### ||| [مقدمة الرسالة]
[إشارة إجمالية إلى أصول الدين]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي فتح لأصفيائه باب الدعاء الى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة، ومنح قلوب أوليائه التلقي بالقبول على مرور الأعوام والأزمنة، وجعلهما فرضين لازمين، وواجبين متساويين، وإن تباعدت الديار والأمكنة.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة مذعنة بأنه الواحد القهار، الأول الآخر، الباطن الظاهر، الخالق الفاطر، الذي لا تدركه النواظر، ولا تحجبه السواتر، ولا يشبهه شئ من المخلوقات ولا تضاهيه العناصر، بل هو الحي القيوم، السميع العليم، القادر البصير الحكيم، فأفعاله جارية على قانون الإحكام الباهر، الصادق في الأقوال، العادل في الأفعال، فلا يفعل القبيح ولا يرضاه، ولا يصدر عنه في النواهي والأوامر ، كلف عباده اختيارا ولم يكلفهم اضطرارا، وهداهم النجدين، ومكنهم من الفعلين، ودعاهم إلى الخير الوافر،صادق الوعد والوعيد ? ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد?(ق:29)، لا يثيب أحدا إلا بعمله، ولا يعاقبه إلا بذنبه من كل بر وفاجر.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، المختار لتبليغ رسالته، واستيداء شكر نعمته، ختم به أبواب النبوات، وأيده بالآيات البينات، والمعجزات النيرات في حله ورحلته، بعثه على حين فترة من الرسل، ودروس من السبل، فنسخ بملته جميع الملل، وجاهد في الله بالقول والعمل، حتى استقام الحق واعتدل، وخاب الباطل وبطل، وحتى اختار له رفيع درجته بدار كرامته، صلى الله عليه وآله وسلم صلاة وسلاما يثبتان دواما، ويكونان لحقوقه قواما، وجزاه الله عنا أفضل ما جزا نبيا عن أمته.
صفحة ١
وعلى أخيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، أفضل الصديقين، المنزل منه بمنزلة هارون من موسى إلا نبوته، وعلى سيدة النساء، وخامسة أهل الكساء، سليلة الرسول وبضعته، وعلى ولديهما الإمامين قاما أو قعدا، سيدي شباب أهل الجنة الشهداء، ولدي المصطفى وعصبته، وعلى عترته الأطهار، المصطفين الأخيار، سفن النجاة، وقرناء الكتاب وتراجمته.
ورضي الله تعالى عن الصحابة الراشدين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، القائمين بما أوجب الله عليهم من حق طاعته.
صفحة ٢
[سبب قيام الإمام بالدعوة ]
وبعد فلما رأينا قواعد الدين الحنيف قد أشرفت على الإنهدام، ومعالم الشرع الشريف قد أشفت على الإندراس والانعدام، وتعطلت الشرائع والأحكام، واستحل الحرام، وظهرت البدع والمنكرات، وعمت المظالم والبليات، وبدت نواجم الكفر والضلالات من جميع الجهات، واعتورت الإسلام وأهله المصائب والنوائب والآفات، وصار حاله كما قال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: (( بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء ))، فعند ذلك عول علينا العلماء الأعلام، ومن يرجع إليهم الحل والإبرام، وألزمونا الحجة في القيام بأمر الإمامة العظمى، والتسنم لهذا المنصب الرفيع الأسمى، فلما لم نجد عما راموه منا معدلا، ولا ألفينا للإعتذار مدخلا، جردنا العزيمة غيرة لدين الله تبارك وتعالى، وقمنا بهذا الواجب العظيم تعظيما له وإجلالا، وكررنا الدعاء إلى كافة العباد، وبعثنا الكتب والرسائل إلى أقطار البلاد، وحرضنا على فريضة الجهاد، والسلوك إلى سبيل الرشاد، فأجابنا بحمد الله الجم الغفير، وأهرع إلى دعوتنا الصغير والكبير، ثم لا زلنا نبذل النفوس والنفيس طلبا لإعزاز الدين، والذب عن شريعة سيد المرسلين، وإحياء سنة الجهاد، التي هي طريقة الأنبياء والأئمة الراشدين صلوات الله تعالى عليهم، وننتقل لطلب النصرة من بلاد إلى بلاد، ونركب متون الأغوار والأنجاد، ونكرر الوقائع بأهل الزيغ والإلحاد، وأهل البغي والفساد، حتى نعش الله تعالى أمور الدين، وعلا نوره، وأشرقت في سماء المجد بدوره، وكشف عن وجه الإسلام ستوره، وانتظمت للمؤمنين الأحوال، وكفى الله تعالى بعض تلك الأهوال، ونحن إنشاء الله على ذلك المنوال، من غير كلال ولا ملال، بعون الله الكبير المتعال.
صفحة ١
[موضوع هذه الرسالة ]
هذا وإن كانت الدعوة المباركة قد عمت الأقطار، وظهرت ظهور شمس النهار، وسار بها الركبان في الأسفار، لكنا أردنا أن نخص بهذه الدعوة، ونبعث بهذه الرسالة، إلى أصحابنا وأشياعنا وأعضادنا إنشاء الله تعالى وأتباعنا أهل الديار الحجازية، ومن قطن بمحروس الصفراء من الزيدية، وأهل بدر، وخيبر، وأهل وادي الفرع بجبل الرس الأزهر، مهابط البركات والأنوار ومقر الأئمة السابقين الأخيار، ومن ألم بهم من أهل تلك الديار، ممن شملتهم دعوة جدنا المختار، وعترته الأئمة الأطهار صلى الله وسلم عليهم أجمعين، وننهي إليكم سلاما يفوح نشره، ويلوح في أوج المعارف بدره، وندعوكم إلى الدعوة النبوية، والسيرة العلوية، والطريقة المرضية، الجامعة غير المفرقة، والعادلة غير الجائرة، وإلى الدخول في زمرة من قد بايعنا وشايعنا على العمل بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، نحيي ما أحييا ونميت ما أماتا، وأن تكون أيديكم مع أيدينا، ولكم ما لنا وعليكم ماعلينا، من إقامة أركان الإسلام التي هي: صوم، وصلاة، وحج، وزكاة، وشهادة أن لا إله إلا الله [وأن محمدا عبده ورسوله]، وما يتبعها من الإتيان بالواجبات، واجتناب جميع المقبحات، والأمر بالمعروف الأكبر، والنهي عن الفحشاء والمنكر، والتغيير على الظالمين، ومثاغرة الكافرين، والجهاد في سبيل رب العالمين، كل أحد بمستطاعه وما يقدر عليه ?يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم?(الأحقاف: 31) .وقد أردنا أن نذكر في هذه الرسالة المختصرة أبوابا ينفع الله تعالى بها في أمور الدين ?وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ?(الذاريات: 55)، ?وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ?(هود: 88).
صفحة ١
### || [الباب الأول] في ذكر شيء من الأدلة فيما يجب
للمحقين من الأئمة من وجوب الإجابة والحقوق على كافة الأمة
[أدلة الكتاب على وجوب طاعة داعي الله]
قال الله تعالى ? يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب?(الأنفال: 24 25)، دلت (الآية) على وجوب إجابة الإمام الحق إذا دعا إلى سبيل الرشاد، لأن الإمام قائم مقام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالإجماع، ولهذا قال أبو بكر بمحضر من الصحابة الراشدين رضي الله عنهم، عند قتال أهل الردة (( والله لو منعوني عقالا أو قال عناقا مما كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقاتلتهم عليه )) .
وقال تعالى: ? أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم?(النساء: 59) ، وأولوا الأمر هم أئمة الحق بالإجماع.
قال صاحب الكشاف رضي الله عنه (( والمراد أمراء الحق، لا أمراء الجور، فإن الله ورسوله بريئان منهم، فلا يعطفون على الله ورسوله في وجوب الطاعة لهم )).
وقال الإمام يحيى بن حمزة عليه السلام في الانتصار: ((واعلم أن الواجب على الأمة هو النصر للإمام، وموازرته، ومعاضدته، وإعانته على ما في وجهه من المكالف، ويحرم عليهم خذلانه، ويلزمهم أن يطيعوه فيما أمر الله تعالى أن يطيعوه فيه، فينقادوا لأمره، ويمتثلوا طاعته، وينهضوا إذا استنهضهم لقتال أعدائه، ولا يكتموا عنه شيئا من النصائح، ويحدثوا له النصيحة من أنفسهم سرا وجهرا.
والأصل في هذه الأمور كلها قوله تعالى: ? أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ?(النساء: 59)، وأولوا الأمر هم الأئمة بإجماع الأمة.
صفحة ١
وروى زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام أنه قال: (( ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: رجل بايع إماما عادلا فإن أعطاه شيئا من الدنيا وفى له، وإن لم يعطه لم يف له، ورجل له ماء على ظهر الطريق يمنع سابلة الطريق، ورجل حلف بعد العصر، لقد أعطي في سلعته كذا وكذا فأخذها الآخر مصدقا له بيمينه وهو كاذب )).
وأما من امتنع من بيعة إمام عادل، فقد قال الهادي عليه السلام في الأحكام: (( طرحت شهادته، وسقطت عدالته، وحرم نصيبه من الفيء )).
أما وجوب البيعة إذا طلبها الإمام، فلما فيها من قوة أمره وتوهين أمر من يخالفه ويعاديه، ولما فيها من انتظام الأمر، وجمع الشمل، وهي من جملة الطاعة، وقد قال تعالى ? أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ?(النساء: 59) فكيف وقد اشتملت البيعة على هذه المصالح الدينية ولأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كانت له بيعتان قبل خروجه من مكة: بيعة النساء، وبيعة العقبة، وبايع بعد خروجه من مكة بيعتين: بيعة الرضوان وهي بيعة الشجرة والبيعة الثانية يوم الحديبية )).انتهى كلام الانتصار.
صفحة ٢
[أدلة السنة المطهرة على وجوب طاعة الإمام]
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (( من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ))، رواه في الانتصار، وهو متلقى بين الأئمة بالقبول، ذكره نجم آل رسول الله الإمام القاسم بن إبراهيم (عليهما السلام).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (( من مات وليس عليه إمام فقد خرج من ربقة الإسلام )) .
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (( من سمع واعيتنا، أهل البيت فلم يجبها كبه الله على منخريه في نار جهنم )) .
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (( من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر من ذريتي فهو خليفة الله وخليفة كتابه وخليفة رسوله ))، رواه الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين عليهما السلام في الأحكام.
وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام: (( وإنما الأئمة قوام الله على خلقه، وعرفاؤه على عباده، لا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه، ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه )) .
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:(( لخليفتي على الناس السمع والطاعة ما استرحموا فرحموا، وحكموا فعدلوا، وعاهدوا فوفوا، ومن لم يفعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين )).
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: (( إن الجنة لا تحل لعاص، ومن لقي الله ناكث بيعة لقيه وهو أجذم، ومن خرج عن الجماعة قيد شبر متعمدا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه ومن مات ليس بإمام جماعة ولا لإمام جماعة في عنقه طاعة مات ميتة جاهلية )) .
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( تمسكوا بطاعة أئمتكم ولا تخالفوهم، فإن طاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله، وإن الله تعالى إنما بعثني لأدعو إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة، فمن خلفني في ذلك فهو وليي، ومن ولي منكم شيئا فعمل بغير ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين )) .
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم:(( من أهان سلطان الله أهانه الله )).
صفحة ١
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( السلطان فيء الله في أرضه، من أكرم سلطان الله أكرمه الله يوم القيامة، ومن أهان سلطان الله أهانه الله )).
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: (( ليس للمرء إلا ماطابت به نفس إمامه))، من آخر حديث وقد مر.
وعن علي عليه السلام أنه قال: (( حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله عز وجل، وأن يعدل في الرعية، فإذا فعل ذلك فحق عليهم أن يسمعوا وأن يطيعوا وأن يجيبوا إذا دعا، وأي إمام لم يحكم بما أنزل الله فلا طاعة له )).
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( من نزع يده من طاعة الإمام فإنه يجيء يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وهو مفارق للجماعة فقد مات ميتة جاهلية )).
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم:(( الوالي العدل ظل الله في أرضه، فمن نصحه في نفسه وفي عباد الله حشره الله تعالى في وفده يوم لا ظل إلا ظله، ومن غشه في نفسه وفي عباد الله تعالى خذله الله يوم القيامة، ويرفع للوالي العادل في كل يوم وليلة عمل ستين صديقا، كلهم عبد مجتهد )).
وعن أبي هريرة قال: قال صلى الله عليه وآله وسلم: (( إنما الإمام جنة يقاتل به )) أخرجه أبو داود، وقد أخرجه البخاري ومسلم والنسائي بالمعنى.
وعن معاذ بن جبل قال: (( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الغزو غزوان: فأما من ابتغى وجه الله، وأطاع الإمام، وأنفق الكريمة، وياسر الشريك، واجتنب الفساد، فإن نومه ونبهه أجر كله، وأما من غزا فخرا، ورياء، وسمعة، وعصى الإمام، وأفسد في الأرض، فإنه لم يرجع بالكفاف ))، أخرجه أبو داود، والنسائي، وهو في رواية الموطأ بالمعنى.
وأخرج الترمذي من حديث أبي سعيد، قال: (( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أحب الناس إلى الله يوم القيامة، وأدناهم منه مجلسا، إمام عادل، وأبغض الناس إلى الله تعالى وأبعدهم منه مجلسا إمام جائر )).
صفحة ٢
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني ))، وفي رواية أخرى مثله، وفيه (( إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به، فإن أمر بتقوى الله وعدل فإن له بذلك أجرا، وإن قال بغيره كان عليه منه وزرا ))، أخرجه البخاري، ومسلم، وأخرج النسائي الرواية الثانية، وفي أخرى للبخاري مثله، وفي آخره ((نحن الآخرون السابقون ))، ثم ذكره.
وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:(( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره، إلا أن يؤمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ))، أخرجه الجماعة إلا الموطأ.
وعن أبي هريرة قال: (( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك ))، أخرجه مسلم والنسائي.
هذا وغيره مما ورد في الآيات البينات، والأحاديث النيرات، والسنن المشهورات، والأخبار المأثورات، مما تضيق عنه الأوراق، وتطوق به الأعناق، من رواية الموالف والمخالف، قد شحنت به كتب علماء آل الرسول، وكتب شيعتهم الحفاظ الفحول، وغيرهم من علماء الإسلام حفاظ المنقول.
صفحة ٣
[مقتضى الآيات والأحاديث]
وقد قضى جميع ذلك بمنطوقه ومفهومه، وخصوصه وعمومه، وفحواه وإشارته، ولحنه وعباراته، بوجوب إجابة أئمة الهدى، ومصابيح الدجى من أهل بيت المصطفى، أمان أهل الأرض من الهلاك، والردى، ولزوم طاعتهم، ونصرتهم، ومودتهم، وإعانتهم، وتعظيمهم، والكون في حزبهم، وجماعتهم، وموالاة من والاهم، ومعاداة من عاداهم، والانتماء إليهم، والجهاد بين أيديهم وبذل ما جعل الله ولايته إليهم، وغير ذلك من الحقوق التي تجب لهم كل ذلك تعبدا لله تعالى، وقياما بحقه وحق رسوله، وما يجب لقرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
صفحة ١
[ثمرة طاعة الإمام]
وثمرة ذلك كله عائدة على الأمة ونازلة بهم، كما قال تعالى ? من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها?(الإسراء: 15) .
إذا تقرر هذا، فنقول: إن أكثر الناس قد تعاموا عن هذا الواجب العظيم، والتكليف الجليل الفخيم، وتساهلوا به، وتغاضوا عنه، وفرطوا فيه، كما قال تعالى: ? وأكثرهم للحق كارهون? (المؤمنون: 70)، ? وما أكثر الناس ولوحرصت بمؤمنين? (يوسف: 103) ، ? وما آمن معه إلا قليل? (هود: 40) ، إنا لله وإنا إليه راجعون، فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
فلو كان مسألة من المسائل الفرعية، أو حكم من الأحكام الشرعية ورد فيه ما ورد في حق الإمام، واشتهر ونقل عند علماء الإسلام، لتسارعت الأمة إلى تاركه بأنواع المذام، وحكموا بضلاله وهلاكه بالألسن والأقلام، فما ظنك بهذا الواجب القطعي، والحكم الأصلي، الذي تدور رحا الإسلام عليه، وتسند المصالح الدينية إليه، وتسد به الثغور، وتدفع به الشرور، وتنتظم به أحوال الجمهور، وتقوم به فريضة الجهاد، الذي هو سنام الدين، وسنة الأنبياء والخلفاء الراشدين، ويتم به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فينتصر المظلوم، ويتصل المحروم، وتقام الحدود، ويردع الظالم العنود، وتنفذ الشرائع والأحكام، ويميز الحلال من الحرام، ويعبد الله في كل مقام، وتأمن السبلات، وتؤتى الواجبات، وتجتنب المقبحات، وتنزل البركات.
وعلى الجملة فما من فريضة من الفرائض، ولا مصلحة من المصالح إلا وهي معولة عليه، ومستمدة منه، والله أعلم بمصالح عباده.
صفحة ١
[صفات الإمام]
واعلم أن الخليفة لما كان قائما مقام من استخلفه، اشترط أن تكون فيه صفاته حتى يقوم بما استخلفه فيه، ولهذا اشترط في الإمام أن يكون بصفات النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المنصب الشريف، والتقوى، والورع، والشجاعة، والسخاء، وحسن التدبير، والعلم النافع، بحيث يتمكن من فصل الواردات وحل المشكلات، وأن يشهر نفسه، ويدعو إلى سبيل ربه، ويباين الظالمين، ويقرب أهل الدين، ويقسم بالسوية، ويعدل في الرعية، ويسير سيرة من استخلفه كما جاء في الأدلة الشرعية، فمتى كان كذلك وجبت إجابته، وتحتمت طاعته على القريب والبعيد، والأحرار والعبيد، ومتى كان على خلاف تلك الصفات فلا طاعة له ولا إجابة، ولا تجوز بيعته ولا القتال معه.
صفحة ١
[دعوة الإمام الناس إلى إجابة الله، والقيام معه لرفع راية الله]
وإنا بحمد الله تعالى لما قمنا بهذا الأمر، دعونا الأمة إلى ما فيه صلاحها ورشادها، وخيرها وسدادها، وامتثلنا أمر ربنا عز وجل فيما أوجب علينا، وحملناهم الحجة فيما أوجب الله عليهم وأودع من الأمانة لديهم، وأشهدنا الله تعالى وملائكته أنا لم نأل جهدا في الصلاح والفلاح والإستصلاح،[قال تعالى]:
? قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين? (يوسف: 108) .
صفحة ١
[الباب الثاني] في ذكر طرف مما جاء في فضائل العترة عليهم السلام ووجوب التمسك بهم وما يتبع ذلك
صفحة ١
### || [الباب الثاني] في ذكر طرف مما جاء في فضائل العترة
عليهم السلام ووجوب التمسك بهم وما يتبع ذلك
[افتراق الأمة]
اعلم أنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله: (( ستفترق أمتي إلى نيف وسبعين فرقة كلها هالكة إلا فرقة واحدة )). هذا حديث مقطوع بصحته، لأنه متلقى بالقبول من جميع الأمة لا يختلفون فيه، وقد روي بطرق عديدة، ويصدقه الواقع، فإن الأمة افترقت بعد نبيها صلى الله عليه وآله وسلم فرقا شتى.
قال العنسي رحمه الله في المحجة البيضاء: (( انتشر مذهب الخوارج في زمن علي عليه السلام. وفي زمنه كان حدوث مذهب الغلاة والمفوضة، وهم الذين مهدوا مذاهب الباطنية، وفي ضمنه في زمن معاوية ظهر الجبر والتشبيه، ثم تزايدت مذاهب الجبرية وصاروا فرقا، كالأشعرية، والكلابية، والكرامية، والضرارية، وظهر في ضمن ذلك آخر زمن بني أمية مذاهب الإمامية، وتزايدت في زمن العباسية،،، ،وظهر في التابعين مذهب المرجئة، ولحق أكثرهم بمذهب الجبرية والإمامية، وظهر مذهب المعتزلة في زمن واصل بن عطاء، وتزايد وصار لهم رئاسة عظيمة لميلهم في العدل والتوحيد إلى مذهب العترة الزكية، واستقامت الزيدية على المذهب الذي كان عليه زيد بن علي وسائر العترة عليهم السلام، وهو المذهب الذي مات عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومات عليه علي عليه السلام وابناه الحسن والحسين عليهما السلام، والجماعة الوافرة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم ومن التابعين. )) انتهى.
صفحة ١
[وجوب طلب الفرقة الناجية]
قلت فحقيق لمن قرع سمعه ذلك، ووقر في قلبه ما هنالك، أن يجتهد في طلب الفرقة الناجية عند مداحض الأقدام، والطريقة الموصلة إلى السلامة والاغتنام، فيجعلها إمامه وقائده، وعصمته ورائده، ليفوز بالنجاة في يوم الزحام، عند مواقف الأشهاد ومناقشة العباد، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
صفحة ١
[بيان الله تعالى للفرقة الناجية]
وقد بين الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم الفرقة الناجية، بآية المودة والتطهير، وآية المباهلة وغيرها من الآيات الدالة على أنها العترة الطاهرة الزكية، ومن تابعها في دينها من سائر البرية، وبما ورد في الأربعة المعصومين خاصة، وبما ورد فيهم وفي سائر العترة عليهم السلام عامة.
صفحة ١
### || [الأدلة على أن العترة هي الفرقة الناجية]
[خبر الثقلين]
من ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ))، وهذا الخبر متواتر، مجمع على صحته.
وقد ذكره الإمام أحمد بن سليمان عليه السلام في حقائق المعرفة متصلا بما قبله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( أمة أخي موسى افترقت إلى إحدى وسبعين فرقة، وافترقت أمة أخي عيسى إلى اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي من بعدي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها هالكة إلا فرقة واحدة، فلما سمع ذلك منه، ضاق به المسلمون ذرعا، وضجوا بالبكاء، وأقبلوا عليه، وقالوا: يا رسول الله كيف لنا بطريق النجاة ؟ وكيف لنا بمعرفة الفرقة الناجية حتى نعتمد عليها ؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ))، قال والأمة مجمعة على صحة هذا الخبر، وكل فرقة من فرق الإسلام تتلقاه بالقبول ، انتهى.
فبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قد ترك في أمته خليفتين، وحبلين ممدودين، وثقلين عظيمين، باقيين ما بقيت هذه الدار، لا يفارق أحدهما صاحبه حتى يردا على النبي المختار صلى الله وسلم عليه وآله الأخيار، فهما عصمة اللائذين، ونجاة الطالبين، وعمدة الموحدين، وأمان المسلمين:
صفحة ١
أحدهما وهو الأكبر كتاب الله تعالى، حبل ممدود من السماء إلى الأرض، طرفه بيد الله تعالى وطرفه بأيدينا، كما جاء في بعض ألفاظ هذا الحديث، وهو المعجزة لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم، الباقية إلى انقطاع التكليف، المحفوظ عن الزيادة والنقصان والتحريف، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، وكما قال تعالى: ? إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون?(الحجر: 9)، وقال تعالى: ? ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين?(البقرة: 1-2) .
صفحة ٢
والثقل الآخر وهو الأصغر عترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته، قد جعلهم الله تعالى تراجمة الكتاب، وخلفاء رسول الله، وبدلا عنه في حمل الشريعة إلى أمته، وحراستها عن التغيير من سنته، وأقامهم مقامه فيما تحتاج إليه في أمر دينها إلى يوم القيامة، وفي الذب عنها باللسان والسنان، والدعاء إلى دين الملك الديان، فهم سفن النجاة، وباب حطة، وباب السلم، وأمان أهل الأرض، رزقهم الله تعالى علم جدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفهمه، وخلقهم من لحمه ودمه، وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، ونوه بفضلهم وتقديمهم، وأوجب على عباده جميعا مودتهم واتباعهم، وتقديمهم، ونصرتهم، والتعلم منهم، والكون في حزبهم، والاهتداء بهديهم، فإليهم في الفزع الانتماء، وبهم في الأصول الإقتداء، وأعد لمن ناواهم أنواع العقوبات، وأصناف الجوائح المؤلمات، كما جاء ذلك كله في الآيات البينات والأحاديث المتكاثرات، منها ما نقل وبلغ حد التواتر، ومنها ما هو متلقى بالقبول كما هو ظاهر، ومنها ما اشتهر في الدواوين الكبار بطرق أئمتنا عليهم السلام وغيرهم من علماء الأمصار، ومنها ما روي بالآحاد مسلسلة الإسناد بالأسانيد الجياد، ولابد أن نشير إلى طرف يسير في هذه الأوراق لقصد التنبيه والإدكار، إذ حصر فضائلهم وخصائصهم تستغرق الأسفار، ويستوعب المجلدات الكبار، ومن أحب الإطلاع على ذلك فليراجع مؤلفاتهم، ومؤلفات شيعتهم، ومؤلفات سائر علماء الإسلام في فضائلهم، يجد شفاء الأوام وغاية المرام، فمنها هذا حديث الثقلين.
صفحة ٣