الثالث: أن تارك الأمر مخالف له، كما أن الأتي به موافق، والمخالف على صدد العذاب، لقوله تعالى:"فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم "، قيل: الموافقة اعتقاد حقية الأمر، فالمخالفة اعتقاد فساده، قلنا: ذلك لدليل الأمر لا له، قيل: الفاعل ضمير و"الذين" ومفعول، قلنا: الإضمار خلاف الأصل، ومع هذا فلا بد له من مرجع، قيل:"الذين يتسللون "،قلنا: هم المخالفون فكيف يؤمرون بالحذر عن أنفسهم، وإن سلم فيضيع قوله تعالى:" أن تصيبهم فتنة "، قيل:"فليحذر"لا يوجب، قلنا: يحسن وهو دليل قيام المقتضى، قيل:"عن أمره" لا يعم، قلنا: عام لجواز الاستثناء.
الرابع: أن تارك الأمر عاص، لقوله تعالى:" أفعصيت أمري " " لا يعصون الله ما أمرهم " والعاصي يستحق النار لقوله تعالى:" ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا "، قيل: لو كان العصيان ترك الأمر لتكرر في قوله تعالى:" ويفعلون ما يؤمرون "، قلنا: الأول ماض أو حال، والثاني: مستقبل، قيل: المراد الكفار لقرينة الخلود، قلنا: الخلود: المكث الطويل.
الخامس: أنه عليه الصلاة والسلام احتج لذم أبي سعيد الخدري علي ترك استجابته وهو يصلي بقوله تعالى:" يا أيها الذين امنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم ".
احتج أبو هاشم: بأن الفارق بين الأمر والسؤال هو الرتبة، والسؤال للندب، فكذلك الأمر، قلنا: السؤال إيجاب، وان لم يتحقق، وبأن الصيغة لما استعملت فيهما، والاشتراك والمجاز خلاف الأصل، فتكون حقيقة في القدر المشترك، قلنا: يجب المصير إلى المجاز لما بينا من الدليل، وبأن تعرف مفهومهما لا يمكن بالعقل ولا بالنقل، لأنه لم يتواتر، والآحاد لا تفيد القطع قلنا: المسألة وسيلة إلى العمل فيكفيها الظن، وأيضا يتعرف بتركيب عقلي من مقدمات نقلية كما سبق.
صفحة ٢١