مواقف التابعين وأتباعهم في الدعوة إلى الله تعالى
الناشر
مطبعة سفير
مكان النشر
الرياض
تصانيف
كوقوفي بين يديك».
فلما رأى المعتصم ثباته وتصميمه وصلابته فكأنه أمسك حتى أغراه أحمد بن أبي دؤاد، وقال: يا أمير المؤمنين، إن تركته قيل: قد ترك مذهب المأمون، وسخط قوله، فهاجه ذلك على ضربه، ثم بدأ الجلادون يضربون، فيتقدم الرجل منهم فيجلده سوطين، والمعتصم يقول: شد قطع اللَّه يدك.
وأُغمي على أحمد، وذهب عقله مرارًا، ويعيدون الضرب ولم يحس بالضرب، وجاء المعتصم إليه ثلاث مرات وهو يُجلد يدعوه إلى القول بخلق القرآن، فيمتنع، ويعيدون الضرب، ثم أمر المعتصم بإطلاقه، بعد أن ضُربَ نيفًا وثلاثين سوطًا، وقيل ثمانين سوطًا، ولكنه كان ضربًا مبرحًا، ولم يشعر الإمام أحمد إلا وهو في حجرة من بيت، وقد أطلقت الأقياد من رجليه، ثم أمر المعتصم بإطلاقه إلى أهله، وكان ذلك في ٢٥ رمضان سنة ٢٢١هـ، ووصل إلى بيته (١)، وجاء إليه طبيب في بيته فقال: قد رأيت من ضُرِبَ ألف سوط، ما رأيت ضربًا مثل هذا، وجعل يعالجه ويقطع اللحم الميت من جسده، وأحمد صابر، ويجهر بحمد اللَّه، وبقي أثر الضرب في ظهره حتى مات ‘ (٢)، وجعل كل من آذاه في حل بعد أن شفاه
_________
(١) انظر: سير أعلام النبلاء، ١١/ ٢٥٠ - ٢٥٤، والبداية والنهاية، ١٠/ ٣٣٢ - ٣٣٥.
(٢) انظر: سير أعلام النبلاء، ١١/ ٢٥٦، والبداية والنهاية، ١٠/ ٣٣٥.
1 / 34