وقد سأل أناس من كتاب الغرب هذا السؤال، وخيل إليهم أنهم وجدوا جوابه في قصة الصرع المزعوم قبل الفطام، وفيما كان يعروه من برحاء الوحي التي وصفها الأقربون منه، وأيسرها أنه كان عليه السلام يرعد ويضطرب ويتقاطر منه في اليوم الشاتي عرق كحب الجمان.
وعجيب أن يصاب الإنسان بصرع لا يعروه غير مرة واحدة في سن الرضاع، ثم لا يعاوده مرة أخرى إلى قرابة الأربعين.
وأعجب منه أنه يصاب به بعد الأربعين في حال واحدة؛ حين يتلقى الوحي، ثم لا يصاب به مرة في غير تلك الحال.
ولكنه ليس بالعجيب أن تجيش بنية اللحم والدم من أعماقها في غاشية كغاشية الوحي كائنا ما كان قوام البدن الذي تغشاه.
ولا نعلم أن أحدا من الأنبياء وصف لنا كما وصف محمد - عليه السلام - في كل لمحة من لمحاته، وفي كل حركة من حركاته، وفي يقظته ورقاده، وفي حديثه وصمته، وفي جلوسه ومسيره، وفي ركوبه وارتجاله، فلم تكن له صفة قط في كل أولئك غير صفة البنية السوية، والخلق القويم.
كان باتفاق جميع واصفيه فوق المربوع بعيد ما بين المنكبين، غزير الشعر، تلمس جمته شحمة أذنيه، شثن الكفين والقدمين، ضخم الكراديس - أي ملتقى العظام - ولم يكن بالمطهم ولا بالمكلثم، أدعج العينين، أهدب الأشفار، إذا مشى تقلع كأنما ينحط من صبب، ذريع الخطوة، سائل الأطراف.
1
والنطق أبين عن حالات الصرع من سائر الصفات، وما وصف منطق النبي بشيء ينم على اضطراب في عصب أو في عضل، أو ينبئ عن عرض من الأعراض غير سليم أو قويم: كان ضليع الفم، يتكلم بكلام بين فصل مفسر، إذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث اتصل بها - أي صحب كلامه بما يوافقه من حركتها - وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه، جل ضحكه التبسم، ليس بصخاب ولا يرتفع له صوت في غير دعاء.
وهذه صفات كلامه من أكثر من عشرين مصدرا جمعها أبو عيسى الترمذي، صاحب الشمائل المحمدية، ولم يأت بين ثناياها مساغ اشتباه في عرض من أعراض خلل الصرع والاضطراب؛ بل هي كلها توكيد للمنطق السليم والخلق القويم. •••
الله أعلم حيث يجعل رسالته.
صفحة غير معروفة