[سبب قيام الإمام بالدعوة ]
وبعد فلما رأينا قواعد الدين الحنيف قد أشرفت على الإنهدام، ومعالم الشرع الشريف قد أشفت على الإندراس والانعدام، وتعطلت الشرائع والأحكام، واستحل الحرام، وظهرت البدع والمنكرات، وعمت المظالم والبليات، وبدت نواجم الكفر والضلالات من جميع الجهات، واعتورت الإسلام وأهله المصائب والنوائب والآفات، وصار حاله كما قال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: (( بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء ))، فعند ذلك عول علينا العلماء الأعلام، ومن يرجع إليهم الحل والإبرام، وألزمونا الحجة في القيام بأمر الإمامة العظمى، والتسنم لهذا المنصب الرفيع الأسمى، فلما لم نجد عما راموه منا معدلا، ولا ألفينا للإعتذار مدخلا، جردنا العزيمة غيرة لدين الله تبارك وتعالى، وقمنا بهذا الواجب العظيم تعظيما له وإجلالا، وكررنا الدعاء إلى كافة العباد، وبعثنا الكتب والرسائل إلى أقطار البلاد، وحرضنا على فريضة الجهاد، والسلوك إلى سبيل الرشاد، فأجابنا بحمد الله الجم الغفير، وأهرع إلى دعوتنا الصغير والكبير، ثم لا زلنا نبذل النفوس والنفيس طلبا لإعزاز الدين، والذب عن شريعة سيد المرسلين، وإحياء سنة الجهاد، التي هي طريقة الأنبياء والأئمة الراشدين صلوات الله تعالى عليهم، وننتقل لطلب النصرة من بلاد إلى بلاد، ونركب متون الأغوار والأنجاد، ونكرر الوقائع بأهل الزيغ والإلحاد، وأهل البغي والفساد، حتى نعش الله تعالى أمور الدين، وعلا نوره، وأشرقت في سماء المجد بدوره، وكشف عن وجه الإسلام ستوره، وانتظمت للمؤمنين الأحوال، وكفى الله تعالى بعض تلك الأهوال، ونحن إنشاء الله على ذلك المنوال، من غير كلال ولا ملال، بعون الله الكبير المتعال.
صفحة ١