موسوعة مصر القديمة (الجزء الأول): في عصرما قبل التاريخ إلى نهاية العصرالإهناسي
تصانيف
وبعد انقضاء فترة وجيزة على هذا الكشف، عثر العالمان «لنرمان» و«هنري»
Lanormont & henry
على بعض آلات لها أهمية عظيمة بالقرب من جبانة طيبة، وقد كان نتيجة هذا الكشف أن اعترفت جمعية درس أصل الإنسان في عام 1870 بإمكان وجود عصر ما قبل التاريخ في مصر، وقد جاء مؤيدا لهذا الرأي ما عثر عليه الأب «رتشرد» في شبه جزيرة سينا، وفي جوار القاهرة وفي طيبة - غير أنه بالرغم من ذلك - كان علماء الآثار يعارضون في وجود علم ما قبل التاريخ في مصر، بحجة أنهم وجدوا مثل هذه الآلات التي عثر عليها هؤلاء الباحثون في المقابر المصرية القديمة، ولم يفهموا أن هذه الآلات ربما كانت من مخلفات أزمان ما قبل التاريخ، وأنها بقيت مستعملة بالتوارث والعادة حتى العهود التاريخية، وقد بقي علماء الآثار أمثال «مريت باشا» و«لبسيوس» و«شاباس» على رأيهم رغم محاولات علماء ما قبل التاريخ في إقناعهم بصحة وجود عصر في تاريخ مصر قبل الدولة القديمة، وقد استمر هذا أكثر من ثلاثين عاما إلى أن وضع الأمور في نصابها عالم من علماء الآثار أنفسهم، وهو «جاك دمرجان» الذي كان مديرا للآثار المصرية في ذلك العهد، فجمع في مجلدين ضخمين كل ما كتب في هذا الموضوع، وانتهى به البحث إلى أن أيد فكرة وجود عصر ما قبل التاريخ في مصر، وأضاف إلى ذلك ملاحظاته الشخصية، التي جمعها مدة إقامته الطويلة في وادي النيل. إذ في خلال تلك المدة درس الأحوال والأماكن التي وجدت فيها الآلات الحجرية، وأثبت بالبراهين الناطقة قدم الآلات التي يرجع عهدها إلى ما قبل التاريخ عن الآلات، التي بقي الإنسان يهذبها بطريق العادة على نمط سالفتها في العصور التاريخية ثم يستعملها، وبعد أن وصل إلى هذه النتيجة أخذ يبرهن للعلماء على أن آلات ما قبل التاريخ المصري تكاد تكون مماثلة لما هو محفوظ في متاحف أوروبا من نفس العصر.
وبعد ذلك أثبت بصفة نهائية أن عصر الحجر المهذب في مصر قد سبق عصر الحجر المصقول، وأن الأخير قد خلفه عصر استعمال المعادن، كما هو الحال في إنجلترا وفرنسا وغيرهما.
وفي عام 1897 وضع العالم «دي مرجان» نتائج أبحاثه أمام العالم، ومنذ ذلك العهد اعترف فعلا بوجود عصر ما قبل التاريخ في مصر، ومن ثم أخذت البحوث تترى معززة رأي هذا العالم العظيم أو مكملة لبحوثه، وفي بعض الأحيان كانت مصححة لبعض أخطائه في نقط مختلفة، وقد مهدت لنا أبحاث الأستاذ «فلندرز بتري»، «ودي مرجان» السبيل لإيجاد صلة بين عصر ما قبل التاريخ المصري وعصر الدولة القديمة، وقد أطلق على هذه الفترة عصر ما قبل الأسرات.
وعثر الأثري «لجران» بعد ذلك على محطات جديدة، وعثر كذلك العالمان «ستون» و«كار» وغيرهما في منطقة الصحراء على حافة النيل على مواقع من هذا العصر.
وقد أشار الأستاذ «شفينفورت» العالم الألماني إلى وجود عدة محطات فيها آلات يرجع عهدها إلى عصر ما قبل التاريخ. (1) مصر والنيل
مما لا جدال فيه أن البلاد المصرية كانت تختلف اختلافا بينا عما هي عليه الآن، عندما بدأ يظهر فيها الإنسان الأول، ولأجل أن نكون فكرة عن حالة البلاد الطبيعية في هذا العهد، يجب علينا أن نرجع إلى الوراء إلى عهود جيولوجية سحيقة في القدم؛ أي قبل أن يظهر أثر الإنسان بمدة قصيرة نسبيا، وهذا العصر يعرف في التاريخ الجيولوجي للقشرة الأرضية بالزمن الجيولوجي الثالث، على أننا لن نبحث هنا عن المراحل الجيولوجية التي سبقت هذا العهد، ونعني بذلك المرحلتين الأوليين، وكذلك لن نتكلم عن النيل الأولى «القديم» الذي سبق النيل الحالي، بل سنكتفي هنا بأن نذكر بعض تفاصيل، لا بد منها للباحث في تاريخ مصر وطبيعة بلادها.
تتكون القشرة الأرضية في البلاد المصرية من ثلاث طبقات متتابعة بعضها فوق بعض:
أولا:
صفحة غير معروفة