اختلاف أمتي رحمة عطف بيان للخبر وقوله يعني أي يريد الرسول باختلاف أمته اختلاف هممهم في العلوم مقول ذلك البعض وما بعده تفصيل لذلك الاختلاف أعني قوله فهمة واحد في الفقه لضبط الأحكام المتعلقة بالأفعال وهمة آخر في الكلام لحفظ العقائد فينتظم بهما أمر المعاد وقانون العدل المقيم للنوع كما اختلفت همم أصحاب الحرب والصناعات ليقوم كل واحد منهم بحرفة أو صناعة فيتم النظام في المعاش المعين لذلك الانتظام وهذا الاختلاف أيضا رحمة كما لا يخفى لكنه مذكور ههنا تبعا ونظيرا وإذا كان الأمر على ما ذكر من تعذر الإحاطة بجملة العلوم فإذا الواجب على العاقل الاشتغال بالأهم وما الفائدة فيه أتم هذا كما ذكر وإن أرفع العلوم مرتبة ومنقبة وأعلاها فضيلة ودرجة وأنفعها فائدة وأجداها عائدة وأحراها أي أجدرها بعقد الهمة بها وإلقاء الشراشر عليها يقال ألقى شراشره أي نفسه بالكلية حرصا ومحبة وهي في الأصل بمعنى الأثقال جمع شرشرة وإدآب النفس إتعابها فيها وتعويدها بها وصرف الزمان إليها علم الكلام المتكفل بإثبات الصانع وتوحيده في الألوهية وتنزيهه عن مشابهة الأجسام ترك الأعراض إذ لا يتوهم مشابهته إياها واتصافه بصفات الجلال والإكرام أي بصفات العظمة والإحسان إلى المخلصين من عباده أو بالصفات السلبية والثبوتية أو القهر واللطف وإثبات النبوة التي هي أساس الإسلام بل لا مرتبة أشرف منها بعد الألوهية وعليه مبنى الشرائع والأحكام أي وعلى علم الكلام بناء العلوم الشرعية والأحكام الفقهية إذ لولا ثبوت الصانع بصفاته لم يتصور علم التفسير والحديث ولا علم الفقه وأصوله وبه يترقى في الإيمان باليوم الآخر من درجة التقليد إلى درجة الإيقان وذلك الإيقان هو السبب للهدى والنجاح في الدنيا والفوز والفلاح في العقبى فوجب أن يعتنى بهذا العلم كل الاعتناء وأنه في زماننا هذا قد اتخذ ظهريا أي أمرا منسيا قد ألقي وراء الظهر وصار طلبه عند الأكثرين شيئا فريا بديعا عجيبا وقيل مصنوعا مختلفا لم يبق منه من علم الكلام بين الناس إلا قليل ومطمح نظر من يشتغل به على الندرة
صفحة ٢٢