كان لعروة بن الزبير بستان من أعظم بساتين المدينة، وكان يسور بستانه طوال العام، لحماية أشجاره من أذى الماشية وعبث الصبية، حتى إذا آن أوان الرطب وأينعت الثمار # وطابت، واشتهتها النفوس، كسر حائط بستانه في أكثر من جهة ليجيز للناس دخوله، وكان كلما دخل بستانه ردد قوله تعالى: {ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله} [الكهف: 39] (¬1).
مداواة الروماتيزم
:
آلمت بعض الإخوة الشباب في المعتقل البرد الشديد في الزنزانة، وكان شابا وكانت معه أغطية وثياب، ولما علم معاناة المستشار الهضيبي من مرض الروماتيزم الحاد المزمن الذي يحوج أجلد الفتيان إلى مضاعفة الدفء في وقت الشتاء، فعمد إلى فروة ودفع بها مع حارس الزنزانة ليسلمها -لقاء مبلغ من المال- إلى الأستاذ الهضيبي في زنزانته التي عرف رقمها، غير أن الحارس لم يلبث أن عاد إليه بالفروة بيده ليبلغني أن نزيل تلك الزنزانة أمره بإعادتها إلي، وخشيت أن يكون الحارس قد أخطأ المقصود فرددته بكلمة رمزية وألزمته بتسليم الفروة، والتأكد ممن أرسلتها إليه بجواب تلك الكلمة، ولكنه سرعان ما عاد إلي بالجواب الرمزي، ومعه الرفض الحاسم بدعوى أنه لا يشعر بأي برد يحوجه إلى الفراء.
وبعد يومين هيأت لهذا الشاب الأقدار الاجتماع بالهضيبي في دورة المياه فقال له: أدفيء نفسك بفروتك أو ادفعها إلى من يحتاج إليها من إخوانك، فقال له: فديتك نفسي، من أحوج إليها منك وأنت مريض بالروماتيزم والدوسنتاريا، فإذا بالهضيبي يقول له في بشاشة: لقد شفيت والله ببرد هذه الزنزانة من كل ما أثقلني من الأمراض في السنوات الماضية. وما كاد الشاب يسمع الجواب حتى غلبته العبرات، وتضاءلت نفسه كأنها حفنة من تراب.
إيثار الكفاح على السلامة
صفحة ٢٦٦