بكثرة النباتات المائية وبخاصة السقي «البردي» الذي كانت تأوي إليه الحيوانات الخطرة كجاموس البحر والتمساح، أما باقي السهل فكان يغطى كل عام بنباتات يانعة تنعدم وتزول بسرعة في خلال تسعة الأشهر التي كان الحر فيها مهلكا، وكانت مخلفات هذه النباتات تئوي الحيوانات والحشرات المؤذية، وقد تكونت في مصب النهر القديم المعروف بالدلتا طبقات غرين وكانت لانخفاضها مؤلفة من مستنقعات عدة مزدحمة بالبردي ولم تكن حدودها معينة، وذلك بسبب البرك التي تغمر معظمها.
أما مساكن الإنسان منذ بداية هذا العصر فإنها تتمشى مع التغيرات الجوية التي سنبينها، فقد هاجر إلى وادي النيل بجوار مجاري المياه الغزيرة التي لا تزال موجودة، كل سكان وديان البيداء وصحراء العرب ، وهؤلاء كانوا البقية الباقية من قبائل أخذت تجوب في خلال الأزمان السالفة الجبال والهضاب التي كانت تغطيها الغابات البكر. والواقع أن العصر الحجري الحديث هو العصر الحقيقي الذي أهلت فيه مصر بالسكان.
أما القرى فكانت واقعة على المرتفعات البسيطة التي على حافة الوادي، وكان الجزء الخصب منه في هذا الوقت أقل انخفاضا واتساعا مما هو عليه الآن بعد أن غمره الغرين مدة اثني عشر ألفا من السنين تقريبا، ولا شك في أن هذه القرى قد غطيت الآن بالطبقات السميكة من الغرين، الذي لا ينفك يزداد من قرن لقرن ويمكن العثور عليها لولا أن ارتفاع منسوب المياه في الطبقات الأرضية، الذي نلاحظه الآن، يحول بيننا وبين الوصول إلى ذلك، وهي موجودة غائرة في سفح التلال أو المرتفعات الصناعية في كل المدن المصرية التي ظهرت في فجر التاريخ، وتقع عادة بعيدة عن النيل وقريبة من الصحراء، ويظهر لنا فيها أسس يرجع عهدها إلى العصر الحجري الحديث، ولحسن الحظ عثر على بعض قرى نيوليتية واقعة في الصحراء أخطأها غرين النيل، ونخص بالذكر قرية العمري، وهي «رأس حوف» القريبة من القاهرة، وقد سميت العمري نسبة إلى الأستاذ العمري الذي عثر عليها حديثا، وقد مات وهو في ريعان شبابه، وكذلك مرمدة بني سلامة الواقعة على حافة الدلتا الغربية، ثم ديمة، وكوم أوشيم، وقصر الصاغة، والمواقع الأربعة الأخيرة في مديرية الفيوم. أما في الوجه القبلي فقد عثر على مدينة جديدة في بلدة «دير طاسا» وفي طوخ والقطارة والجبلين.
وأهم من هذه البلاد من الوجهة الأثرية المقابر التي من العصر الحجري الحديث فإنها محفوظة وواقعة على حافتي الصحراء على كلا جانبي النيل؛ إذ هي بطبيعة الحال بعيدة عن الفيضان، يضاف إلى ذلك ما يعثر عليه مهملا على سطح الصحراء من بقايا الصناعات بالقرب من القرى والمقابر، مما يدل على الأماكن التي كان لا يزال الإنسان يصنع فيها الظران.
ويمتاز العصر الحجري الحديث بأنه عصر نهضة الصناعة، وقد كان ذلك نتيجة تحول الإنسان في ذلك العهد من عيشة الصيد إلى عيشة الرعي وفلاحة الأرض، ولذلك قامت نهضة حقيقية في صناعة الظران؛ إذ خلفت الأشكال المكروليتية التي كانت في العصر الجفسي الأسلحة الكبيرة من الظران، ويجب أن نشير هنا إلى أطراف الحراب والنصال المهذبة تهذيبا جميلا من كلا الوجهين، وكذلك سنان السهام المصنوعة برشاقة ودقة.
صفحة غير معروفة