الحمد لله الذي جعل علماء العترة للحق علما، وجعلهم سفنا للنجاة [من الأهوال](2) وعصما، وأبقاهم حفاظ الكتاب وتراجمه، ورقى الجهل الذي هو الداء الدوى(3) ومراهمه، فهم عند كل بدعة يكاد بها الإسلام يظهرون الحق، ويعلون، وينورونه، ويعلنون، ويردون عنه كيد الكائدين، وزيغ المبطلين، وانتحال الجاهلين، فهم على ذلك بوعد الصادق المصدوق لا يزالون على الحق ظاهرين. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله وصفيه، وحبيبه، ونجيبه، ونجيه الذي اختاره على علم، وزينه بالكمال والحلم، فلم يزل مصفيا لشرائع الإسلام لكل وارد، صادعا بالحق في كل المصادر والموارد، حتى إذا أكمل الله به الدين، ورجحت من الحق الموازين، ندبه الله إلى قربه فانتدب، وأحب له دار الجزاء ونعم ما أحب، بعد أن أو ضح المحجة، وصرح الحجة، وقام خطيبا يوما بعد يوم في ملأ بعد ملأ، وقوم بعد قوم، في ذلك يقول ما رواه مسلم في صحيحه، والترمذي، وأحمد في مسنده، والطبراني في الأوسط، وأبو يعلى، والحاكم في المستدرك من ثلاث طرق، قال في كل واحدة منها: صحيحة على شرط الشيخين، ولم يخرجاه - يعني من تلك الثلاث - وابن عقدة في الموالاة، والطبراني في الكبير والضياء في المختارة، وأبو نعيم في الحلية، وعبد بن حميد بسند جيد، وأبو موسى المدني في الصحابة، والحافظ أبو الفتوح العجلي في كتابه الموجز في فضائل الخلفاء، وابن أبي شيبة، وإسحاق بن راهويه بسند جيد، والدولابي في الذرية الطاهرة، والبزار، والزرندي الشافعي، وغيرهم بألفاظ مختلفة متفقة المعاني: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني(1) أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض))(2). إلى غير هذا الحديث مما طار كل مطار، وملأ النواحي والأقطار، فحفظت العترة الزكية ما استحفظت، وأحسنت الخلافة فيما عليه استخلفت؛ فهم علماء الملة الأعلام، وهم الملوك و(هم)(3) الحكام، وهم أهل العهدة في الإقدام والإحجام، ولذلك كان التجديد لأديان هذه الأمة من خصائصهم، ومن شأن المجدد لصنعة من مضى أن يكون هو العالم بمقدمات الصنعة وموادها، بحيث يرضاه الصانع الأول خليفة، وذلك فيما أخرج أبو إسماعيل الهروي من طريق حميد بن زنجويه، قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: يروى(4) في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ((إن الله يمن على أهل دينه من رأس كل مائة سنة برجل من أهل بيتي يبين لهم أمر دينهم))(5)، ورواه العلامة السبكي من طريق أبي هريرة، (وأبو نعيم)(1)، وذكره الجلال السيوطي في منظومته، قال: وهو قوي، وفي مرقاة الصعود وغيرها أيضا، وكان أيضا خاتمة الأئمة الذين تملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا منهم؟ وتنقطع في وقته المقالات إلا مقالته، وتضيع الدلالات إلا دلالته، وذلك آية (بينة)(2) وبرهان ظاهر أن مذهب أهل البيت هو المذهب، ولو لم يكونوا هم الأمناء والخلفاء لأعيى الخطب في حل مشكل ما رواه البخاري في صحيحه: ((لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم(3) اثنان)) ولهذا، أعوزت المسالك من تصدى لشرح البخاري حتى هدي لذلك الشيخ ابن حجر في فتح الباري، فإنه قال ما لفظه: ويحتمل أن يكون بقاء الأمر في بعض الأقطار دون بعض، فإن البلاد اليمنية وهي النجود فيها طائفة من ذرية الحسن بن علي لم تزل مملكة تلك البلاد معهم من أواخر المائة الثالثة، إلى أن قال: فبقي الأمر في قريش في قطر من الأقطار في الجملة، إلى آخر كلامه، ولو لم يكن العترة في هذه المثابة لكان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قد تركنا في طخياء مظلمة نتهارج، ونتفانى - والعياذ بالله - بغير هدى ولا كتاب منير، ولم يصدق قوله - عز وجل -: ?اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي? (المائدة: 3)، ولا قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ((ما عملت(4) شيئا يقودكم إلى الجنة إلا وقد دللتكم عليه))، وأي ضيعة؟ والله يصون مقامه أعظم من أن تبقى هذه الحنيفية بغير أعلام هدى، يدعي كل أحد أنه الحافظ لها والحائط لأكنافها، وهم مع ذلك شاهرو سيوف المخاصمة، ومشرعو سهام المكالمة، في التخطية والتصويب، والتصديق والتكذيب، قد تفرقوا فرقا كثيرة وادعى البعض أنه صاحب السنة والجماعة، وخصمه صاحب البدعة والفرقة، ولم يكن المسمى بهذا الاسم المستحق له مجهولا عند العلماء، ولا متروكا عن البيان، بل قد بينته الأخبار، فروى أبو داود: ((من أحب حسنا وحسينا وأباهما وأمهما كان معي في الجنة، ومات متبعا للسنة)) (1).
صفحة ٥