موسوعة مصر القديمة (الجزء الأول): في عصرما قبل التاريخ إلى نهاية العصرالإهناسي
تصانيف
وهناك جزء آخر يدل على المنصرف، ونجد فيه أسماء المنتفعين وأهمية الجرايات التي تعطى. ويجوز أن الصحيفة بقيت لنا من دفتر حسابات إدارة ضياع أو من مصلحة المالية نفسها. ولا شك في أنها قد سهلت علينا فهم مقدار الدقة في مسك الدفاتر في عهد الدولة القديمة، ومنها نفهم أن كل فرد كان مفروضا عليه ضريبة معينة يدفعها للحكومة. (4) مصلحة الأشغال العمومية
أما ما نشاهده من المباني الضخمة ونقرؤه عن الأعمال العظيمة التي كانت تنفذ في عهد الدولة القديمة، يشعر بوجود مصلحة خاصة للقيام بهذه الأعمال. والواقع أنه كانت توجد مصلحة للأشغال، لها مكانة ممتازة بين مصالح الحكومة المصرية منذ بداية التاريخ في مصر، بل هناك ما يدل على أنها كانت قائمة منذ عصر ما قبل الأسرات، ولا أدل على ذلك من السور العظيم الذي أقيم في نخن
14 (الكوم الأحمر). وفي عهد الأسر الأولى نشاهد القلاع التي كانت تحيط بمصر والأسوار التي أقامها «زوسر»، بين أسوان والفيلة، لحماية الحدود
15
الجنوبية، والأسوار التي كانت تسد خليج السويس لتقف غزوات البدو الوافدين من الشرق، وكذلك إقامة المعابد والقصور والبوابات العظيمة، هذا إلى بناء أسطول عظيم يحتوي على عدة سفن يبلغ طول الواحدة منها نحو 50 مترا، مما يحتاج إلى إدارة منظمة ودراية بفنون المباني وتنفيذ المشروعات العظيمة.
ومنذ الأسرة الرابعة أخذت أهمية الأشغال العامة تحتل مكانة أعظم مما كانت عليه من قبل، إذ في عهدها أقيمت الأهرام الضخمة وتوابعها من معابد ومدن كما أسلفنا الكلام عنه. وكذلك اتسعت مساحة العاصمة بسرعة اتساعا عظيما يدل على مقداره مساحة جبانتها المترامية الأطراف (هذه الجبانة تمتد من أهرام الجيزة إلى دهشور وما بعدها).
مصلحة الأشغال ليست مزدوجة
وفي عهد الأسرة الخامسة بدأ الملوك ينشئون معابد عظيمة للشمس «رع»، كل ذلك كان يستلزم نموا مطردا في مصلحة الأشغال العمومية، ومن المدهش أن نظام الإدارة في عهد الأسرة الخامسة لم يجعل هذه المصلحة مزدوجة كباقي مصالح الحكومة، أي مصلحة أشغال للوجه القبلي ومصلحة أشغال للوجه البحري، بل جعلها مصلحة واحدة تحت إشراف الوزير الذي كان يحمل من بين ألقابه العدة لقب (مدير كل الأشغال الملكية) «إمراكات نبت ن نيسوت»، كما كان يحمل في الوقت نفسه لقب (مدير القيودات) «إمر سش ع نيسوت». ولكن الواقع أن مدير مصلحة الأشغال الفعلي كان أحد أعضاء مجلس العشرة العظيم الذي كان بدوره تحت مراقبة الوزير. غير أن عضو مجلس العشرة العظيم للجنوب الذي كان يشغل وظيفة مدير مصلحة الأشغال لم يكن يدير إلا شئون مصلحة الأشغال المدنية، وذلك لأنه كما سنذكر فيما يلي كان للجيش مصلحة للأشغال خاصة. وقد كان تحت إدارة مدير مصلحة الأشغال العمومية مديرون آخرون يقومون بإدارة مصالح خاصة أو فروع للمصلحة الرئيسية، وكان كل منهم يلقب مدير مصلحة الأشغال الملكية «إمراكات ن نيسوت».
وأهم هذه المصالح هي مصلحة المباني، التي كانت متصلة تمام الاتصال بالمباني الجنائزية للملك. ونشاهد في الألقاب أن رئيس المعماريين الملكيين «مدح نيسوت» كان منذ الأسرة الثالثة، من أهم شخصيات الحكومة المصرية، إذ كان يحمل الوزير هذا اللقب غالبا، وكذلك كان يحمله أولاد الملوك وأعضاء مجلس العشرة العظيم.
وعلى وجه عام كان مهندس المباني الملكي في الوقت نفسه يحمل لقب «مدير كل أشغال الملك»، ولا غرابة في ذلك فإن وظيفته كانت في ترتيب المناصب الحكومية أعظم من منصب مدير كل أشغال الملك، إذ كان يحمل قانونا لقب الشرف (السمير الوحيد)، وهذا اللقب لم يكن يلقب به «مدير كل الأشغال الملكية» قانونا.
صفحة غير معروفة