المقدمة
تقدس من تمجد بالعظمة والجلال، وتنزه من تفرد بالقدم والكمال عن مشابهة الأشباه والأمثال ومصادمة الحدوث والزوال مقدر الأرزاق والآجال ومدبر الكائنات في أزل الآزال عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال نحمده على فضله المترادف المتوال على ما عمنا من الأنعام والأفضال، ونصلي على محمد الهادي إلى نور الإيمان في ظلمات الكفر والضلال وعلى آله وصحبه خير صحب وآل، وبعد،،،
فأولى ما تهم به الهمم العوالي وتصرف فيه الأيام والليالي تعلم المعالم الدينية والكشف عن حقائق الملة الحنيفية والغوص في تيار بحار مشكلاته والفحص عن أستار أسرار معضلاته، وإن كتابنا هذا منهاج الوصول إلى علم الأصول الجامع بين المعقول والمشروع والمتوسط بين الأصول والفروع، وهو وإن صغر حجمه كبر علمه، وكثرت فوائده، وجلت عوائده، جمعته رجاء أن يكون سببا لرشاد المستفيدين ونجاتي يوم الدين والله تعالى حقيق بتحقيق رجاء الراجين.
تعريف أصول الفقه: أصول الفقه معرفة دلائل الفقه إجمالا، وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد.
تعريف الفقه: والفقه العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية
قيل الفقه من باب الظنون، قلنا المجتهد إذا ظن الحكم وجب عليه الفتوى والعمل به؛ للدليل القاطع على وجوب اتباع الظن، فالحكم مقطوع به والظن في طريقه
ودليله المتفق عليه بين الأئمة الكتاب والسنة والإجماع والقياس، ولا بد للأصولي من تصور الأحكام الشرعية ليتمكن من إثباتها ونفيها، لا جرم رتبناه على مقدمة وسبعة كتب. أما المقدمة ففي الأحكام ومتعلقاتها وفيها بابان:
الباب الأول: في الحكم وفيه فصول
صفحة ١
الفصل الأول في تعريفه " الحكم خطاب الله القديم المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير ".
قالت المعتزلة خطاب الله تعالى قديم عندكم والحكم حادث لأنه يوصف به ويكون صفة لفعل العبد، ومعللا به كقولنا: حلت بالنكاح وحرمت بالطلاق وأيضا، فموجبية الدلولك ومانعية النجاسة، وصحة البيع وفساده خارجة عنه، وأيضا فيه الترديد وهو ينافي التحديد.
قلنا الحادث التعلق والحكم يتعلق بفعل العبد لا صفته كالقول المتعلق بالمعدومات والنكاح والطلاق ونحوهما معرفات له كالعالم للصانع، والموجبية والمانعية أعلام للحكم لا هو ، وإن سلم فالمعنى بها اقتضاء الفعل والترك وبالصحة إباحة الانتفاع، وبالبطلان حرمته والترديد في أقسام المحدود لا في الحد.
الفصل الثاني: في تقسيماته
الأول: الخطاب إن اقتضى الوجود ومنع النقيض فوجوب، وإن لم يمنع فندب، وإن اقتضى الترك ومنع النقيض فحرمة، وإلا فكراهة، وإن خير فإباحة.
ويرسم الواجب بأنه الذي يذم شرعا تاركه قصدا مطلقا، ويرادفه الفرض.
وقالت الحنيفة: ما ثبت بقطعي والواجب بظني.
والمندوب: ما يمدح فاعله ولا يذم تاركه ويسمى: سنة ونافلة.
والحرام: ما يذم شرعا فاعله.
والمكروه: ما يمدح تاركه ولا يذم فاعله.
والمباح ما لا يتعلق بفعله وتركه مدح ولا ذم.
الثاني: ما نهى عنه شرعا فقبيح، وإلا فحسن كالواجب والمندوب والمباح وفعل غير المكلف.
والمعتزلة: قالوا: ما ليس للقادر عليه العالم بحاله أن يفعله، وما له أن يفعله. وربما قالوا: الواقع على صفة توجب الذم، أو المدح، فالحسن بتفسيرهم الأخير أخص.
الثالث: قيل: الحكم إما سبب أو مسبب كجعل الزنا سببا لإيجاب الجلد على الزاني، فإن أريد بالسببية الإعلام فحق، وتسميتها حكما بحث لفظي، وإن أريد به التأثير فباطل، لأن الحادث لا يؤثر في القديم، ولأنه مبني على أن للفعل جهات توجب الحسن والقبح وهو باطل.
صفحة ٢
الرابع: الصحة: استتباع الغاية، وبإزائها البطلان والفساد، وغاية العبادة موافقة الأمر عند المتكلمين، وسقوط القضاء عند الفقهاء، فصلاة من ظن أنه متطهر صحيحة على الأول لا على الثاني.
وأبو حنيفة سمي ما لم يشرع بأصله ووصفه كبيع الملاقيح: باطلا، وما شرع بأصله دون وصفه كالربا فاسدا.
والإجراء هو الأداء الكافي لسقوط التعبد به، وقيل سقوط القضاء، ورد بأن القضاء حينئذ لم يجب لعدم الموجب فكيف سقط، وبأنكم تعللون سقوط القضاء به، والعلة غير المعلول، وإنما يوصف به وبعدمه ما يحتمل الوجهين كالصلاة، لا المعرفة بالله تعالى، ورد الوديعة.
الخامس: العبادة إن وقعت في وقتها المعين، ولم تسبق بأداء مختل فأداء، وإلا فإعادة، وإن وقعت بعده ووجد فيه سبب وجوبها فقضاء وجب أداؤه كالظهر المتروكة قصدا، أو لم يجب وأمكن كصوم المسافر والمريض، أو امتنع عقلا كصلاة النائم، أو شرعا كصوم الحائض.
فرع: ولو ظن المكلف أنه لا يعيش إلى آخر الوقت تضيق عليه، فإن عاش وفعل في آخره فقضاء عند القاضي أبي بكر، أداء عند الحجة إذ لا عبرة بالظن البين خطؤه.
السادس: الحكم إن ثبت على خلاف الدليل لعذر فرخصة، كحل الميتة للمضطر والقصر والفطر للمسافر، واجبا ومندوبا ومباحا، وإلا فعزيمة.
الفصل الثالث: في أحكامه وفيه مسائل
الأولى: الوجوب قد يتعلق بمعين وقد يتعلق بمبهم من أمور معينة كخصال الكفارة ونصب أحد المستعدين للإمامة، وقالت المعتزلة الكل واجب على معنى أنه لا يجوز الإخلال بالجميع ولا يجب الإتيان به فلا خلاف في المعنى وقيل الواجب معين عند الله تعالى دون الناس، ورد بأن التعيين يحيل ترك ذلك الواحد والتخيير يجوزه وثبت اتفاقا في الكفارة فانتفى الأول.
قيل: يحتمل أن المكلف يختار المعين، أو يعين ما يختاره أو يسقط بفعل غيره، وأجيب عن الأول بأنه يوجب تفاوت المكلفين فيه وهو خلاف النص والإجماع.
صفحة ٣
وعن الثاني بأن الوجوب محقق قبل اختياره، وعن الثالث بأن الآتي بأيهما آت بالواجب إجماعا.
قيل: إن أتى بالكل معا فالامتثال بالكل فالكل واجب، أو بكل واحد فتجتمع مؤثرات على أثر واحد، أو بواحد غير معين ولم يوجد أو بواحد معين وهو المطلوب.
وأيضا الوجوب معين فيستدعي معينا وليس الكل ولا كل واحد وكذا الثواب على الفعل والعقاب على الترك فإذا الواجب واحد معين.
وأجيب عن الأول بأن الامتثال بكل واحد وتلك معرفات، وعن الثاني بأنه يستدعي أحدها لا بعينه كالمعلول المعين المستدعي علة من غير تعيين.
وعن الأخيرين بأنه يستحق ثواب وعقاب أمور معينة لا يجوز ترك كلها ولا يجب فعلها.
تذنيب:
الحكم قد يتعلق على الترتيب فيحرم الجمع كأكل المذكى والميتة أو يباح كالوضوء والتيمم أو يسن ككفارة الصوم.
الثانية: الوجوب إن تعلق بوقت فإما إن يساوي الفعل كصوم رمضان وهو المضيق أو ينقص عنه فيمنعه من يمنع التكليف بالمحال إلا لغرض القضاء كوجوب الظهر على الزائل عذره وقد بقي قدر تكبيرة، أو يزيد عليه فيقتضي إيقاع الفعل في جزء من أجزائه لعدم أولوية البعض.
وقال المتكلمون يجوز تركه في الأول بشرط العزم وإلا لجاز ترك الواجب بلا بدل.
ورد بأن العزم لو صح بدلا لتأدى الواجب به، وبأنه لو وجب العزم في الجزء الثاني لتعدد البدل والمبدل واحد، ومنا من قال يختص بالأول وفي الأخير قضاء، وقالت الحنفية يختص بالأخير وفي الأول تعجيل، وقال الكرخي الآتي في أول الوقت إن بقي على صفة الوجوب يكون ما فعله واجبا وإلا نافلة، احتجوا بأنه لو وجب في أول الوقت لم يجز تركه، قلنا المكلف مخير بين أدائه في أي جزء من أجزائه.
فرع: الموسع قد يسعه العمر كالحج وقضاء الفائت فله التأخير ما لم يتوقع فواته إن أخر لكبر أو مرض.
المسألة الثالثة:
صفحة ٤
الوجوب إما أن يتناول كل واحد كالصلوات الخمس، أو واحدا معينا كالتهجد ويسمى فرض عين أو غير معين كالجهاد يسمى فرض الكفاية، فإن ظن كل طائفة أن غيره فعل سقط عن الكل وإن ظن أنه لم يفعل وجب
المسألة الرابعة:
وجوب الشيء مطلقا يوجب وجوب ما لا يتم إلا به وكان مقدورا.
قيل: يوجب السبب دون الشرط وقيل: لا فيهما.
لنا أن التكليف بالمشروط دون الشرط محال.
قيل يختص بوقت وجود الشرط قلنا خلاف الظاهر.
قيل إيجاب المقدمة أيضا كذلك، قلنا لا فان اللفظ لم يدفعه.
تنبيه:
مقدمة الواجب إما أن يتوقف عليها وجوده شرعا كالوضوء للصلاة أو عقلا كالمشي للحج أو العلم به كالإتيان بالخمس إذا ترك واحدة ونسي، وستر شيء من الركبة لستر الفخذ.
فروع:
الأول: لو اشتبهت المنكوحة بالأجنبية حرمتا على معنى أنه يجب عليه الكف عنهما.
الثاني: إذا قال إحداكما طالق حرمتا تغليبا للحرمة، والله تعالى يعلم أن سيعين إحداهما لكن ما لم يعين لم تتعين.
الثالث: الزائد على ما ينطلق عليه الاسم من المسح غير واجب وإلا لم يجز تركه.
المسألة الخامسة: وجوب الشيء يستلزم حرمة نقيضه ؛ لأنها جزؤه فالدال عليه يدل عليها بالتضمن قالت المعتزلة وأكثر أصحابنا الموجب قد يغفل عن نقيضه، قلنا لا فإن الإيجاب بدون المنع من نقيضه محال، وإن سلم فمنفوض لوجوب المقدمة.
المسألة السادسة: إذا نسخ الوجوب بقي الجواز خلافا للغزالي؛ لأن الدال على الوجوب يتضمن الجواز والناسخ لا ينافيه فإنه يرتفع الوجوب بارتفاع المنع من الترك قيل: الجنس يتقوم بالفصل فيرتفع بارتفاعه , قلنا: لا، وإن سلم فيتقوم بفصل عدم الحرج.
المسألة السابعة: الواجب لا يجوز تركه , وقال الكعبي: فعل المباح ترك الحرام وهو واجب قلنا لا بل يحصل , وقال الفقهاء يجب الصوم على الحائض والمريض والمسافر لأنهم شهدوا الشهر وهو موجب وأيضا عليهم للقضاء بقدره.
صفحة ٥
قلنا العذر مانع والقضاء يتوقف على السبب لا الوجوب وإلا لما وجب قضاء الظهر على من نام جميع الوقت.
الباب الثاني: فيما لا بد للحكم منه وهو الحاكم والمحكوم عليه وبه
وفيه ثلاثة فصول: الفصل الأول
في الحاكم: وهو الشرع دون العقل لما بينا من فساد الحسن والقبح العقليين في كتاب المصباح.
فرعان على التنزل: الأول: شكر المنعم ليس بواجب عقلا إذ لا تعذيب قبل الشرع لقوله تعالى "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا "؛ ولأنه لو وجب لوجب إما لفائدة المشكور وهو منزه أو للشاكر في الدنيا وأنه مشقة بلا حظ أو في الآخرة ولا استقلال للعقل بها، قيل يدفع ظن ضرر الآجل قلنا قد يتضمنه لأنه تصرف في ملك الغير وكالاستهزاء لحقارة الدنيا بالقياس إلى كبريائه؛ ولأنه ربما لا يقع لائقا قيل ينتقض بالوجوب الشرعي قلنا إيجاب الشرع لا يستدعي فائدة.
الفرع الثاني: الأفعال الاختيارية: قبل البعثة مباحة عند البصرية وبعض الفقهاء محرمة عند البغدادية وبعض الإمامية وابن أبي هريرة وتوقف الشيخ والصيرفي وفسره الإمام بعدم الحكم والأولى أن يفسر بعدم العلم؛ لأن الحكم قديم عنده ولا يتوقف تعلقه عن البعثة لتجويزه التكليف بالمحال.
احتج الأولون بأنه انتفاع خال عن أمارة المفسدة ومضرة المالك فتباح كالاستظلال بجدار الغير والاقتباس من ناره، وأيضا المآكل اللذيذة خلقت لغرضنا لامتناع العبث واستغنائه وليس للإضرار اتفاقا فهو للنفع وهو إما التلذذ أو الاغتذاء أو الاجتناب مع الميل أو الاستدلال ولا يحصل إلا بالتناول.
وأجيب عن الأول بمنع الأصل وعليه الأوصاف والدوران ضعيف وعن الثاني أن أفعاله لا تعلل بالغرض وإن سلم فالحصر ممنوع.
وقال الآخرون تصرف بغير إذن المالك فيحرم كما في الشاهد ورد بأن الشاهد يتضرر به دون الغائب.
تنبيه:
عدم الحرمة لا يوجب الإباحة لأن عدم المنع أعم من الإذن.
صفحة ٦
الفصل الثاني: في المحكوم عليه: وفيه مسائل المسألة الأولى: أن المعدوم يجوز الحكم عليه كما أنا مأمورون بحكم الرسول صلى الله عليه وسلم , قيل: الرسول قد أخبر أن من سيولد فإن الله تعالى سيأمره.
قلنا أمر الله في الأزل معناه: أن فلانا إذا وجد فهو مأمور بكذا , وقيل الأمر في الأزل ولا سامع ولا مأمور عبث بخلاف أمر الرسول عليه السلام.
قلنا مبني على القبح العقلي ومع هذا فلا سفه في أن يكون في النفس طلب التعلم من ابن سيولد.
المسألة الثانية: لا يجوز تكليف الغافل من أحال تكليف المحال فإن الإتيان بالفعل امتثالا يعتمد العلم ولا يكفي مجرد الفعل لقوله عليه السلام "إنما الأعمال بالنيات"، ونوقض بوجوب المعرفة وأجيب بأنه مستثنى.
المسألة الثالثة: الإكراه الملجئ يمنع التكليف لزوال القدرة.
المسألة الرابعة: التكليف يتوجه عند المباشرة وقالت المعتزلة: بل قبلها لنا أن القدرة حينئذ قبل التكليف في الحال بالإيقاع في ثاني الحال قلنا الإيقاع إن كان نفس الفعل فمحال في الحال، وإن كان غيره فيعود الكلام إليه ويتسلسل قالوا عند المباشرة واجب الصدور قلنا حال القدرة والداعية كذلك.
الفصل الثالث في المحكوم به وفيه مسائل
الأولى: التكليف بالمحال جائز لأن حكمه لا يستدعي غرضا قيل لا يتصور وجوده فلا يطلب، قلنا إن لم يتصور امتنع الحكم باستحالته , غير واقع بالممتنع لذاته كإعدام القديم وقلب الحقائق للاستقراء , ولقوله تعالى " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها " , قيل أمر أبا لهب بالإيمان بما أنزل ومنه أنه لا يؤمن فهو جمع بين النقيضين قلنا لا نسلم أنه أمر به بعد ما أنزل أنه لا يؤمن.
صفحة ٧
المسألة الثانية: الكافر مكلف بالفروع خلافا للمعتزلة , وفرق قوم بين الأمر والنهي لنا أن الآيات الآمرة بالعبادة تتناولهم والكفر غير مانع لإمكان إزالته وأيضا: الآيات الموعدة على ترك الفروع كثيرة مثل "وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة "وأيضا أنهم كلفوا بالنواهي لوجوب حد الزنا عليهم , فيكونون مكلفين بالأمر قياسا.
قيل الانتهاء أبدا ممكن دون الامتثال وأجيب بأن مجرد الفعل والترك لا يكفي فاستويا وفيه نظر قيل لا يصح مع الكفر ولا قضاء بعده، قلنا الفائدة تضعيف العذاب.
المسألة الثالثة: امتثال الأمر يوجب الإجزاء؛ لأنه إن بقي متعلقا به فيكون أمرا بتحصيل الحاصل , أو بغيره فلا يمتثل بالكلية. قال أبو هاشم لا يوجبه كما لا يوجب النهي الفساد والجواب طلب الجامع ثم الفرق.
الكتاب الأول: في الكتاب
والاستدلال به يتوقف على معرفة اللغة ومعرفة أقسامهما، وهو ينقسم إلى أمر ونهي وعام وخاص ومجمل ومبين وناسخ ومنسوخ وبيان ذلك في أبواب.
الباب الأول: في اللغات وفيه فصول: الفصل الأول: في الوضع:
صفحة ٨
لما مست الحاجة إلى التعاون والتعارف وكان اللفظ أفيد من الإشارة والمثال لعمومه وأيسر؛ لأن الحروف كيفيات تعرض للنفس الضروري وضع بإزاء المعاني الذهنية لدورانه معها , ليفيد النسب والمركبات دون المعاني المفردة وإلا فيدور , ولم يثبت تعيين الواضع والشيخ زعم أنه تعالى وضعه ووقف عباده عليه لقوله تعالى" وعلم آدم الأسماء كلها " "ما أنزل الله بها من سلطان" " واختلاف ألسنتكم"؛ ولأنها لو كانت اصطلاحية لاحتيج في تعريفها إلى اصطلاح آخر ويتسلسل ولجاز التغيير فيرتفع الأمان عن الشرع، وأجيب بأن الأسماء سمات الأشياء وخصائصها أو ما سبق وضعها، والذم للاعتقاد والتوقيف يعارضه الإقدار والتعليم بالترديد والقرائن كما للأطفال، والتغيير لو وقع لاشتهر، وقال أبو هاشم الكل مصطلح وإلا فالتوقيف إما بالوحي فتتقدم البعثة وهي متأخرة لقوله تعالى "وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه " أو بخلق علم ضروري في عاقل فيعرفه تعالى ضرورة فلا يكون مكلفا أو في غيره وهو بعيد.
وأجيب بأنه ألهم العاقل بأن واضعا ما وضعها، وإن سلم لم يكن مكلفا بالمعرفة فقط وقال الأستاذ ما وقع به التنبيه إلى الاصطلاح توقيفي والباقي مصطلح , وطريق معرفتها النقل المتواتر أو الآحاد واستنباط العقل من النقل , كما إذا نقل أن الجمع المعرف بالألف واللام يدخله الاستثناء وأنه إخراج بعض ما تناول اللفظ فيحكم بعمومه وأما العقل الصرف لا يجدي.
صفحة ٩
الفصل الثاني: في تقسيم الألفاظ دلالة اللفظ على تمام مسماه مطابقة وعلى جزئه تضمن وعلى لازمه الذهني التزام , واللفظ إن دل جزؤه على جزء المعنى فمركب وإلا فمفرد , والمفرد إما أن لا يستقل بمعناه وهو الحرف أو يستقل وهو الفعل إن دل بهيئته على أحد الأزمنة الثلاثة وإلا فاسم كلي إن اشترك معناه، متواطئ إن استوى، ومشكك إن تفاوت، وجنس إن دل على ذات غير معينة كالفرس ومشتق إن دل على ذي صفة معينة كالفارس وجزئي إن لم يشترك , وعلم إن استقل ومضمر إن لم يستقل.
تقسيم آخر: اللفظ والمعنى إما أن يتحدا وهو المنفرد أو يتكثرا وهي المتباينة تفاصلت معانيها كالسواد والبياض أو تواصلت كالسيف والصارم والناطق والفصيح، أو يتكثر اللفظ ويتحد المعني وهي المترادفة أو بالعكس فإن وضع للكل فمشترك وإلا فإن نقل لعلاقة واشتهر في الثاني سمي بالنسبة إلى الأول منقولا عنه وإلى الثاني منقولا إليه.
وإلا فحقيقة ومجاز , والثلاثة الأول المتحدة المعنى نصوص، وأما الباقية فالمتساوي الدلالة مجمل والراجح ظاهر والمرجوح مؤول , والمشترك بين النص والظاهر المحكم، وبين المجمل والمؤول المتشابه.
تقسيم آخر: مدلول اللفظ إما معنى أو لفظ أو مركب مستعمل أو مهمل نحو الفرس والكلمة وأسماء الحروف والخبر والهذيان , والمركب صيغ للإفهام فإن أفاد بالذات طلبا فالطلب للماهية استفهام، وللتحصيل مع الاستعلاء أمر ومع التساوي التماس ومع التسفل سؤال، وإلا فمحتمل التصديق والتكذيب خبر، وغيره تنبيه ويندرج فيه الترجي والتمني والقسم والنداء.
صفحة ١٠
الفصل الثالث: في الاشتقاق وهو رد لفظ إلى لفظ آخر لموافقته له في حروفه الأصلية ومناسبته له في المعنى ولا بد من تغيير بزيادة أو نقصان حرف أو حركة أو كليهما أو زيادة أحدهما ونقصانه أو نقصان الآخر أو بزيادته أو نقصانه بزيادة الآخر ونقصانه أو بزيادتهما ونقصانهما، نحو كاذب ونصر وضارب وخف وضرب على مذهب الكوفيين وغلى ومسلمات وحذر وعاد ونبت واضرب وخاف وعد وكال وارم.
وأحكامه في مسائل:
الأولى: شرط المشتق صدق أصله خلافا لأبي علي وابنه , فإنهما قالا بعالمية الله تعالى دون علمه وعللاها فينا به.
لنا أن الأصل جزؤه فلا يوجد دونه.
الثانية: شرط كونه حقيقة دوام أصله خلافا لابن سينا وأبي هاشم لأنه يصدق نفيه عند زواله فلا يصدق إيجابه قيل مطلقتان فلا تتناقضان قلنا مؤقتتان بالحال فإن أهل العرف ترفع أحدهما بالآخر.
وعورض بوجوه:
الأول: أن الضارب من له الضرب وهو أعم من الماضي , ورد بأنه أعم في المستقبل أيضا وهو مجاز اتفاقا.
الثاني: أن النحاة منعوا عمل النعت الماضي ونوقض بأنهم أعملوا المستقبل.
الثالث: أنه لو شرط لم يكن المتكلم ونحوه حقيقة وأجيب بأنه لما تعذر استعمال أجزائه اكتفى بآخر جزء.
الرابع: أن المؤمن يطلق حالة الخلو عن مفهومه وأجيب بأنه مجاز، وإلا لأطلق الكافر على أكابر الصحابة حقيقة.
الثالثة: اسم الفاعل لا يشتق لشيء والفعل لغيره؛ للاستقراء , قالت المعتزلة: الله متكلم بكلام يخلقه في الجسم كما أنه الخالق والخلق هو المخلوق , قلنا الخلق هو التأثير , قالوا إن قدم العالم وإلا لافتقر إلى خلق آخر وتسلسل.
قلنا هو نسبة فلم يحتج إلى تأثير آخر.
الفصل الرابع: في الترادف
وهو توالي الألفاظ المفردة الدالة على شيء واحد باعتبار واحد كالإنسان والبشر , والتأكيد يقوي الأول والتابع لا يفيد.
وأحكامه في مسائل:
الأولى: في سببه: المترادفان إما من واضعين , والتبسا أو واحد لتكثير الوسائل في مجال البديع.
صفحة ١١
الثانية: أنه خلاف الأصل لأنه تعريف المعرف ومحوج إلى حفظ الكل.
الثالثة: اللفظ يقوم بدل مرادفه من لغته إذ التركيب يتعلق بالمعنى دون اللفظ.
الرابعة: التوكيد تقوية مدلول ما ذكر بلفظ ثان فإما أن يكون بنفسه مثل قوله عليه السلام "والله لأغزون قريشا ثلاثا"، أو بغيره للمفرد كالنفس والعين وكلا وكلتا وكل وأجمعين وأخواته، وللجملة كإن وجوازه ضروري، ووقوعه في اللغات معلوم.
الفصل الخامس: في الاشتراك. وفيه مسائل
الأولى: في إثباته: أوجبه قوم لوجهين:
الأول: أن المعاني غير متناهية والألفاظ متناهية فإذا وزع لزم الاشتراك، ورد بعد تسليم المقدمتين بأن المقصود بالوضع متناه.
والثاني: أن الوجود يطلق على الواجب والممكن وجود الشيء عينه، ورد بأن الوجود زائد مشترك، وإن سلم فوقوعه لا يقتضي وجوبه، وأحاله آخرون لأنه لا يفهم الغرض فيكون مفسدة ونوقض بأسماء الأجناس.
والمختار إمكانه؛ لجواز أن يقع من واضعين, أو واحد لغرض الإيهام , حيث جعل التصريح سببا للمفسدة.
ووقوعه: للتردد في المراد من القرء ونحوه ووقع في القرآن العظيم مثل:"ثلاثة قروء"،"والليل إذا عسعس".
الثانية: أنه خلاف الأصل وإلا لم يفهم ما لم يستفسر ولامتنع الاستدلال بالنصوص، ولأنه أقل بالاستقراء ويتضمن مفسدة السامع لأنه ربما لم يفهم وهاب استفساره واستنكف أو فهم غير مراده وحكى لغيره فيؤدي إلى جهل عظيم واللافظ لأنه قد يحوجه إلى العبث أو يؤدي إلى الإضرار أيضا , أو يعتمد فهمه فيضيع غرضه فيكون مرجوحا.
الثالثة: مفهوما المشترك إما أن يتباينا كالقرء للطهر والحيض، أو يتواصلا فيكون أحدهما جزء الآخر كالإمكان للعام والخاص أو لازمه كالشمس للكوكب وضوئه.
الرابعة: جوز الشافعي رحمه الله والقاضيان وأبو علي إعمال المشترك في جميع مفهوماته الغير المتضادة ومنعه أبو هاشم والكرخي والبصري والإمام.
صفحة ١٢
لنا الوقوع في قوله تعالى:"إن الله وملائكته يصلون على النبي" وهي من الله مغفرة ومن غيره استغفار قيل الضمير متعدد فيتعدد الفعل، قلنا معنى لا لفظا وهو المدعي
وفي قوله تعالى:"ألم تر أن الله يسجد له من في السموات"الآية، قيل حرف العطف بمثابة العامل قلنا إن سلم فبمثابته بعينه , قيل يحتمل وضعه للمجموع أيضا فالإعمال في البعض، قلنا فيكون المجموع مستندا إلى كل واحد وهو باطل.
احتج المانع بأنه إن لم يضع الواضع للمجموع لم يجز استعماله فيه، قلنا لم لا يكفي الوضع لكل واحد للاستعمال في الجميع.
ومن المانعين من جوز في الجمع والسلب والفرق ضعيف.
ونقل عن الشافعي والقاضي الوجوب حيث لا قرينة احتياطا.
الخامسة: المشترك إن تجرد عن القرينة فمجمل، وإن اقترن به ما يوجب اعتبار واحد تعين أو أكثر فكذا عند من يجوز الإعمال في معنيين وعند المانع مجمل أو إلغاء البعض فينحصر في الباقي أو الكل فيحمل على المجاز فإن تعارضت حمل على الراجح هو أو أصله وإن تساويا أو ترجح أحدهما وأصل الآخر فمجمل.
الفصل السادس: في الحقيقة والمجاز
الحقيقة فعيلة من الحق بمعنى الثابت أو المثبت نقل إلى العقد المطابق ثم إلى القول المطابق ثم إلى اللفظ المستعمل فيما وضع له في اصطلاح التخاطب والتاء لنقل اللفظ من الوصفية إلى الاسمية.
والمجاز مفعل من الجواز بمعنى العبور وهو المصدر أو المكان نقل إلى الفاعل ثم إلى اللفظ المستعمل في معنى غير موضوع له يناسب المصطلح.
وفيه مسائل:
الأولى: الحقيقة اللغوية موجودة وكذا العرفية العامة كالدابة ونحوها والخاصة كالقلب والنقض والجمع والفرق , واختلف في الشرعية كالصلاة والزكاة والحج فمنع القاضي مطلقا، وأثبت المعتزلة مطلقا، والحق أنها مجازات لغوية اشتهرت لا موضوعات مبتدأة، وإلا لم تكن عربية فلا يكون القرآن عربيا وهو باطل لقوله تعالى:"وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا" ونحوه.
صفحة ١٣
قيل المراد بعضه فإن الحالف على أن لا يقرأ القرآن يحنث بقراءة البعض قلنا معارض بما يقال إنه بعضه قيل تلك كلمات قلائل فلا تخرجه عن كونه عربيا كقصيدة فارسية فيها ألفاظ عربية، قلنا تخرجه وإلا لما صح الاستثناء قيل كفي في عربيتها استعمالها في لغتهم، قلنا تخصيص الألفاظ باللغات بحسب الدلالة، قيل منقوض بالمشكاة والقسطاس والإستبرق والسجيل، قلنا وضع العرب فيها وافق لغة أخرى، وعورض بأن الشارع اخترع معاني فلا بد لها من ألفاظ قلنا كفى التجوز، وبأن الإيمان في اللغة هو التصديق وفي الشرع فعل الواجب لأنه الإسلام وإلا لم يقبل من مبتغيه لقوله تعالى: "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه "، ولم يجز استثناء المسلم من المؤمن وقد قال تعالى: "فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين "، والإسلام هو الدين لقوله تعالى: "إن الدين عند الله الإسلام"، والدين فعل الواجبات لقوله تعالى: "وذلك دين القيمة"، قلنا: الإيمان في الشرع تصديق خاص وهو غير الإسلام والدين فإنهما الانقياد والعمل الظاهر ولهذا قال تعالى: "قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا"، وإنما جاز الاستثناء لصدق المؤمن على المسلم بسبب أن التصديق شرط صحة الإسلام.
فروع:
الأول: النقل خلاف الأصل إذ الأصل بقاء الأول ولأنه يتوقف على الأول ونسخه ووضع ثان فيكون مرجوحا.
الثاني: الأسماء الشرعية موجودة: المتواطئة كالحج والمشتركة كالصلاة الصادقة على الأركان وصلاة المصلوب والجنازة، والمعتزلة سموا أسماء الذوات دينية كالمؤمن والفاسق، والحروف لم توجد، والفعل يوجد بالتبع.
صفحة ١٤
الثالث: صيغ العقود كبعت إنشاء إذ لو كانت أخبارا وكانت ماضيا أو حالا لم يقبل التعليق وإلا لم يقع , وأيضا إن كذبت لم تعتبر وإن صدقت فصدقها إما بها فيدور أو بغيرها وهو باطل إجماعا وأيضا: لو قال للرجعية طلقتك لم يقع كما لو نوى الإخبار الثانية: المجاز إما في المفرد مثل الأسد للشجاع أو في المركب مثل:
أشاب الصغير وأفنى الكبير .... كر الغداة ومر العشى
أو فيهما مثل أحياني اكتحالي بطلعتك، ومنعه أبو داود في القرآن والحديث.
لنا قوله تعالى: "جدارا يريد أن ينقض"، قال فيه إلباس قلنا لا إلباس مع القرينة قال لا يقال لله تعالى إنه متجوز, قلنا لعدم الإذن أو لإيهامه الاتساع فيما لا ينبغي.
الثالثة: شرط المجاز العلاقة المعتبر نوعها نحو السببية القابلية. مثل سال الوادي والصورية كتسمية اليد قدرة , والفاعلية مثل نزل السحاب , والغائية كتسمية العنب خمرا، والمسببية كتسمية المرض المهلك بالموت، والأولى أولى لدلالتها على التعيين , وأولاها الغائية لأنها علة في الذهن ومعلولة في الخارج.
والمشابهة كالأسد للشجاع، والمنقوش وتسمى الاستعارة والمضادة مثل " وجزاء سيئة سيئة مثلها"، والكلية كالقرآن لبعضه , والجزئية كالأسود للزنجي والأول أقوى للاستلزام والاستعداد كالمسكر للخمر في الدن، وتسمية الشيء باعتبار ما كان عليه كالعبد، والمجاورة كالراوية للقربة والزيادة والنقصان مثل " ليس كمثله شيء " " واسأل القرية " والتعلق: كالخلق للمخلوق.
الرابعة: المجاز بالذات لا يكون في الحرف لعدم الإفادة والفعل المشتق لأنهما يتبعان الأصول والعلم لأنه لم ينقل لعلاقة.
الخامسة:
المجاز خلاف الأصل لاحتياجه إلى الوضع الأول والمناسبة والنقل ولإخلاله بالفهم فإن غلب كالطلاق تساويا والأولى الحقيقة عند أبي حنيفة والمجاز عند أبي يوسف رضي الله عنهما.
السادسة:
يعدل إلى المجاز لثقل لفظ الحقيقة كالخنفقيق، أو لحقارة معناه كقضاء الحاجة، أو لبلاغة لفظ المجاز، أو لعظمة في معناه كالمجلس، أو زيارة بيان كالأسد.
السابعة:
اللفظ قد لا يكون حقيقة ولا مجازا كما في الوضع الأول والأعلام، وقد يكون حقيقة ومجاز بالاصطلاحين كالدابة.
الثامنة:
صفحة ١٥
علامة الحقيقة سبق الفهم والعرى عن القرينة , وعلامة المجاز الإطلاق على المستحيل مثل: "وأسأل القرية"، والإعمال في المنسي كالدابة للحمار.
الفصل السابع: في تعارض ما يخل بالفهم
وهو الاشتراك والنقل والمجاز والإضمار والتخصيص وذلك على عشرة أوجه:
الأول: النقل أولى من الاشتراك , لإفراده في الحالتين كالزكاة ,
الثاني: المجاز خير منه لكثرته وإعمال اللفظ مع القرينة ودونها كالنكاح.
الثالث: الإضمار خير منه لأن احتياجه إلى القرينة في صورة احتياج الاشتراك إليها في صورتين مثل " واسأل القرية "
الرابع: التخصيص خير لأنه خير من المجاز كما سيأتي مثل:"ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم" فإنه مشترك أو مختص بالعقد وخص عنه الفاسد.
الخامس: المجاز خير من النقل لعدم استلزامه نسخ الأول كالصلاة.
السادس: الإضمار خير منه لأنه مثل المجاز كقوله تعالى وحرم الربا فإن الأخذ مضمر والربا نقل إلى العقد.
السابع: التخصيص أولى لما تقدم مثل "وأحل الله البيع" فإنه المبادلة مطلقا وخص عنه أو نقل إلى المستجمع لشرائط الصحة.
الثامن: الإضمار مثل المجاز لاستوائهما في القرينة مثل هذا ابني.
التاسع: التخصيص خير من المجاز لأن الباقي متعين والمجاز ربما لا يتعين مثل "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه" فإن المراد التلفظ وخص النسيان أو الذبح
العاشر: التخصيص خيرمن الإضمار لما مر مثل: ولكم في القصاص حياة"
تنبيه:
الاشتراك خير من النسخ لأنه لا يبطل , والاشتراك بين علمين خير منه بين علم ومعنى وخير منه بين معنيين.
الفصل الثامن
صفحة ١٦
في تفسير حروف يحتاج إليها وفيه مسائل الأولى: الواو للجمع المطلق بإجماع النحاة ولأنها تستعمل حيث يمتنع الترتيب مثل تقاتل زيد وعمرو وجاء زيد وعمرو قبله ولأنها كالجمع والتثنية وهما لا يوجبان الترتيب، قيل أنكر عليه الصلاة والسلام ومن عصاهما ملقنا" ومن عصى الله تعالى ورسوله"، قلنا ذلك لأن الأفراد بالذكر أشد تعظيما، قيل لو قال لغير الممسوسة أنت طالق وطالق طلقت واحدة بخلاف ما لو قال أنت طالق طلقتين قلنا الإنشاءات مترتبة بترتيب اللفظ وقوله طلقتين تفسير لطالق.
الثانية: الفاء للتعقيب إجماعا ولهذا ربط بها الجزاء إذا لم يكن فعلا، وقوله " لا تفتروا على الله كذبا فيستحكم بعذاب " مجاز.
الثالثة: في الظرفية ولو تقديرا مثل "ولأصلبنكم في جذوع النخل" ولم يثبت مجيئها للسببية.
الرابعة: من لابتداء الغاية وللتبعيض وللتبيين وهي حقيقة في التبيين دفعاص للاشتراك.
الخامسة: الباء تعدي اللازم وتجزي المتعدي لما يعلم من الفرق بين مسحت المنديل ومسحت بالمنديل ونقل إنكاره عن ابن جني ورد بأنه شهادة نفي.
السادسة: إنما للحصر لأن إن للإثبات وما للنفي فيجب الجمع على ما أمكن، وقد قال الأعشى وإنما العزة للكاثر وقال الفرزدق: وإنما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي، وعورض بقوله تعالى "إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم" قلنا المراد الكاملون.
الفصل التاسع
في كيفية الاستدلال بالألفاظ
وفيه مسائل الأولى: لا يخاطبنا الله بالمهمل لأنه هذيان احتجت الحشوية بأوائل السور قلنا أسماؤها , وبأن الوقف على قوله تعالى "وما يعلم تأويله إلا الله" واجب وإلا لاختص المعطوف بالحال قلنا يجوز حيث لا لبس مثل "ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة" وبقوله تعالى "كأنه رؤوس الشياطين" قلنا مثل في الاستقباح.
الثانية: لا يعني خلاف الظاهر من غير بيان, لأن اللفظ بالنسبة إليه مهمل قالت المرجئة يفيد إحجاما، قلنا: حينئذ يرتفع الوثوق عن قوله تعالى.
صفحة ١٧
الثالثة الخطاب إما أن يدل على الحكم بمنطوقه فيحمل على الشرعي ثم العرفي ثم اللغوي ثم المجاز , أو بمفهومه: وهو إما أن يلزم عن مفرد يتوقف عليه عقلا أو شرعا مثل ارم و، اعتق عبدك عني ويسمى اقتضاء أو مركب موافق وهو فحوى الخطاب كدلالة تحريم التأفيف على تحريم الضرب وجواز المباشرة إلى الصبح على جواز الصوم جنبا، أو مخالف كلزوم نفي الحكم عما عدا المذكور ويسمى دليل الخطاب.
الرابعة: تعليق الحكم بالاسم لا يدل على نفيه عن غيره وإلا لما جاز القياس خلافا لأبي بكر الدقاق، وبإحدى صفتي الذات مثل "في سائمة الغنم زكاة" يدل ما لم يظهر للتخصيص فائدة أخرى خلافا لأبي حنيفة وابن سريج والقاضي وإمام الحرمين والغزالي.
لنا أنه المتبادر من قوله عليه السلام "مطل الغنى ظلم" ومن قولهم الميت اليهودي لا يبصر، وإن ظاهر التخصيص يستدعي فائدة وتخصيص الحكم فائدة وغيرها منتف بالأصل فيتعين، وإن الترتيب يشعر بالعلية كما ستعرفه والأصل ينفي علة أخرى فينتفي بانتفائها، قيل لو دل لدل إما مطابقة أو التزاما قلنا دل التزاما لما ثبت أن الترتيب يدل على العلية وانتفاء العلة يستلزم انتفاء معلولها المساوي، قيل "ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق" ليس كذلك قلنا غير المدعى.
الخامسة: التخصيص بالشرط مثل" وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن" فينتفي المشروط بانتفائه قيل تسمية إن حرف شرط اصطلاح، قلنا الأصل عدم النقل قيل يلزم ذلك لو لم يكن الشرط بدل قلنا حينئذ يكون الشرط أحدهما وهو غير المدعي قيل "ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا" ليس كذلك قلنا لا نسلم بل انتفاء الحرمة لامتناع الإكراه.
السادسة: التخصيص بالعدد لا يدل على الزائد والناقص.
صفحة ١٨
السابعة: النص إما أن يستقل بإفادة الحكم أو لا والمقارن له إما نص آخر مثل دلالة قوله "أفعصيت أمري" مع دلالة قوله تعالى" ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم "على أن تارك الأمر يستحق العقاب ودلالة قوله تعالى "وحمله وفصاله ثلاثون شهرا "مع قوله "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين" على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، أو إجماعا كالدال على أن الخالة بمثابة الخال في إرثها إذ دل نص عليه.
الباب الثاني
في الأوامر والنواهي وفيه فصول
الفصل الأول في لفظ الأمر وفيه مسألتان
الأولى:
أنه حقيقة في القول الطالب للفعل واعتبرت المعتزلة العلو , وأبو الحسين
الاستعلاء، ويفسدها قوله تعالي حكاية عن فرعون:"ماذا تأمرون"، وليس حقيقة في غيره دفعا للاشتراك. وقال بعض الفقهاء: إنه مشترك بينه وبين الفعل, لأنه يطلق عليه مثل:"وما أمر فرعون برشيد" والأصل في الإطلاق الحقيقة , قلنا: المراد الشأن مجازا قال البصري: إذا قيل فلان ترددنا بين القول والفعل والشيء والصفة والشأن, وهو آية الاشتراك قلنا: لا بل يتبادر القول لما تقدم.
الثانية:
الطلب بديهي التصور, وهو غير العبارات المختلفة, والإدارة خلافا للمعتزلة.
لنا أن الإيمان من الكفار مطلوب وليس بمراد لما عرفت، وأن الممهد لعذره في ضرب عبده يأمره ولا يريد واعترف أبوعلي وابنه بالتغاير وشرطا الإرادة في الدلالة ليتميز عن التهديد, قلنا: كونه مجازا كاف.
الفصل الثاني: في صيغته
وفيه مسائل:
صفحة ١٩
الأولي: أن صيغة افعل ترد لستة عشر معني: الأول: الإيجاب مثل: " وأقيموا الصلاة"، والثاني: الندب " فكاتبوهم" ومنه:" كل مما يليك" , الثالث: الإرشاد: " واستشهدوا شهيدين"، والرابع: الإباحة:" كلوا مما في الأرض", الخامس: التهديد:" اعملوا ما شئتم" ومنه:"قل تمتعوا" السادس: الامتنان "كلوا مما رزقناكم الله"، السابع: الإكرام:" ادخلوها بسلام"، الثامن: التسخير: كقوله تعالي:" كونوا قردة" التاسع: التعجيز:" قل فأتوا بسورة" العاشر: الإهانه "ذق" الحادي عشر: التسوية:" اصبروا أولا تصبروا" الثاني عشر: الدعاء" اللهم اغفر لي"، الثالث عشر: التمني: "ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي" الرابع عشر: الاحتقار: " بل ألقوا" ... الخامس عشر: التكوين:"كن فيكون"، السادس عشر: الخبر: إذا لم تستح فاصنع ما شئت" وعكسه: "والوالدات يرضعن أولادهن" "لا تنكح المرأة المرأة".
الثانية: أنه حقيقة في الوجوب مجاز في الباقي, وقال أبو هاشم: إنه للندب, وقيل: للإباحة. وقيل مشترك بين الوجوب والندب, وقيل: للقدر المشترك بينهما, وقيل: لأحدهما ولا نعرفه وهو قول الحجة، وقيل مشترك بين الثلاثة، وقيل بين الخمسة.
لنا وجوه: الأول: قوله تعالى:"ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك "، ذم على ترك المأمور فيكون واجبا.
الثاني: قوله تعالى:" وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون" قيل: ذم على التكذيب، قلنا الظاهر أنه للترك، والويل للتكذيب، قيل: لعل هناك قرينه أوجبت، قلنا: رتب الذم على مجرد افعل.
صفحة ٢٠